لا تبتعد صورة مصطفى ذكري كثيرا في كتاب يومياته الثالث "أقصى ما يمكن" عن صورته في الكتابين السابقين، هنا يبدو ذكري مستريحا تماما داخل هذه الصيغة: صيغة "اليوميات"، بأقصى تحريف ممكن لمعناها.. يوميات حذفت تواريخها وأماكنها، ليقطر فيها كل ما تعجز عن استيعابه الأشكال التقليدية للأدب. صيغة منفتحة تسمح لعناصر متنافرة بطبيعتها بالتجاور داخلها.وعبر "الشذرة"، وقد صارت الوسيط الأثير عند مصطفى ذكري، يقفز مباشرة إلى قلب معان وأخيلة لطالما راودها في أدبه، ليصل بفقرته الأدبية الهجينة إلى حافتها، حافة الفكر وحافة الأسلوب.هذا التحريف من ضمن فوائده العديدة، أنه يتيح لمصطفى ذكري أن يمزج -داخل النص الواحد- بين التأملات الأدبية بطابعها الفلسفي والسيري، وبين الآراء الفنية، وقطع الهجاء السياسي- العنصر الدخيل على كتابة ذكري- دون تعارض يذكر. وتحت ماكينة الأسلوب، يقوم مصطفى ذكري بصهر كل شيء تقريبا: الأدب والسينما والسياسة والنقد، وحتى صورة الذات، في سبيكة فريدة، تحمل ختما لا تخطئه العين.مصطفى ذكري كاتب وسيناريست برصيد فيلمين وتسعة كتب تنوعت بين القصة والرواية.. من أعماله "تدريبات على الجملة الاعتراضية" (قصص)، "عفاريت الأسفلت" (سيناريو) "هراء متاهة قوطية" و"مايعرفه أمين" (روايتان) "جنة الشياطين" (سيناريو)، وأصدر في أدب اليوميات "على أطراف الأصابع"، و"حطب معدة رأسي".ومن جو يومياته الأحدث "أقصى ما يمكن"، الصادرة حديثا عن دار "الكتب خان" بالقاهرة: "على مدى سنوات طويلة كانت أحلامي لا تخرج عن حالات ثلاث، الحالة الأولى هي ضيق التنفس أثناء الحلم الذي يتحول بعد وقت قصير من زمن الحلم إلى كابوس يتعجل اليقظة، يستمر ضيق التنفس بعد يقظتي بدقائق، ويهمل عقلي سريعا مكان الحلم، ويعكف على خطر التنفس، وتختلط رؤى الحلم بحقيقة الواقع.. والحالة الثانية هي الشعور بثقل الحركة أثناء الحلم، والحلة الثالثة هي أن أكون أثناء الحلم في انتظار لامتحان ما، وأن عدم النجاح، ولو بشكل متواضع، في هذا الامتحان هو نهايتي، والنهاية هنا لا تعني الموت، لكنها تعني ندما على زمن سابق لا أستطيع تعويضه".