فرنسا حاولت التخلص منها بعد أن جندتها المخابرات البريطانية اكتشفها داود حسني وحققت الشهرة في سن المراهقة تقاضت خمسة جنيهات كأول أجر من شركة "بيضا فون" حاولت الانتحار بعد أن تزوجت ابن عمها الأمير حسنأحبها رئيس الديوان حسنين باشا فغضب عليها الملك فاروق ارتبطت بالدونجوان أحمد سالم فأشهر المسدس في وجههاالقاهرة - محمد حليم:من يقترب من حياة مشاهير الفن، يجدها أكثر درامية ومأساوية من الأعمال الفنية التي قدموها وجسدوا شخصياتها رغم وهج الشهرة والحفلات والثراء الذي تمتعوا به لسنوات طويلة. في هذه الحلقات تقترب "السياسة "، أكثر من حياة مجموعة من أشهر نجوم الفن، ممن بلغوا قمة النجومية والشهرة وحققوا الملايين، عاشوا حياتهم بالطول والعرض، وأنفقوا ببذخ، لكن النهاية التي كتبها القدر كانت أكثر مأساوية مما نشاهده في الأعمال الدرامية.تميزت بصوت ملائكي عذب، ورغم صغر سنها إلا أنها غنت في حفلات كبار العائلات بمصر، إنها آمال فهد الأطرش المعروفة بـ "أسمهان"، التي نافست أم كلثوم قبل أن تبلغ عامها العشرين، بفضل موهبتها التي أثنى عليها محمد القصبجي ورياض السنباطي معتبرين أن لديها صوت معجزة، إلا أنها لم تستمر في مسيرتها الفنية، التي أضاعتها بالسهر ولعب القمار، وطيبتها التي أوقعتها في فخ ثالوث مخابرات الدول الاستعمارية "بريطانيا- فرنسا- ألمانيا"، لتنتهي رحلتها عن عمر 32 سنة غرقًا وهي في عز شبابها وشهرتها، إثر حادث غريب نجا منه السائق وسقطت فيه بسيارتها الخاصة في ترعة الساحل بطلخا هي وصديقتها ماري قلادة.ولدت أسمهان في 25 نوفمبر 1912 على متن باخرة كانت تنقل أسرتها من تركيا إلى سورية بعد خلاف بين والدها الأمير فهد الأطرش مع السلطات العثمانية، اسمها الحقيقي آمال، أما أسمهان فعرفت به فنيا، جاءت مصر مع أسرتها، حيث كان والدها الأمير فهد الأطرش من زعماء الدروز الذين يقاتلون الاحتلال الفرنسي، وبعد أن صدرت أوامر باعتقالهم من قبل السلطات الفرنسية في سورية، أخذت أمها عالية المنذر أطفالها الثلاث آمال وفريد وفؤاد تاركة زوجها في ميدان القتال، وتمنت من الله أن تجد لهم الملجأ الأمن في مصر، بعدما وصلت عالية إلى منطقة رمسيس، وجدت منزلا مناسبا لها ولأولادها في "باب البحر" بالفجالة، جلس الأطفال بجانب بعضهم البعض في الشقة الصغيرة، وأمهم تنظر إليهم والدموع تنهمر من عينيها، تذكرت الحياة التي كانت تعيشها هي وأطفالها في جبل الدروز مع عائلة الأطرش ذات الإمارة والدلال والعز، وكيف أصبحت الآن غير قادرة على شراء الدواء لابنها فريد بعدما أصابته نزلة برد، بينما ضغطت عليهم ظروف المعيشة، اضطرت الأم أن تصنع المناديل وتبيعها لأبناء الفجالة، وتعمل بعدها في حياكة الملابس، كي تتغلب على المصاعب التي تمر بها الأسرة، وترعى أطفالها الصغار وكان أكبرهم لا يتجاوز عامه الثاني عشر. بعدها التحقت آمال بمدرسة الراهبات في شبرا، وظهرت موهبة الطفلة الصغيرة في الحفلات الغنائية بالمدرسة، علاوة على أنها في المنزل كانت تستمع لأخيها المطرب فريد الأطرش بشغف، ثم تدندن من قلبها ما سمعته منه، يفرح فريد بأخته الصغيرة التي ترافقه الغناء، ليشجع الطفلة التي تنمو موهبتها كل يوم عن الآخر. ذات مرة دعا فريد، الملحن داود حسني لجلسة موسيقية بالمنزل، كانت آمال في البيت، تغني في غرفتها لنفسها ما سمعته من أخيها، لفت جمال صوتها انتباه داود، وبعدما انتهت طلب من فريد إحضارها إليه، فهو يود أن يراها بعدما انبهر بعذوبة صوتها، ليؤكد بعد انتهاء لقاءه بفريد أن آمال "موهبة فنية سيكون لها شأن كبير، وليتولى فيما بعد تدريبها على الغناء، ويتبنى موهبتها ويطلق عليها "أسمهان".