بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي، بدأت مرحلة جديدة، لم تكن معروفة في الدولة، وهي إنشاء هيئات ومؤسسات، الهدف منها توزيع مناصب من أجل الكسب السياسي والانتخابي، ولذا ورد في أحد التقارير منذ سنوات عدة، أن هناك نحو 100 هيئة ومؤسسة تتضارب اختصاصاتها من الوزارات والمؤسسات والجهات الموجودة.
لقد أدى هذا التضارب إلى المزيد من تراجع الإنتاجية الحكومية، وعرقل عمل القطاع الخاص، لذا بدلاً من ترشيد الدورة المستندية، جرى إطالتها إلى حد أن المعاملة التي كانت تحتاج إلى يوم أو يومين، أصبح الانتهاء منها يتطلب أسابيع، وهذا أثر في عمل الشركات والمواطنين.
لذا، فإن التقرير المنشور في "السياسة" عن دمج هيئات، وإلغاء بعضها هو عين الصواب، ففي عصر التكنولوجيا لم تعد هناك حاجة إلى الكثير من المستندات، والتواقيع وغيرها مما كان يعرقل حركة الإنتاج الحكومي، بينما الحقيقة أن توحيد المعايير في الخدمات الحكومية يمنع هدر المال والوقت، ويزيد من كفاءة المؤسسات.
فمن الغرائب في هذا الشأن، أن وزارة كانت تجيز رخصة ما، وبينما تمنعها وزارة أخرى، أو توقفها هيئة ثالثة، لأسباب شتى، وكأن كل واحدة منها دولة بحد ذاتها.
فعلى صعيد المثال، في فترة من الفترات، أعلن وزير الإعلام والثقافة، الذي تدخل السياحة ضمن اختصاصاته، السماح لأصحاب الحيازات الزراعية بإنشاء بعض المرافق، من شاليهات وغيرها، ما يساعد على ما يعرف عالميا بـ"السياحة الزراعية"، لكن بعد فترة اعترضت وزارة المالية، والهيئات التابعة لها، فخسر الناس الأموال التي أنفقوها على تلك المشاريع، بينما في الدول الأخرى معمول بذلك منذ عقود.
لهذا، إن تفريخ الهيئات لم يكن من أجل خلق وظائف تفيد المواطنين، بقدر ما كان الهدف منه استجلاب الولاء الانتخابي، وخدمة المصالح الخاصة للمتنفذين، وترسية مناقصات لا تخدم المالية العامة، إنما تزيد من الهدر وترسخ الإفساد والفساد.
فحين تكون هناك نحو 19 هيئة معنية بالمراقبة ومكافحة الفساد، وتكتشف الأجهزة المعنية أن بعضها يعشش فيه الفساد والكسب غير المشروع، يتضح أن بعضها مجرد واجهة لوظائف لا تحتاج إليها الدولة، وللتنفيع الشخصي.
الجميع يذكر مقولة المغفور له الشيخ صباح الأحمد "إن الفساد لا تشيله البعارين"، ورغم أنه كان - رحمه الله - يتحدث حينها عن جهة ما، لكن في الواقع هذا ينطبق على الوزارات والمؤسسات كافة، إلا من رحم ربي.
لذا، حين يكون الحديث عن التراجع في الأداء، والإنتاجية، والقرارات التي تصدر عن جهة ما وتلغى من أخرى، فإن الداء يكون في عدم وجود رؤية إدارية.
لهذا، كان تشديد صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد في خطبه دائما على أهمية التخطيط المالي السليم، وتجنب الهدر، وتوجيه الموارد نحو الأولويات التنموية، وهو ما يتطلب رؤية إصلاحية شاملة، لتحديث وتطوير الأداء الحكومي والمؤسسات العامة لزيادة الكفاءة، ومكافحة الفساد، وضمان الشفافية.
لا شك أن هذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال إعادة النظر في مجمل المؤسسات والهيئات ودورها، وفي اختصاصاتها وفك التضارب بينها، لضمان الإصلاح الجذري من أجل مؤسسات لا تهدر المال العام لتحقيق مكاسب شخصية لهذا المتنفذ أو ذاك، إنما تعزز قدرة الدولة على الاستمرار في طريق التطور.