إعداد – أحمد القعب:كان للصحابة والسلف الصالح -رضي الله عنهم- السبق في الاحتفاء والتبرك بشهر رمضان المعظم، تمكن بعضهم من ختم القرآن يومياً، ومنهم من زاد عن ذلك، فكان يختم الذكر الحكيم أكثر من مرة، ومنهم من تفرغ في أغلب يومه للعبادة والتقرب إلى الله، وتحفل مرويات السلف الصالح بالكثير من مظاهر اجتهاد الصحابة –رضي الله عنهم أجمعين- وتسابقهم في الفوز ببركات هذا الشهر الكريم، التي نستعرض نفحات منها في هذه الحلقات، لنعيش مع يومياتهم في رمضان؛ لعل بعضنا يتذكر أو يتأسى.أبو عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه- أحد هؤلاء الصالحين المبشرين بالجنة الذين عظم أجرهم في الشهر الكريم، شارك في غزوة بدر التي خاضها المسلمون في السابع عشر من رمضان من العام الثاني للهجرة، وجسد ببسالته روح الفداء خدمة للدين، فقد رُوي أنه قتل والده كافرًا في تلك الغزوة.
وأورد ابن حجر العسقلاني في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة" والسيوطي في "أسباب النزول" في تفسير قوله تعالي في سورة المجادلة (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) انها نزلت في أبي عبيدة حين قتل أباه يوم بدر.وفي منتصف شهر رمضان من العام الثاني عشر للهجرة برز دوره خلال الفتوحات الإسلامية، حينما توجه لبلاد الشام على رأس جيش لملاقاة الروم بقيادة هرقل، وعندما علم انهم يعدون العدة لمواجهة سلسلة الفتوحات المتتالية في حمص ودمشق وبعلبك بجيش جرار شمل كل من بلغ الحلم في انحاء الامبراطوية البيزنطية.ارسل لأمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه يقول: "بلغني أن هرقل نزل قرية من قرى الشام تدعى أنطاكية، وأنه بعث إلى أهل مملكته فحشرهم إليه، وأنهم نفروا إليه على الصعب والذلول، وقد أحببت أن أعلمك ذلك فترى فيه رأيك " فأجابه أبو بكر: "فأما منزل هرقل بأنطاكية فهزيمة له ولأصحابه، وأما حشره لكم أهل مملكته، فإن ذلك ما قد كنا وكنتم تعلمون أنه سيكون منهم، وما كان قوم ليدعوا ملكهم ويخرجوا بغير قتال، فالقهم بجندك ولا تستوحش فإن الله معك، وأني ممدك بالرجال حتى تكتفي"ودارت المعارك بين الروم الأكثر عدة وعتادا والمسلمين الأقل عددا الى ان حسم الامر بقوة الايمان وحسن التدبير، وهزم الروم ودانت بلاد الشام جميعها للمسلمين بقيادة ابي عبيدة.وقد عرف الصحابي الجليل بلقب أمين الامة وهو لقب اطلقه الرسول صل الله عليه وسلم حينما قال:"إن لكل أمة أمينًا، وإن أميننا أبو عبيدة بن الجراح، وهو أحد الاثنين اللذين رشحهم أبو بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة ليكون أميرا للمؤمنين بعد وفاة النبي، ما يدل على مكانته وتقدير الصحابة لصفاته، ولد سنة 40 قبل الهجرة، وتوفي في السنة الـ18 بعد حياة حافلة بالعطاء، افاض الرواة في ذكر مناقبه، وإظهار مدى تمسكه بالزهد والابتعاد عن ملذات الدنيا والنأي عن المناصب والمسارعة في نصرة الدين. وقد كان –رضي الله عنه- من حفظة القرآن وقرائه في ليالي رمضان إذ كان يتسابق ومن معه على ختم القرآن أكثر من مرة في الشهر الكريم، كما تروي عنه اقوال اعتبرها الفقهاء حجة في استنباط احكام الصيام، فعندما سئل عن قضاء الأيام الفائتة متتابعات او متفرقات قال: إن الله لم يرخص لكم في فطره، وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه، فاحصوا العدة واصنعوا ما شئتم".