زواج مفاجئبدأت أسمهان الغناء في الحفلات العائلية وهي مراهقة تبلغ 15 سنة، ليقنعها فريد الأطرش أن تغني معه في صالة منصور، لتتسع شهرتها وهي ما زالت في مدرسة الراهبات، ثم تسجل مجموعة أغنيات من خلال شركة "بيضا فون" مقابل خمسة جنيهات، كما تعاقدت مع شركة "كولومبيا" على تسجيل أسطوانتين مقابل 20 جنيهًا بعد أن سمعها الشيخ زكريا أحمد والموسيقار محمد القصبجي. جلست أسمهان في المنزل، وارتاح قلبها، بعدما أسكنت قلب أمها عالية المنذر، التي ظلت تعمل وتكافح سنوات حتى ترى أولادها في سلام واستقرار نفسي بعد كل الأزمات التي تعرضوا لها في طفولتهم بسبب حرب الدروز والفرنسيين، بينما الأم سعيدة بنجاح ابنتها، تفاتحها أسمهان برغبتها في ترك الدراسة، لصعوبة الجمع بين الغناء والتعليم، خصوصا أنها أوشكت على أن تصبح مطربة كبيرة مثل أم كلثوم.مرت الأيام وتركت أسمهان الدراسة، بدأت تتخيل نفسها على خشبة المسارح الغنائية الكبرى، التي يحضرها جلالة الملك وهي تنشد مثل سيدة الغناء العربي، ويصفق لها الحاضرون تقديرًا لصوتها الذي ينضج يومًا بعد آخر، لكنها لم تستمر في طريقها وعادت المشكلات مرة أخرى، لكن هذه المرة عن طريق أخيها الأكبر فؤاد، فقد بلغت أسمهان السابعة عشرة من عمرها وبعد أن اتسعت شهرتها في مصر، لاقت إعجاب بعض أبناء الأسرة الحاكمة، ليضيق عليهم أخوها الطريق أمام عادات الدورزيين الذين لا يتزوجون إلا من بعضهم، وليسافر إلى جبل الدروز قادمًا بابن عمها الأمير حسن، لإتمام زواجها وتنتقل أسمهان إلى سورية.مر الوقت، ونما في أحشاء الأميرة آمال الأطرش جنين، فطلبت من زوجها الأمير حسن السفر إلى القاهرة لتطمئن على أمها وأخوتها، وافق زوجها حسن بشرط ألا تغيب، عادت إلى القاهرة، وفيها أنجبت ابنتها كاميليا، وما هي إلا أشهر قليلة حتى كانت في سورية مع زوجها، لكن الأيام كانت تمر عليها ببطيء وملل، وعندما أخبرتها أمها بإصابتها بوعكة صحية، سافرت إليها، وما أن وطأت قدمها القاهرة حتى قررت ألا تعود لزوجها الأمير حسن، فهي لا تستطيع الحياة بدون غناء وجمهور وأضواء تحيطها من كل جانب، لذلك أهملت خطاباته التي كان يرسلها، ما أصابه بالقلق على زوجته، فسافر إليها ليفاجأ بها تطلب الطلاق، رفض بإصرار، لكنه وافق بعد محاولتها الانتحار، وتم الطلاق بعد زواج دام نحو 6 سنوات، لكنها كانت بالنسبة لها دهرا بأكمله حرمت فيه من النجومية التي حققتها وهي في بداية شبابها بزيجتها التي وقفت ضد صوتها، الذي أذهل محمد القصبجي ورياض السنباطي ومن قبلهم داود حسني."