محمد الفوزان2 يناير 1492 ذكرى السقوط المريع، في مثل هذا اليوم سقطت الأندلس، وانطفأ فيها نور الإسلام، وذلك بعد حكم دام 781 سنة!سقطت غرناطة آخر ممالك الأندلس، وكانت تلك الليلة آخر ليلة يشهدها قصر الحمراء، وآخر صلاة جهرية للمسلمين في العلن حيث استيقظ أهلها على خبر سقوطها على يد فيرديناند الفونسو وإيزابيللا، ولهذا السقوط أسباب، ذلك أن أبا عبدالله الصغير ملك غرناطة، ولكثرة خلافاته مع جيرانه من الممالك الإسلامية، جعل نفسه أداة لألفونسو وإيزابيللا ملكي قشتالة وأراغون طمعاً في مساعدتهما بتدميرالممالك الإسلامية كان على خلاف معها، فهل شفع له ذلك؟ أبدا لم يشفع له، ففي ظل الذل والاستصغار يخرج أبو عبد الله محمد بن الأحمر الصغير، آخر ملوك الاندلس من القصر، ويسير بعيدًا في اتجاه بلدة أندرش، حتى وصل إلى ربوة عالية تُطل على قصر الحمراء تطلع منها إليه، وإلى ذاك المجد الذي ولَّى، وبحزن وأسى انطلق يبكي حتى بللت دموعه لحيته، فقالت له أمه عائشة الحرة: "فلتبك كالنساء مُلْكًا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال".إلى هذه اللحظة ما زال يطلق على هذا التل، الذي وقف عليه أبو عبد الله محمد الصغير"زفرة العربي الأخيرة"، بهذه الخطوة قد زال حكم المسلمين في الاندلس فكانت غرناطة آخر معاقلها.بدأت الخطوة عند اتحاد إيزابيللا الأولى، وفرديناند الثاني، وزواجهما وتوحيد مدنهما بحكم واحد مشترك، فقد فهما ان في الاتحاد قوة، أما المسلمون في حينها فقد استحوذت عليهم الفرقة والخوف على الملك والعرش، وتعزيز السلطة المطلقة كل في مدينته.الأسوأ أن أبا عبدالله الصغير لجأ الى التحالف مع الأفرنج للتآمر ضد المدن الإسلامية، وبهدف تعزيز سلطانه وحماية ملكه، إلاّ أن المملكة المسيحية كانت تلتهم المدن الإسلامية الواحدة تلو الأخرى دون رحمة، وكان أبوعبدالله الصغير مساهماً فعّالا في التآمر عليها ومساعدة الفرنجة على ذلك، بحجة الصداقة والتحالف معهم، أي مملكتي قشتالة وأراغون.بدأت المملكتان بالتعبئة مستخدمة الـ"إسلاموفوبيا"، وفُرض الحصار على طليطلةَ في العام 1084، ولم يقم أحد بمساعدة إخوانهم المسلمين إلا المتوكل ابن الأفطس الذي أرسل جيشا كبيرا لنجدتها، لكنه تعرض لهزيمة ساحقة من الجيش المسيحي، واستمر الحصار تسعة اشهر.لم يرض الفونسو سوى بتسلم المدينة كاملة، وفعلا تم ذلك في العام 1085، وتوجه إلى المسجد الكبير الذي حوله كاتدرائية اقام فيه قداس الشكر، وصارت عاصمة لمملكة قشتالة المسيحية، وتم منح المسلمين الحرية كاملة بمغادرة المدينة أو البقاء فيها وحرية التصرف في أملاكهم.أما عبدالله الاول عندما بنى قصر الحمراء في غرناطة ساعد الفرنجة على الاستيلاء على إشبيلية، مقابل الاحتفاظ بسلطته وفي استقلال وحكم غرناطة، بل إن بعض أبناء الشعب ساندوه على ذلك متأثرين بثقافة القوي، وفي النهاية أتى اليوم الذي تم الوصول فيه أخيراً الى غرناطة مملكة أبي عبدالله الصغير المتحالف معهم.سلم أبو عبدالله الصغير غرناطة بعد صلح عقده مع فيرناندو يقضي بتسليم المملكة وخروجه من الأندلس، وذلك في الثاني من شهر ربيع الأول سنة 897 هجرية الموافق للثاني من يناير 1492، لكن سرعان ما تم نقض العهد، وبدأت محاكم التفتيش في التعذيب والقتل والنفي، وبدأت هنا معاناة أهل الأندلس من المسلمين ومن اليهود، فقد كانت محاكم التفتيش تجبرهم على التنصير أو الموت.لم يُبد الأندلسيون رغبة في الاندماج بالمجتمع النصراني، وبقوا في معزل عنه، يؤدون شعائرهم، وحتى لا يصطدموا بمحاكم التفتيش لجأوا إلى ممارسة التَّقيَّة، فأظهروا النصرانية وأخفوا الإسلام، لكن لم تنته مشكلتهم هنا، بل كانوا يجبرون على الأكل في شهر رمضان أمام العامة، ويجبرون على شرب الخمر وأكل الخنزير.يمكننا تلخيص عوامل سقوط غرناطة في الأسباب الآتية:1- الانحراف عن شرع الله تعالى ومنهجه الإسلامي الصحيح.2- الانغماس في الملذات والترف.3- تقديم فروض الطاعة للعدو القوي.4- تبني خطاب العدو التحريضي من أجل الاحتفاظ بالسلطة، والتحالف معه ضد بلاد المسلمين.5- تقاعس كثير من العلماء عن دورهم الدعوي والإصلاحي، وآثروا السلامة على النصح والمشورة.والذي يجب أن يشغلنا حاليا هو أن نقف مع تاريخ الأندلس، وغيرها من البلاد وقفة نفهم منها الأحداث، وما هو دور المسؤولين والشعوب والأفراد مما يدور حولنا، حتى لا تصبح مدننا أندلساً أخرى.إمام وخطيب
[email protected]