كتبت ـ نورا حافظ:بعد انتصاره في حروب الردة، والانتصارات المتتالية لخالد بن الوليد في العراق، قرر أبو بكر نشر الدعوة الإسلامية في الشام، فأرسل جيشا صغيرا بقيادة خالد بن سعيد بن العاص، لتحري تحركات الروم، وامره ألا يقاتل إلا عند الضرورة، ولكن الروم وعملاءهم من قبائل العرب هاجموه، وأوقعوا به الهزيمة، ولم ينج من جيشه الا قليل.تركت الهزيمة أثرا نفسيا بالغا في نفوس المسلمين، فكان لابد من الرد فجهز الخليفة جيشا تحت قيادة أبي عبيدة بن الجرح، وعسكر في قرية عجور شمال غرب الخليل بفلسطين، بينما عسكر جيش الروم في قرية بيت جبرين، أمر الخليفة أن يسارع خالد بن الوليد بجزء من جيشه في العراق لينضم إلى جيش الشام، فاجتمع أكبر جيش إسلامي في ذلك الوقت قوامه 30 ألف مقاتل بقيادة خالد بن الوليد، وكانت اولى ثماره فتح بصرى صلحا، ليتواصل بعدها زحف المسلمين في كل مدن الشام.
حشد الروم لهذه المعركة لمدة شهرين، واستعدوا أفضل استعداد، وكان على القيادة "وردان" حاكم حمص، تحرك خالد بالجيش نحو أجنادين لا يفصله عن الروم سوى ميل واحد، فقد كان يؤمن بالمبادرة والهجوم الخاطف، ولا يطيق الانتظار والدفاع، لم ير كثير من المسلمين حشدا كهذا من قبل، فهم أمام جيش نظامي قوي مدرب والقليل منهم من خبر الجيوش النظامية، وهنا صاح خالد محمسا:" لو هزمهم الله اليوم على أيديكم فلن تقوم لهم قائمة، فاثبتوا وإياكم أن تولوهم الأدبار"، وكذلك فعل "وردان" مع جنوده محفزا إياهم أنهم أضعاف المسلمين ومحذرا من التهاون، فقد كان الطرفان يدركان حساسية الموقف.أمر خالد بن الوليد الجيش بالتحرك فجرا، ونشر التشكيلات على هيئة قلب وجناحين متباعدين عن بعضهم البعض، على عكس المتعارف عليه من تقسيم الجيش إلى مقدمة ومؤخرة وقلب وميمنة وميسرة، حتى يتجنب أن يُطوق من جيش الروم الاكبر في العدد والعتاد، تقدم جيش المسلمين من جيش الروم، الذى فتح بدوره التشكيل وانتشر على الجبهة ليتماثل مع تشكيل المسلمين، أحاط وردان نفسه وقادته بحراس أشداء حتى لا يُقتل، لأن قتله يعني الهزيمة.هجم المسلمون كرجل واحد تحت وابل من النبال الكثيف وصوت هادر، وانهالوا على العدو كالجراد فشتته وأربكه، لكن الروم امتصوا الهجوم، واظهروا الثبات الشديد، وأجادوا استخدام النبال الأبعد مدى من نبال المسلمين، فأمر خالد جنوده بالتراجع، وطلب المبارزة لالتقاط الانفاس، ودفع بجنوده الصناديد، ومنهم ضرار بن الأزور الذي كان يقاتل عاري الصدر، وفي كل مرة يهزم مبارزه الرومي وسط حماس وتكبير المسلمين، ثم أمر خالد بهجوم مباغت استمر حتى تعب الفريقان، وتوقفوا بعد أن تكبد الروم خسائر فادحة.وعقد وردان مجلس حرب لتدارك الموقف، واجتمع الرأي أن قوة المسلمين في خالد، وأن اللجوء إلى الخدعة لقتله هي الحل، فعزم على التظاهر بطلب التفاوض على أن يخفي مجموعة من الرجال الأشداء، يكونوا مستعدين لاغتيال ابن الوليد في الوقت المناسب، ولكن المسلمين كشفوا الخدعة، وخرج وردان لملاقاة خالد معتقدا أن حيلته نجحت، وإذا بالدوائر تدور عليه، ويحاط بالمسلمين فيقتله ضرار، ويحتدم القتال، ويقتل من تولى بعده، فتنهار قوتهم، ويفرون من الميدان، ليندفع المسلمون خلفهم يطاردونهم ويوسعونهم قتلا حتى اكتمل النصر.