غرام وانتقام" عاشت أسمهان بفندق "مينا هاوس"، لتقرر بعدها معاودة الغناء، كانت البداية عن طريق أخيها فريد الأطرش في منزل العائلة احتفالًا بمواصلة حلمها، لتنهمر دموعها على سنوات عمرها، التي أضاعتها بعيدًا عن حلمها في أن تكون مطربة كبيرة مثل أم كلثوم. بعدها عادت للغناء في الفنادق وحفلات كبار العائلات، إلى أن كانت المفاجأة التي انتظرتها لسنوات. ففي "غاردن سيتي" حيث تعيش أسمهان مع عائلتها تلقت اتصالًا من الموسيقار محمد عبدالوهاب، فرحت أسمهان فرحة عارمة، وأحست بأن الدنيا تفتح لها أبوابها من جديد، لتعوضها عما حدث خلال زواجها، بعد ذلك شرح لها عبدالوهاب أنه اختارها لتؤدي معه أوبريت "قيس وليلى" في فيلم "يوم سعيد"، وأنها ستقدم دور "ليلى العامرية". ورغم أن حلمها بدأ يتحقق، إلا أنها انغمست في القمار والسهر بالملاهي الليلية، علاوة على هواجسها الدائمة بالخوف من المستقبل لما شهدته في طفولتها من أزمات وصلت إلى معاناتها من سوء التغذية، وخلال السهر وتعاطي الكحول ولعب الورق، تعرفت على أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي، لتنشأ بينهما علاقة عاطفية، كانت سببًا في إعاقة فنها بسبب استياء الملك فاروق من الأمر، وفي هذه الفترة كانت تعرفت على الكاتب الصحافي محمد التابعي لتنشأ بينهما صداقة قوية، وقد عبر التابعي عن إعجابه بها قائلًا "كانت جذابة وفيها أنوثة، ولكنها لم تكن جميلة بحكم مقاييس الجمال، وجهها المستطيل وأنفها الذي كان مرهفًا أكثر بقليل مما يجب وطويلا أكثر بقليل مما يجب، وذقنها البارز إلى الأمام أكثر بقليل مما يجب، في عينيها كان السر والسحر والعجب، لونهما أخضر داكن مشوب بزرقة وتحميهما أهداب طويلة تكاد من فرط طولها أن تشتبك، كانت تحب الغناء وتهوى الجمال في كافة ألوانه ومعانيه"استطاع التابعي بمساعدة أستاذها عبدالوهاب، إبعادها عن طريق القمار، لتعود محملة بالآمال وتقدم مجموعة من الأغنيات "نويت أداري آلامي، عليك صلاة الله، ياللي هواك، ليالي البِـشر، يا بدع الورد، إيدي في إيدك، ليالي الأنـس، رجعت لك، يا حبيبي تعالى، بنت النيل، أيها النائم، حديث العيون". ولتستمر في مسيرتها حتى قدمت أول تجربة لها مع التمثيل عام 1941 من خلال فيلم "انتصار الشباب" مع شقيقها فريد الأطرش وأنور وجدي وعبدالسلام النابلسي وبشارة واكيم. كما تعرفت أسمهان وقتها على المخرج السينمائي أحمد بدرخان وتزوجته سرًا، لكن سرعان ما دبت المشاكل بينهما، لتنتهي زيجتها بالفشل، ثم تعرفت على الفنان أحمد سالم "الدونجوان"، لتنشأ بينهما قصة حب كانت حديث الوسط الفني وقتها، وتزوجته، أحبها سالم بجنون، حتى فرض عليها قيودا عديدة، لكن أسمهان بطبعها متمردة تحب السهر، ولأنه غيور أشهر المسدس في وجهها ذات ليلة عندما جاءت المنزل متأخرة، لتطلب الشرطة التي أنقذت حياتها، وينتهي الأمر بالطلاق بعد إتهامه بمحاولة قتلها. في العام 1944 عادت إلى السينما في فيلمها الثاني والأخير "غرام وانتقام" مع يوسف وهبي وأنور وجدي وزوزو ماضي وأمينة شريف وبشارة واكيم، وشهدت خاتمة الفيلم نهاية حياتها، فاضطر يوسف وهبي إلى تغيير نهاية الفيلم لأنها ماتت قبل اكتمال التصوير. السقوطذات ليلة كانت أسمهان، تجلس في حديقة الكونتننتال بالقاهرة، كما اعتادت أن تتناول العشاء مع أصدقائها، ووفق الناقد ماهر زهدي يتقدم إليها شخص بريطاني يدعى نابيير، ليقول لها أنه كان سفيرًا لبلده بسورية، ويعرف عن عائلة أطرش الكثير، ولديه من المعلومات المهمة ما يتعلق بالعائلة، لذا