الأولى
أشجار تمشي وتصطاد... وضفادع تطير
الاثنين 05 أغسطس 2019
5
السياسة
لندن- بي بي سي: في مطلع ثمانينيات القرن الماضي نشر الكاتب البريطاني دوغال ديكسون كتاباً بعنوان "ما بعد الإنسان: علم الحيوان في المستقبل"، تصور فيه كيف سيبدو شكل الحياة بعد ملايين السنين.وتخيل الكاتب ظهور نوع من الحيوانات التي تشبه الفئران تستخدم أذيالها كمظلات، وقرود طائرة، وثعابين طويلة إلى حد أنها قد تصطاد الطيور أثناء تحليقها في السماء، وثدييات ليلية تشبه السناجب الطائرة تهجم على فرائسها بأشواكها الطويلة التي تغطي صدورها، وطيور ذات رؤوس كالأزهار وخفافيش تخدع الحشرات لتستدرجها إلى أفواهها.هذا التخيل المفرط أصبح حالياً موضع بحث المتخصصين، حيث يجمع معظم علماء البيولوجيا على أن الأرض ستختلف معالمها تماماً بعد ملايين السنين. فكما أن العالم اليوم، الذي تهيمن عليه الثدييات، كان سيبدو عجيباً لمن يعيشون في عصر الديناصورات، كذلك ستبدو الكائنات التي ستتطور مستقبلاً غريبة ولا تمت لعالمنا بصلة.وفي ضوء المعلومات التي نعرفها عن الحياة على ظهر الأرض وقوانين التطور، كيف سيبدو شكل الحياة والكائنات الحية بعد ملايين السنين؟وبالعودة إلى العصور الجيولوجية القديمة منذ ملايين السنين، يقول جوناثون لوزوس (عالم بيولوجيا تطورية بجامعة واشنطن) إن:" الأرض بعد الانفجار الكامبري، منذ نحو 540 مليون عام، كانت تسكنها كائنات تبدو عجيبة وخرافية، إذ عُثر في منطقة بورغيس شيل في كندا على حفريات لحيوانات أشبه بالكائنات التي تظهر في أفلام الخيال العلمي، مثل حيوان "هالوسيغينا" البحري، الذي يتميز بجسمه الأنبوبي الرفيع المغطى بالأشواك الضخمة، وأذرعه الطويلة ذات المخالب، وليس من المستبعد أيضا أن تنشأ كائنات لا تقل غرابة عن تلك التي عثر عليها في الحفريات".ويرى" أن الاحتمالات البيولوجية لا حدود لها، وربما يحمل لنا المستقبل المزيد منها".غير أن الوصول إلى تنبؤات مؤكدة عن أشكال الحياة في المستقبل يكاد يكون مستحيلا، إذ لا يزال الجدل قائماً بين العلماء حول مدى إمكانية التنبؤ بمسار التطور أو إمكانية تكراره على فترات زمنية طويلة، ناهيك بوجود عامل المصادفة، مثل حدوث ثوران بركاني، أو ارتطام نيزك بالأرض. ولهذا سنعرض بعض الاحتمالات المبنية على تخمينات مدروسة.في البداية، إذا عاش البشر لملايين السنين، فسيكون أثرهم كبيراً على التطور مستقبلاً، وسيسفر الانتخاب الطبيعي عن تطور أنواع جديدة من الكائنات الحية التي يمكنها التعامل مع البيئات الملوثة بفعل الأنشطة البشرية.وكتب عالم حفريات بجامعة "واشنطن" بيتر وارد في كتابه "التطور في المستقبل": "قد يصبح للطائر منقار خاص يساعده على تناول الغذاء من علب القصدير، أو يصبح للفئران فرو دهني يساعدها على التخلص من المياه العادمة السامة".وقد يغير البشر في المستقبل عمداً أشكال الحياة على كوكب الأرض، كما قد تؤدي الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية وتأثير الحضارات البشرية إلى تغيير مسار التطور تماماً، مثلما حدث في تغيير التركيب الوراثي لذكور البعوض لتصبح عقيمة، أو نشر نحل اصطناعي لتلقيح النباتات. فقد يرتبط التطور برغبات البشر واحتياجاتهم.