صراحة قلم
نعيش في زمن غريب، يكذب فيه الصادق، ويصدق فيه الكاذب، زمن يتصدر فيه الجاهل والتافه المشهد العام، ويتابعه عشرات الالاف من البشر في قنوات التواصل الاجتماعي، ويتم فيه تجاهل العلماء الربانيين.
زمن يخاف الشخص مساعدة الآخرين، حتى لا يقع في فخ قانون تجريم مساعدة المجرمين، وهو لا يشعر، يخاف أن يعطي هاتفه لشخص في الشارع يريد إجراء مكالمة ضرورية بعدما انتهى رصيد هاتفه، ولا يملك المال لشحنه، لأنه قد يكون هذا الشخص تاجر مخدرات، أو إرهابيا، أو مجرما مراقبا من رجال المباحث، فيستخدم الهاتف لإتمام عمله الإجرامي، فيتهم بالتعاون معه.
زمن يخاف فيه الشخص التحدث مع أي شخص يجلس إلى جواره في مكان عام، لأنه لا يعلم هل هذا الشخص مجرم مراقب من رجال الأمن، وقد يلقى القبض عليه ويتهم بالتعاون معه؟
زمن يخاف الشخص التوقف لأي سيارة متعطلة على الطريق، خصوصا في منتصف الليل، لأنه قد يكون مجرما هاربا، ويريد سرقته وسرقة سيارته.
زمن يخاف الشخص فيه من سيارة تسير بسرعة واستهتار ورعونة، لأنه قد يكون قائدها متعاطيا للمخدرات.
زمن يخاف فيه الشخص من الجلوس في ديوانية شخص يعرفه، لكنه لا يعرف روادها، قد يكون من روادها متعاطين للمخدرات، ويتم القبض عليه فيتهم بالجلوس معهم، فيسجن ثلاث سنوات، وفق قانون المخدرات الجديد.
زمن قاد زمام إعلامه، "الإخوان المفلسون"، الذين يجندون الشباب لتحقيق مصالح حزبهم تارة باسم الشريعة، وتارة باسم الحرية، وتارة باسم الديمقراطية، والليبراليون الذين يدعمون الإباحية والتفلت الأخلاقي باسم الحرية الشخصية.
صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة".
وقول حذيفة بن اليمان: "كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) عَنِ الخَيْرِ، وكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بهذا الخَيْرِ، فَهلْ بَعْدَ هذا الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: وهلْ بَعْدَ ذلكَ الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قالَ: نَعَمْ، وفيهِ دَخَنٌ، قُلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ منهمْ وتُنْكِرُ، قُلتُ: فَهلْ بَعْدَ ذلكَ الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقالَ: هُمْ مِن جِلْدَتِنَا، ويَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا، قُلتُ: فَما تَأْمُرُنِي إنْ أَدْرَكَنِي ذلكَ؟ قالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ، قُلتُ: فإنْ لَمْ يَكُنْ لهمْ جَمَاعَةٌ ولَا إمَامٌ؟ قالَ: فَاعْتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، ولو أَنْ تَعَضَّ بأَصْلِ شَجَرَةٍ، حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وأَنْتَ علَى ذلكَ".
وهذا الكلام ينطبق حرفيا على "الإخوان المفلسين"، ومن دار في فلكهم ممن يتخذ الدين مطية لتحقيق مصالحه الحزبية.
al_sahafi1@