طلب مقابلتها، فوافقت خوفًا على أقاربها في جبل الدروز، وكذلك على زوجها الأسبق حسن الأطرش وتمت المقابلة بينهما، وطلب منها الذهاب إلى القدس، لمقابلة إنكليزي آخر سيعطيها مبلغا ماليا توزعه على رؤساء القبائل في جبل الدروز لمساعدتهم في الحرب ضد الفرنسيين، لكن كانت بريطانيا تريد دخول سورية وتخشى مواجهة الدروز، فحاولت تجنيد أسمهان بحيلة المساعدات حتى يعرف الإنكليز طرق الجبل هناك وأهم صراعات القبائل لتسهيل الدخول، بعدها سافرت إلى القدس لتأخذ المعونات ومنها إلى جبل الدروز، لتبدأ موجة جديدة من المشكلات مع زوجها الأول الأمير حسن، الذي وصله خبر زواجها من المخرج أحمد بدرخان، إلا أنها استطاعت أن تخرج من المشكلة وهي تؤكد أنها شائعات، أبلغت الأمير حسن بالأمر فوافق على المفاوضات مع الحلفاء لكن بشرط أن تعود إلى عصمته دون أن تتركه كما حدث من قبل وإلا سينهي كل شيء مما قالته له.وافقت أسمهان على العودة إلى الأمير حسن، ولكن كانت السلطات الفرنسية تخطط للقبض عليها لمعرفتها بأنها تتجسس لصالح الإنكليز، حيث قامت بعدها بمعرفة الحصون والذخائر والأسلحة وأماكن التمركزات لديهم وأبلغتها لضباط الاستخبارات الذين تتعامل معهم، وبمرور الأيام نجحت بريطانيا في استخدام هذه المعلومات التي سهلت دخولها سورية من جبل الدروز بدون خسائر أو عثرات. عادت أسمهان إلى القاهرة بمساعدة ضباط انكليز، لأن مكوثها هناك يمثل تهديدا وخطرا عليها، وبمجرد وصولها إلى مصر قررت المشاركة في فيلمها الأخير "غرام وانتقام"، وأثناء التصوير طلبت من يوسف وهبي إجازة للراحة والتنزه في رأس البر هي وصديقتها ماري قلادة، وصباح يوم الجمعة 14 يوليو 1944 طلبت أسمهان من سائقها الشخصي إحضار السيارة للتحرك ومعها صديقتها، كان السائق يسير بسرعة جنونية، دب القلق بقلب أميرة الجبل، نظرت إلى صديقتها وتملكتها الحيرة والشك، وتذكرت عملها مع المخابرات البريطانية، واستياء الملك فاروق منها بسبب غيرة أمه الأميرة نازلي منها لعلاقتها مع حسنين باشا، الذي كانت تربطه ثمة علاقة عاطفية بأم ملك مصر، بخلاف زوجها أحمد سالم، الذي تسببت في دخوله المستشفي متأثرًا بإصابته من أحد ضباط الشرطة الذين جاءوا لمساعدتها في التخلص من قبضته عليها، هذا غير الأمير حسن الأطرش، الذي أغدق عليها ببذخ وحب، ثم التنظيم السري للإخوان المسلمين الذي كان يتصيد وقتها الفنانين ممن لهم علاقة برجال الحكم، وأيضا ما وصلها من أن أم كلثوم تسعى لإبعادها عن الساحة خشية نجاحها، كل هذه الأفكار تدافعت إلى رأسها وجعلت الدموع تنهمر من عينيها، هي أحست بأن نهايتها ستكون من خلال هذا السائق، واقتناعها من صغرها بأنها لن تعيش طويلا، لتتذكر أول لقاءاتها بداود حسني، الذي أطلق عليها لقب أسمهان وهو يقول "كنت أتعهد تدريب فتاة تشبهك جمالًا وصوتًا توفيت قبل أن تشتهر"، أخذت هذه العبارة تتردد في مسامعها حتى انحرفت العربة عن مسارها الطبيعي لتسقط في ترعة الساحل بقرية طلخا، وليهرب السائق وتنتهي الحادثة بمصرع الفنانة أسمهان وصديقتها ماري بعد رحلة فنية لم تدم سوى 15 سنة، رحلت عن عمر ناهز 32 عاما تاركة وراء مصرعها لغزا غامضا ونجومية كبيرة.

أسمهان مع فريد الاطرش

أسمهان مع ابنتها كاميليا