الأحد 13 أكتوبر 2024
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

أمير العفو.... نواف الخير

Time
الاثنين 30 يناير 2023
View
5
السياسة
محمد علي النقي

من الأخلاق العظيمة التي تُكبِر صاحبها "العفو عند المقدرة"، أي العفو عن المسيء عند القدرة على معاقبته على إساءته، وإن كانت المعاقبة جوهر العدل، فإن العفو قمة الفضل، وهذا الخلق الكريم هو خلق الإسلام الذي ندب إليه القرآن الكريم في غير ما آية، كقوله سبحانه: "فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ"، وقوله سبحانه: "فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ".
والصفح الجميل هو العفو، وما زال القرآن الكريم يحض على الإعراض عن الجاهلين، والعفو عن المسيئين حتى من تلطخوا بدم القتل والعدوان، فإنه مع تشريعه القصاص، إلا أنه حبَّذ العفو عند المقدرة كما قال سبحانه: "فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ"، كل ذلك ليتحلى المؤمن بالعفو الكريم، فمن تحلَّ بالعفو عند المقدرة يكن قد تحلى بخلق الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وعمل بهدي القرآن الكريم.
وقد بيّن النبي(عليه الصلاة والسلام) فضله بقوله: "وما زاد الله عبداً بعفو، إلا عزاً"، ومع ذلك فقلَّما تجد له واقعاً في دنيانا اليوم، وقد كان بالأمس خُلُقاً سائداً لدى كُمَّل الرجال، وعلى رأسهم نبينا وسيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام)، الذي كان على خلق عظيم، وبعث به ليعلمه أمته، فكان إذا قدر على عدوه وظفر به، أوسعه صفحاً وعفواً.
واي فضل يتحلى به المرء اكثر من هذا، وهو الفضل الذي لم يفوته الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فإنه ما ان ظفر باخوانه الذين ائتمروا على قتله ثم ألقوه في غيابة الجب ليلقى فيه حتفه لولا ان الله حفظه ونجاه، فلما مكنه الله من اخوته وعرفهم ما كان من منهم، لم يزد على ان قال لهم: "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين".
إن العفو عند المقدرة ليس قاصراً على العفو عن العدو الذي يُتمكن منه، بل كذلك عن زلات المسيئين من أقارب أو أباعد، في البيت أو العمل، في المجتمع أو في غيره، فلو أن الناس تمثلوا هذا الفضل فعفوا عمن أساء إليهم، أو قصر في حقهم، أو فوت عليهم مصلحة، وكان بمقدور المرء أن يقاضيه ويأخذ حقه منه، لو أنهم فعلوا ذلك لعاشوا في صفاء ومحبة، ووجدوا للحياة طعماً، وللعمر معنى، وعاش المجتمع في سعادة غامرة.
إن العفو عن الآخرين ليس بالأمر الهين، بل لا بد فيه من مجاهدة للنفس وغير النفس، ومن انتصر على غضبه، وقهر حظ نفسه وإن كان بحق، فهو الشديد حقًّا؛ كما قال (صلى الله عليه وسلم): "ليس الشديد بالصُّرْعَة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب"؛(متفق عليه)، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضِبَ".
وقال جل جلاله آمرًا نبيه والمؤمنين بالعفو والصفح والمغفرة: "فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة: 109).
هذا وإن المظالم أمرُها عند الله عظيم؛ فقد شدَّد الله في الظلم أيما تشديد، وحذَّر منه وأبدأ وأعاد، كظلم النفس بالمعاصي، أو العباد بالبغي والعدوان وحرمان الحقوق، وإن ديوان المظالم بين يدي الجبار جل جلاله يوم القيامة؛ "ومن كانت عنده لأخيه مظلمة، فليتحلَّله اليوم، قبل ألَّا يكون درهم ولا دينار، إنما هي الحسنات والسيئات"،إن الانتصار للنفس من الظلم لَحَقٌّ وعدل، ولكن العفو هو الكمال والتقوى والإحسان؛ قال الله تعالى: "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ"(الشورى: 40).
وبالعفو والإحسان، يتحول الكاره إلى محبٍّ، والعدو إلى صديق، فيرى كيف قُوبل خطؤه بالعفو والإحسان، فيثوب إلى الرشد والصواب، وتنطفئ من داخله الكراهية، ولا يملك إلا أن يكون مع أخيه كأنه ولي حميم؛ قال الله تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ"(فصلت: 34، 35).
لقد ضرب الرسول أروع الأمثلة في العفو والتسامح، فتحول أمام إنسانيته الكريمة العدوَّ إلى محبٍّ؛ روى ابن هشام: "أن فضالة بن عمير الليثي أراد قتل النبي وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فلما دنا منه، قال رسول الله: أفضالة؟ قال: نعم فضالة يا رسول الله، قال: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال: لا شيء كنت أذكر الله، فضحك النبي، ثم قال: استغفر الله، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله أحب إليَّ منه".
وهذا زين العابدين علي بن الحسين (رضي الله عنه) قد جاءته جاريته تصب الماء عليه، فسقط الإبريق من يدها على وجهه، فشجَّه، فقالت: والكاظمين الغيظ، فقال: كظمت غيظي، قالت: والعافين عن الناس، قال: عفوت عنكِ، قالت: والله يحب المحسنين، قال: أنتِ حرة لوجه الله، ولما عفا عن أحد الأعراب وقد قدر على عقوبته هتف به الرجل: أشهد أنك من أولاد الأنبياء.
إن العفو قد تكرر ذكره والحض عليه، واستحبابه في القرآن الكريم ثماني مرات، فيما لم يُذكَر القصاص إلا مرتين. فمن أخذ بالعقوبة، فهي حقه المشروع، لكن ما هي إلا تلك الساعة، وينسى لذة الانتقام، ويفوته موكب الأجر وحظوظ الكرامة الإلهية.
وفي الختام نرفع اسمى آيات الشكر والعرفان إلى مقام سيدي حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الاحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، وسمو ولي عهده الامين الشيخ مشعل الاحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، على اصدار العفو عن ابناء الكويت وعودتهم الى بلدهم واهلهم، فهنيئاً للمشمولين بالعفو
عودتهم الى اسرهم والى ديارهم، وهنيئا للكويت بعودة ابنائها اليها لتكتمل الفرحة وتلتئم الجروح وتشفى الصدور، ويهنأ الجميع بهذا الفرج الكريم من أولي الامر... حفظ الله الكويت قيادة وشعبا وارضا طيبة ينعم الجميع بالخير والامن والامان في رحابها العامرة دوما بالخير.

[email protected]
آخر الأخبار