الأحد 22 يونيو 2025
39°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

أحمد الرفاعي... العالم العامل

Time
الأحد 17 مايو 2020
View
5
السياسة
إعداد - نسرين قاسم:

"الزاهد من ترك كل شيء يشغله عن الله"... هذه كلمات العلامة الشيخ أحمد الرفاعي، أحد أقطاب الصوفية، فقد كان قدوة للناس بأخلاقه ويلجؤون إليه عندما يضلون الطريق؛ فهو لسان الصدق الذي يجهر بالحق.


ولد أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن يحيى، المعروف بـ"أحمد الرفاعي" في قرية "أم عبيدة"، من قرى مدينة "واسط" بالعراق سنة (512 هـ، وشاء الله أن يُتوفَّى أبوه قبل أن يولد، فكان في كفالة خاله منصور البطائحي، وقد كان رجلاً من أهل الورع والصلاح.
اشتهر بين الناس بـ"الرفاعي" نسبة إلى جده السابع رفاعة، والذي كان من أشراف مكة المكرمة، وغادرها إلى المغرب، وظلت الأسرة تتنقل حتى استقرت نهاية المطاف في العراق.
حفّظ القرآن الكريم مبكرًا على يد خاله البطائحي، وتلقى مبادئ القراءة والكتابة، ثم ذهب إلى "واسط" فتلقى العلم على شيوخها، وتفقه على المذهب الشافعي، وحفظ كتاب "التنبيه في فقه الشافعية" لأبي إسحاق الشيرازي، وبعد أن نهل من العلم عاد إلى قريته وبدأت شهرته تتسع وراحت الأنظار تتجه إليه لعلمه وصلاحه.

حلقة الرفاعي
خلف الشيخ الرفاعي خاله منصور البطائحي في حلقات العلم والدرس، وصار له هو الآخر أتباع ومريدون وامتلأت مجالسه بالمئات، وكان في كل أحواله ملتزمًا بالكتاب والسنة لا يخرج عنهما أبدًا.
وهو مع ذلك يؤكد لأصحابه دائمًا ضرورة الالتزام بالكتاب والسنة في كثير من كلامه، وكأنه بذلك يرد على خصوم التصوف والمتصوفة واتهامهم الدائم بالابتعاد عن نهج السنة النبوية، فيقول: "كل الآداب منحصرة في متابعة النبي(صلى الله عليه وسلم) قولاً وفعلاً وحالاً وخلقًا، فالصوفي آدابه تدل على مقامه، زنوا أقواله وأفعاله وأخلاقه بميزان الشرع، يُعْلم لديكم ثقل ميزانه وخفته".

تواضعه
كان للشيخ الرفاعي عند الناس قدر وهيبة عظيمة وهو مع ذلك كان متواضعًا، ليّن الجانب، يأسر قلوب الناس بحسن خلقه وسلوكه الطيب قبل أن يبهرهم كلامه، فيؤثّر ذلك في قلوبهم فوق ما تفعله فيها مئات الخطب والمواعظ.
حين رأى تعظيمًا وإجلالاً له من المحيطين به قال: "أنا لست بشيخ، لست بمقدّم على هذا الجمع. حُشرت مع فرعون وهامان إن خطر لي أني شيخ على أحد من خلْق الله، إلا أن يتغمدني الله برحمته، فأكون كآحاد المسلمين". وكان إذا علم بمرض أحد في قريته أو قريبه زاره وأحسن إليه، ويخرج إلى الطريق فينتظر العميان حتى إذا رأى أحدًا منهم قام إليه وأخذ بيده وقاده إلى حيث يريد، وكان إذا رأى شيخًا كبيرًا ذهب إلى أهل قريته وأوصاهم به.

علم وعمل
كان الرفاعي فقيهًا وعالمًا ملتزمًا، يتعبد الله بفقه وعلم، ويدعو الناس أن يفعلوا ذلك على بصيرة، وتتفق المصادر من أهل الثقة التي روت عنه على ذلك، حتى عدّه الإمام السبكي فقيهًا شافعيًا، وذكر ذلك في كتابه "طبقات الشافعية"، ووضعه في الطبقة الخامسة منها؛ ولهذا كان يحثّ أتباعه وتلاميذه على طلب العلم وإنفاق الوقت في مدارسته، والارتحال إلى أهله، مرددًا لهم نصيحة شيخه له: "من لا يعرف في العلم نقصانًا، فكل وقته نقصان".
ورغم ولعه بالعلم وانشغاله فيه؛ إلا أنه كان يعمل حتى يضمن لنفسه قوته وعيشه حتى لا يعتمد على غيره وتحفظ بذلك كرامته من سؤال الناس، وقد بلغ من حرصه على احترام قيمة العمل أنه كان يرفض أن يحضر مجالسه فرد عاطل لا يعمل، واشترط كذلك على من يأتي إلى درسه أن يكون له صنعة يعمل بها وحرفة يقتات منها، فإن عجز عن ذلك هيأ له "الرفاعي" حرفة يعمل بها.

الطريقة الرفاعية
تعتمد الطريقة الرفاعية التي أسس لها "الرفاعي" على العمل بمقتضى ظاهر الكتاب والسنة النبوية الشريفة، ثم أخذ النفس الى الصفاء بالمجاهدة والمكابدة، والإكثار من ذكرالله، وقراءة الورد المعلوم من القران والذكر، وفق إرشادات الشيخ وتوجيهاته المعلومة، مع ضرورة التسليم التام والانقياد له، وعلى المريد- حتى يسير وفق الرفاعي- أن يتبع كل هذه التعاليم، ويعمل بما تعهد به من الالتزام بالسنة، وموافقة السلف الصالح على حالهم، والزهد في ما عند الناس وفي الحظوظ من الدنيا والنفس، وتحمل البلاء، ولبس الوقار واجتناب الجفاء.

وفاة الشيخ
تُوفّي الشيخ أحمد الرفاعي رحمه في الثاني والعشرين من جمادى الأولى 578 هـ، تاركًا وراءه آلاف الأتباع الذين ينشرون طريقته الروحية في السعي إلى سمو النفس وحفظ القلوب والجوارح عما يشين ولا تزال الطريقة قائمة تؤدي دورها في مصر وفي أنحاء العالم.
آخر الأخبار