الأربعاء 16 يوليو 2025
38°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

أعجاز نخل منقعر!

Time
الثلاثاء 07 مايو 2019
View
5
السياسة
د. حمود الحطاب

كانت الكويت كالنخل الباسقات؛ لها طلع نضيد.
كانت الكويت بين الدول كنخلة طويلة متكاملة مثمرة،وكجبل طويل شامخ في العلو والامتداد؛ وكانت البلاد آية في الجمال في هذا الطول والارتفاع والشموخ الذي فيه الثمر منضودٌ نضيدٌ مرتبٌ كترتيب الكتب على الرفوف؛ وكالأثاث الجميل المنسق بعناية وخبرة وذوق رفيع.
ولسبب فساد بعض الضمائر وبعض مراكز القوى المؤثرة والصراعات، ما ظهر منها وما بطن؛ هبت على البلاد ريح عاصف من التغيرات السلبية من كفر بالنعم، وبوق، وسلب، ونهب، وسرقات علنية وشبه علنية.
كانت الريح العاصف عليها كتلك الريح التي هبت على عادٍ ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد؛ فوقف الرجال الأشداء يمنعونها؛ وتماسكوا كما يتماسك الراقصون في الدبكة الشامية؛ تتداخل أيدي واذرع بعضهم بعضا زيادة في اللحمة والقوة والبأس، وقد غرسوا أرجلهم في الأرض ليزدادوا ثباتا وقوة كما النخل أصلها ثابت وفرعها في السماء، ليحموا غيرهم من الريح العاصف التي دخلت من تحتهم فاقتلعت رؤوسهم من فوقها من شدتها، فبقيت أجسادهم مثل النخل الذي اقتلعت أعاليها فأصبحت مجرد سيقان لاخير فيها؛ ودخلها الخواء لاحقا ناخراً بواطنها تاركاً إياها كأعجاز نخل خاوية؛ فهل ترى لهم من باقية!
الريح التي هبت على الكويت ريح خبيثة عاصفة عبثت باقتصاد البلاد، وأخرت تنميتها وتقدمها سنوات طويلة، فأصبحت مستشفياتها ومدارسها ومرافقها في حالة يرثى لها، وأصبحت شوارعها محفرة وكأن نيازكَ صخريةٍ عاتيةٍ قد خرت عليها من أعالي السماء لتمزقها تمزيقاً؛ وزاد الطين بلة مشاريع بأيدٍ غير خبيرةٍ وغير مخلصةٍ في أحيان كثيرة، أفسدت الكثير... الكثير من بُناها التحتية، وجعلتها أشبه بالنخل المنقعر الذي تطايرت رؤوسه الى الهاوية السحيقة، فأصبحت الديرة الجميلة خَبراً بعد عينٍ؛عبثت بها الحشرات القارضة من داخلها، فأصبحت فراغا منخورا لا يقوى على الوقوف ولا الحمل.
السرقات المليارية،والمشاريع الفاسدة المليارية،والاختلاسات المليونية، والهبات المليونية، والقروض المليونية، حالةٌ من تسارع الريح العاصف بتدمير كيان الدولة، محليا وعالميا؛ فتأثير نثر الأموال هكذا... وهكذا، وتبديدها وتبذيرها من اختلاسات وسرقات، وقروض وهبات، ومشاريع فاشلة غير مدروسة، قد أصابت مفاصل البلاد بالروماتيزم، فقعدت ملومة محسورة؛وجعلها الفساد المستشري تسير في طريق الهاوية إن لم يتداركها عقلاء قوم؛ وسيكون وقودها حصيلة سنوات البناء الجميلة التي جعلتها عروسا للخليج، وقدوة في التخطيط والتنمية والبناء والجمال؛ والكافرون هم الظالمون.
وسأتحدث لاحقا، إن شاء الله، عن السلبيات النفسية والأخلاقية والقيمية التي أصابت المواطنين في الداخل، تلك السلبيات الناتجة عن انتشار وتفشي الفساد المالي بالذات، ونتائجه المؤثرة على سمعة الكويت خارجيا؛ واتحدث عن توقع انهيار أركان الاقتصاد المحلي بسبب استمرار ريحِ صرصرِ الفسادِ العاتيةِ.
وهل يمكن إيقاف تلك الريح بما يسمى الحوكمة والإدارة الرشيدة، وفق المعايير الدولية المعترف بها مثل: الشفافية والمحاسبة، وتكافؤ الفرص، والإمكانات مجتمعة، وصرامة القوانين وتطبيقها على الجميع وبشكل لا تواني فيه ولا شفاعة؛ ومحاسبة المقصرين والسراق، الكبار والصغار، وبأثر رجعي، وإن تقادم العهد، وتطبيق الحقوق الإنسانية وبعث روح المسؤولية وتعزيز التنمية القيمية الأخلاقية المنبثقة من معطيات الدين التي هي أهم الاسباب العميقة لانضباط قيم الدول المتحضرة؟ تقبل الله طاعاتكم.

كاتب كويتي
آخر الأخبار