الأخيرة
آه منا نحن معشر الحمير
الخميس 04 يونيو 2020
5
السياسة
محمد الفوزانقصة من الادب العالمي لعملاق الادب الساخر الكاتب التركي عزيز نيسين تقول أحداث القصة: "كنا، نحن معشر الحمير، سابقاً نتحدث بلغة خاصة بنا، أسوة بكم معشر البشر، هذه اللغة كانت جميلة وغنية، ولها وقع موسيقي جذاب، كنا نتكلم ونغني، لم نكن ننهق مثلما عليه الحال الآن، لأن النهيق بدأ عندنا فيما بعد، وتعلمون أن جميع حاجاتنا ورغباتنا وحتى عواطفنا، نعبر عنها الآن بالنهيق"ألا يهمكم معرفة هذه الحكاية وكيف حدثت؟في غابر الزمان كان يلهو حمار هَرِم وحده في الغابة، يغني بعض الأغاني بلغة الحمير ويأكل الأعشاب الغضة الطرية، وبعد فترة من اللهو تناهت إلى منخريه رائحة ذئب قادم، من بعيد. رفع الحمار رأسه عالياً وعبّ الهواء ملء رئتيه وقال: لا يوجد رائحة ذئب، لا، لا ليست رائحة ذئب، وتابع لهوه قافزاً من مكان إلى آخر، ولكن الرائحة أخذت تزداد كلما دنا الذئب أكثر، هذا يعني أن المنية تقترب.قد لا يكون ذئباً، قد لا يكون، ولذلك حاول الحمار الهرم أن يطمئن نفسه، إلا أن الرائحة كانت تزداد باطراد، فلما ازداد الذئب اقتراباً، كانت فرائص الحمار ترتعد رعباً، ومع ذلك كان يحاول إقناع نفسه بأن القادم ليس ذئباً.إنه ليس ذئباً، إن شاء الله كذلك، ولن يكون كذلك؟ ومن أين سيأتي وماذا سيفعل؟ وهكذا ظل الحمار الهرم يخدع نفسه، حتى بات يسمع صوتاً غير مستحب، صوت دبيب الذئب القادم.إنه ليس ذئباً، لا ليس صوت ذئب، ولا يمكن أن يكون كذلك، وماذا سيعمل الذئب هنا، ولمَ سيأتي؟ومع اقتراب الذئب أكثر فأكثر أخذ قلب الحمار يخفق وعيناه ترتجفان، وعندما حدّق عالياً صوب الجبل، رأى ذئباً مندفعاً مخلفاً وراءه سحباً من الغبار.آه آه.. آه إنه ذئب، وكنت أحلم بذلك؟ قد يكون خيّل إليّ أن ما أراه ذئب أو كنت أحلم بذلك.وبعد فترة ليست طويلة رأى ذئباً قادماً من بين الأشجار، مرة ثانية حاول أن يطمئن نفسه قائلاً: أتمنى أن لا يكون ما أراه ذئباً، إن شاء الله لن يكون كذلك، ألم يجد هذا اللعين مكاناً آخر غير هذا المكان؟ لقد أصاب الوهن عيني، لذلك أخذت أرى هذا الشيء ذئباً قادماً.تقلصت المسافة بينه وبين الذئب حتى أصبحت خمسين متراً، أيضا حاول طمأنة نفسه قائلاً: إن شاء الله أن يكون ما أراه ليس ذئباً، قد يكون حملاً أو فيلاً أو أي شيء آخر ولكن لمَ أرى كلّ شيء بهيئة ذئب، أعرف تماماً أن ما أراه ليس ذئباً، ولكن لمَ لا أبتعد قليلاً.أخذ الحمار الهرم يبتعد قليلاً ناظراً إلى الوراء، أما الذئب فقد اقترب منه فاغراً فاهه والحمار لايزال يسأل نفسه، ماذا لو كان القادم ذئباً...ماذا سيحصل لا، لا لن يكون ذئباً، ولكن لِمَ ترتعد فرائصي؟جهد الحمار الهرم أن تكون خطواته أسرع، حتى بات يركض بأقصى سرعة أمام الذئب المندفع، وهو يقول آه كم أنا أحمق فقد صرت أظن القطّ ذئباً وأركض هكذا كالمعتوه، لا ليس ذئباً... زاد الحمار من سرعته حتى أخذت ساقاه ترتطمان ببطنه ومع ذلك استمر في خداع نفسه قائلا:حتى لو كان الذي أراه ذئباً، فهو ليس كذلك، إن شاء الله لن يكون كذلك، نظرالحمار الهرم وراءه فرأى عيني الذئب تشعان وتطلقان سهاماً نارية، وتابع ركضه مطمئناً نفسه بقولهلا، لا يمكن أن يكون ذئباً، نظر الحمار خلفه عندما شعر بأنف الذئب يلامس ظهره المبلل، فوجده فاغراً فمه فوق ظهرهحاول الركض إلا أنه لم يستطع ذلك لأن قواه خانته، فأصبح عاجزاً عن الحراك تحت ثقل الذئب، ولكي لا يراه فقد عمد إلى إغلاق عينيه وقال أعرف تماماً أنك لست ذئباً، لاتدغدغني إني لا أحب مزاح اليد.غرز الذئب الجائع أسنانه في ظهر الحمار الهرم، ونهش منه قطعة كبيرة، ومن حلاوة الروح، كما يقولون، ارتبط لسان الحمار ونسي لغته...آه إنه ذئب آه، هو آه هو... تابع الذئب النهش من لحم الحمار الهرم ذي اللسان المربوط، حيث لا يصدر منه سوى آه هو... هاق.... هاق.منذ ذاك اليوم نسينا أيها السادة، ولم نستطع التعبير عن رغباتنا وأفكارنا إلا بالنهيق، ولو أن ذاك الحمار لم يخدع نفسه، لكنا نجيد الحديث بلغتنا إلى الآن ولكن، ماذا أقول آه منا نحن معشر الحمير... هاق... هاق. •••ترى عندما يعم الفساد دولة ما، ومسؤولو هذه الدولة قد دأبوا على تطمين أنفسهم وشعبهم بأنهم بألف خير، وأن الأمور تحت السيطرة ولاخوف على البلاد، رغم ملاحقة وحش الفساد لها، وقد تركوه يطاردها ويتمكن منها وينخرها وينهش لحمها... هل سيكون مصيرها في النهاية هاق... هاق؟إمام وخطيب