الجمعة 20 سبتمبر 2024
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

آفاق الصراع العسكري في السودان

Time
الثلاثاء 02 مايو 2023
View
13
السياسة
د.سالم الكتبي

يحظى الصراع العسكري الذي اندلع اخيراً في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع" باهتمام إقليمي ودولي واسع النطاق، وتثور على هذه الخلفية العديد من التساؤلات أبرزها ما يتعلق بآفاق الصراع، وسيناريو نهايته، وهل تبدو قريبة أم سينضم إلى قائمة الصراعات التي اشتعلت منذ فترة طويلة، وظن أهلها أنها ستنطفئ قريباً، لكن هذه التوقعات خابت وتلاشت معها الآمال بتحقيق الأمن والاستقرار في الدول والمناطق المنكوبة بهذه الأزمات؟
الصراع العسكري السوداني له أبعاد جيوسياسية إقليمية ودولية، وله أسباب ظاهرة وأخرى كامنة، ويمتلك أبعاد هوياتية، حيث يعتبره البعض صراعاً بين شرق البلاد وغربها، وفي جميع هذه الأحوال يبدو المؤكد أنه صراع على السلطة والنفوذ للجنرالين اللذين يمثلان رأس السلطة في الجيش وقوات "الدعم السريع"، البرهان وحميدتي.
الشواهد تقول أن لا مؤشرات تذكر على نهاية وشيكة للصراع، لأن وجود السلاح بيد الطرفين، والدعم الخارجي الذي يحظى به كل منهما، يشير إلى إستمرار القتال بعد إنتهاء الهدنة التي تم التوصل إليها، وكان الغرض الأساسي منها إجلاء الرعايا الأجانب والديبلوماسيين.
احد أهم أسباب توقع إستمرار الصراع السوداني أنه يأتي في وقت يعاني فيه النظام العالمي ترهلاً وتفككاً عميقين بما يجعل من الصعب إحداث توافق دولي بشأن وضع نهاية حاسمة لهذا الصراع، ناهيك عن إنشغال القوى الكبرى الفاعلة بما يحدث في أوكرانيا، بل وانتقال الحرب بالوكالة إلى كل أزمة في أي منطقة من العالم، والسودان، بطبيعة الحال، ليست استثناء من ذلك.
وفي ذلك تشير التقارير الإعلامية إلى أطراف دولية عدة تعمل على الإستفادة من هذا الصراع وتوظيفه في خدمة مصالحها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. واللافت في هذا الأمر أنه الصراع الأول من نوعه الذي يشهد عروض وساطة لا تقتصر على دول أو منظمات دولية، حيث تقدمت مجموعة مسلحة غير رسمية، مثل "فاغنر" الروسية، بعرض للتوسط بين الجيش وقوات "الدعم السريع" بحثاً عن حل للأزمة. وقد أشار الـ"بنتاغون" الأميركي إلى دور المجموعة الروسية معرباً عن معارضته "لأي تأثيرات خارجية لإطالة أمد الصراع". وقال وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن: "لدينا قلق عميق بشأن مشاركة مجموعة "بريغوزين" (فاغنر) في أحداث السودان، حيث إنها تتواجد في العديد من البلدان الإفريقية، ودائماً ما تجلب معها المزيد من الموت والدمار، لذا من المهم ألا نشهد تدخلاً من جانبها في السودان"، وهو موقف أميركي لا يحظى بقبول دولي لأن الولايات المتحدة نفسها تتدخل بشكل مباشر في أزمات أخرى، مثل أوكرانيا. احدى نقاط الاهتمام الآنية للغرب في السودان تتمثل في الحيلولة دون حدوث نزوح جماعي للسودانيين الفارين من الصراع إلى الدول الأوروبية عبر البحر المتوسط، وهو السيناريو المرعب بالنسبة للإتحاد الأوروبي، لاسيما في ظل تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا ووجود احتمالية عالية للإنتقال عبر الشواطىء الليبية بحراً إلى أوروبا.
وبالتالي فإن من يسيطر على الحدود والمعابر السودانية سيكون هو المحاور المناسب للعواصم الغربية. والاضافة للمصالح الستراتيجية المرتبطة بصراعات الهيمنة والنفوذ مع المنافسين، فإن للولايات المتحدة نحو 16 ألفاً من رعاياها يقيمون في السودان، ويحملون جنسية مزدوجة، وفق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي. ثمة عامل حيوي يسهم في بناء توقعات بشأن الأمد الزمني للصراع السوداني يكمن في فاعلية جهود الوساطة الدائرة، سواء كانت عربية أو إقليمية أو دولية، فالأرجح أن هذه الجهود لن تصل إلى نتائج مرضية في المدى المنظور، لأن المسألة لا تتعلق بصراع موقت على السلطة، بل ترتبط بالأزمة السودانية في إطارها الأشمل. وهي أزمة شأنها شأن بقية الأزمات العربية المستفحلة، التي استعصى حلها على الجميع، كالأزمتين الليبية واللبنانية، حيث القاسم المشترك في المشهد العربي المأزوم، هو الصراعات الصفرية الحادة بين الفرقاء والخصوم والمتنافسين على السلطة في هذه البلاد، حتى أن الحل الحقيقي بات مرهوناً بغياب هؤلاء المتصارعين عن صدارة المشهد السياسي، وهذا أمر لا يد لأحد فيه، وبالتالي فالأزمات العربية باقية وملتهبة حتى إشعار آخر. معضلة السودان تحديداً لا تكمن في الصراع بين الفرقاء العسكريين، بل تشمل أيضاً غياب التوافق بين الأطراف والقوى السياسية، وهو ما تسبب منذ البداية في إنتقال الأزمة إلى مرحلة أكثر خطورة وتدهوراً، ناهيك عن صراعات أخرى ليست هامشية مثل الصراعات القبلية والجهوية وغيرها من أوجه التناحر التي تجعل من الصعب توقع نهاية وشيكة لما يحدث في السودان.

كاتب اماراتي
آخر الأخبار