لكن ثمة تصورات أخرى للتطور مستقبلاً، فقد يقرر أحفادنا الأكثر وعياً الحفاظ على البيئة وإعادة الحيوانات والنباتات إلى مواطنها الأصلية ليأخذ التطور مجراه الطبيعي، أو ربما ينقرض الجنس البشري.ويرى وارد أن" الانقراض الجماعي أيضا قد يؤدي إلى تغيير وتيرة التطور ومساره، كما حدث في موجات الانقراض الجماعية السابقة، التي تغيرت على إثرها النباتات والحيوانات كلياً، إذ قضت موجة الانقراض الجماعي في العصر البرمي، منذ 252 مليون عام، على 95 في المئة من الأنواع البحرية، و70 في المئة من الأنواع البرية، بما فيها الزواحف التي لديها زعنفة واحدة على ظهرها، والزواحف الضخمة التي كانت تهيمن على الأرض آنذاك".وأضاف:" أفسح هذا الانقراض الجماعي مكاناً لتطور الديناصورات التي أصبحت أقوى الحيوانات البرية، ثم حدثت موجة انقراض جماعي في العصر الطباشيري- الثلاثي، وبعدها حلت الثدييات محل الديناصورات لتصبح الحيوانات البرية المهيمنة على الكرة الأرضية، بل أدى أيضاً إلى تغيير تركيب الكرة الأرضية".ويتوقع بعض علماء البيولوجيا احتمال نشأة أشكال مختلفة من الكائنات الحية لها قدرات جديدة يعجز العقل عن تصورها. ففي المليار سنة الأولى من عمر الأرض، على سبيل المثال، كان من المستحيل تصور ظهور كائنات تتنفس الأوكسجين، نظرا لقلة الأوكسجين على الأرض، ولأن خلايا الكائنات الحية لم تكن تطورت بعد لتستمد الطاقة من الأوكسجين.ولو افترضنا انقراض الجنس البشري، بعد 100 مليون سنة من اليوم، فهل ستصبح الكائنات الأخرى أكثر تعقيدا وشراسة؟ وهل يمكن أن نرى الأشجار تسير على الأرض أو تقيم احتفالات على جثث الحيوانات التي قتلتها؟وهل يمكن أن تعيش الكائنات في بيئات تختلف عن مواطنها السابقة، كأن تحلق الطفيليات السامة الضخمة مثلاً في الهواء كقناديل البحر، أو تبني الحشرات والعناكب أعشاشها فوق السحب وتتغذى على الكائنات التي تعتمد على التمثيل الضوئي، وهل يمكن أن يكسو الأنهار الجليدية غطاء أخضر؟تقول عالمة البيولوجيا التطورية بجامعة "أريزونا" أثينا أكتيبيس إن: "كل هذه الافتراضات ليست مستبعدة، لأن الكثير منها مبني على حقائق موجودة بالفعل، إذ أثبت العلماء أن هناك بالفعل عناكب ساحلية تعبر البحار وتطير في الهواء، واكتشف العلماء حياة جرثومية على السحب، ووجود أنظمة بيئية صغيرة متفرقة على الجليد تؤوي أنواعاً عديدة من الكائنات الحية على رواسب من الغبار الأسود المكون من السخام وجسيمات الصخور والميكروبات".عالمة البيولوجيا التطورية بجامعة "هارفارد" جو وولف قالت: "إن بعض الأشجار ثبت أنها تزحف ببطء شديد نحو مصادر المياه، ومن الممكن أن تتطور الأشجار لتصطاد فرائسها باستخدام غازات سامة أو جذوع شائكة، وهناك بالفعل نباتات آكلة للحوم".أما عالمة البيولوجيا السلوكية من جامعة "ميريلاند" كريستين هوك فقالت: "إن هذه السلوكيات قد تشيع بين الحيوانات، ومع الوقت قد يسفر الانتخاب الطبيعي عن بقاء الحيوانات التي تلقح نفسها بنفسها عندما يصبح العثور على الإناث أو الذكور شبه مستحيل".