أم حرام بنت ملحان

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة ان أمرها اطاعته وان نظر اليها سرته وان اقسم عليها ابرته وان غاب عنها نصحته- حفظته- في نفسها وماله". نتناول سيرة زوجات الصحابة المؤمنات القانتات الخاشعات المتصدقات الصائمات، لنضع بين يدي البيت المسلم الاسوة الحسنة والقدوة الطيبة لتقتدي نساؤنا بهن.


الصحابية الجليلة أم حرام، والدها ملحان بن خالد، وزوجها الصحابي عبادة بن الصامت، وأختها أم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك رضي الله عنه.
يقول الأستاذ محمود طعمة حلبي في كتابه " المائة الأوائل من صحابيات الرسول "صلى الله عليه وسلم": كانت أم حرام من السابقين الأوائل إلى الإسلام، فقد أسلمت مبكرة، وبايعت رسول الله "صلى الله عليه وسلم" مع نساء الأنصار حين بايعنه.
وكان عبادة بن الصامت رضي الله عنه فارسا شجاعا، وقد حضر مع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" غزوة بدر وأبلى فيها أحسن البلاء، وسقطت يومئذ رؤوس الكفر على أرض بدر صرعى، بعد أن آذوا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وأتباعه من المسلمين إيذاء بليغا.كما حضر عبادة أحد، وصمد مع الذين صمدوا أمام رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حين جعلوا أجسادهم تروسا حتى لا يصل إليه من المشركين مكروه.
ولم يتخلف عبادة عن الخروج إلى الجهاد مع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" إذا خرج، وحضور مجالسه إذا لم يكن هناك داع للخروج.
وقد علمت أم حرام وزوجها عبادة أن طلب العلم فريضة على كل مسلم –ذكر أو أنثى- فأخذا ينهلان من كتاب الله، وحديث مصطفاه كلما وجدا إلى ذلك سبيلا حتى تمكنا من بلوغ مرتبة الرواية لحديث رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، فقد روت أم حرام عن النبي "صلى الله عليه وسلم" خمسة أحاديث اتفق الشيخان على واحد منها، وروى عنها زوجها عبادة رضي الله عنهما وابن أختها أم سليم أنس رضي الله عنهما ، وعطار بن يسار، وغيرهم.
وكانت أم حرام صوامة قوامة تالية لكتاب الله، ومن الذاكرات لله كثيرا، وقد ذكر ابن عبد البر أن أم حرام وأختها أم سليم خالتا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" من الرضاعة، ولهذا كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يتردد عليهما، ويقيل عندهما بين الحين والآخر.
وقد أخرج الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يدخل على أم حرام بنت ملحان وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها يوما فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله "صلى الله عليه وسلم"؟ قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "ناس من أمتى عرضوا على غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج (ثبج الشيء وسطه) هذا البحر ملوكاً على الأسرة- أو مثل الملوك- على الأسرة" قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنى منهم، فدعا لها رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ثم وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "ناس من أمتى عرضوا على غزاة في سبيل الله" كما قال في الأولى قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنى منهم، قال صلى الله عليه وسلم:" أنت من الأولين"، فركبت البحر في زمان معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت.
وقد كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يخص أم حرام باهتمام وبركته فقد ورد أنه صلى في بيتها، روى حماد عن ثابت، عن أنس أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" صلى في بيت أم حرام على بساط.
وكانت أكبر صدمة تلقتها أم حرام وزوجها عبادة رضي الله عنهما يوم انتقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" إلى الرفيق الأعلى ولكنها مشيئة الله.
وخلف الصديق رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان عهده عهد الفتوحات الإسلامية الكبرى التي عمت فيها كلمة:" لا إله إلا الله، محمد رسول الله" جميع البقاع، وترددت في كل الأصقاع، وهوت عروش القياصرة، وزالت ممالك الأكاسرة، وأرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشا قوامه أربعة آلاف مقاتل عليهم عمرو بن العاص رضي الله عنه لفتح مصر، وإخراج الروم منه، ولما بلغها عمرو رضي الله عنه وجد أنه بحاجة إلى مزيد من الجنود، فكتب إلى الخليفة عمر يلتمس المدد.
ورد عمر على عمرة يقول :لقد أمددتك بأربعة آلاف عليهم أربعة كل منهم بألف رجل، ولكن من كان هؤلاء الأربعة؟إنهم: الزبير بن العوام، وعبادة بن الصامت، والمقداد بن الأسود، ومسلمة بن مخلد، ومن أعرف من عمر بالرجال؟ ودخلت مصر حظيرة الإسلام، وأصبحت أروع درة في تاجه.
وبعث معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنها إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستأذنه في الخروج بالمسلمين وركوب البحر، فلم يأذن له، فلما كانت خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أرسل معاوية يجدد طلب الإذن، فمنحه الإذن شريطة ألا يجبر أحداً على اقتحام البحر، وأن يكون الخروج اختياريا لا إكراه فيه.
وأعد معاوية رضي الله عنه أسطولا بحريا لغزو جزيرة قبرص، وملأ السفن بالمؤمنين البواسل، وعلى ظهر إحداها عبادة بن الصامت وزوجه أم حرام رضي الله عنهما.
وراحت أم حرام تستعيد شريط ذكرياتها عن مجالس رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، ووقفت عند حلمه الذي أخبرها فيه أنها من الأولين من أمته الذين يركبون البحر مثل الملوك على الأسرة، فتساءلت : هل أتت اللحظة التي أنبئت بها؟ وأخذت تتأمل كل ما تقع عليه عيناها فعل المودع.
وألقت السفن مراسيها على شواطئ قبرص، ونزل الفرسان، ثم نزلت أم حرام والنسوة اللاتي كن بصحبتها، وحدثتهم بحلم رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، وهى لا تكف عن الصلاة والسلام عليه.
وحين تعبت أم حرام من المسير جاؤوها ببغلة، واعتلت أم حرام صخرة لتتمكن من أن تمتطى ظهر البغلة، ولما همت بركوبها رمحتها البغلة، فسقطت أم حرام، واندق عنقها، ولما وصل عبادة إليها كانت تردد قول رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "أنت من الأولين"، وتحقق قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) سورة لقمان الآية 24.
فكم قطعت أم حرام من المدينة إلى قبرص لتجود بأنفاسها على أرضها؟، قال هشام بن الغاز: "قبر أم حرام بنت ملحان بقبرص، وهم يقولون : هذا قبر المرأة الصالحة" رحم الله تعالى أم حرام شهيدة البحر، وجعل الجنة مستقرها، ورضي عنها.