الأربعاء 25 يونيو 2025
39°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى   /   الافتتاحية

أنصفوا "البدون"... فكلُّنا جئنا على ظهر بعير أو سفينة وأصبحنا مواطنين

Time
الثلاثاء 31 أغسطس 2021
View
5
السياسة
أحمد الجارالله

فجأة ومن دون مقدمات يستيقظ كويتي أبا عن جد ليجد نفسه بلا جنسية، ويرتفع معه عدد "البدون"، فيما تزداد وصمة العار هذه اتساعاً على جبين الكويت، ويتأكد أكثر عدم التزامها بالمواثيق والمعاهدات الدولية الموقعة عليها، في ظل تحكم عصبيات ونزعات عنصرية بالقرارات والقوانين النابعة من الخوف من خسارة امتيازات مالية، ورفاهية أُعطيت للكويتي منذ الولادة، ولم تتبدل مع تغير الأوضاع المالية، وتراجع الدخل الوطني، وانهيار أسعار النفط.
تلك الامتيازات فتحت شهية كثير من شذّاذ الآفاق على التزوير، والاحتيال على القانون، إلى حد بات الحديث يدور اليوم عن مئات الآلاف من المشتبه بتجنسهم بطرق ملتوية، فيما لا يزال هذا الملف يزداد تضخماً، فأين الحل، وهل الإبقاء على معضلة "البدون" يجعل الكويت فعلاً مركزاً دولياً للعمل الإنساني، وهل الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية الذي وُجد ليكون موقتاً سيتحول جهة رسمية دائمة تمارس هدراً لا يُطاق في حقوق الإنسان؟
منذ نصف قرن إلى اليوم تشكل قضية "البدون" صداعاً دولياً للكويت، وطوال العقود الخمس الماضية وضعت عشرات الحلول لكنها نامت بأدراج الحكومات، في وقت تحتاج البلاد إلى كل يد عاملة، فيما تستورد عشرات الآلاف سنوياً من مشارق الأرض ومغاربها، ولديها طاقات كبيرة معطلة عمداً، بسبب ما سُمي القيود الأمنية، هذا الاختراع الذي يحرم طفلاً وليداً من شهادة ولادة، ويمنع رب أسرة من العمل، فيحوله مع سبق الإصرار والترصد مشروع مجرم، بينما تناسَى المسؤولون عن هذا الملف ما قاله الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) منذ نحو 1400 عام:" لو كان الفقر رجلاً لقتلته"، فكيف بمن يرى فلذات أكباده ينامون ويستيقظون على جوع؟
الآلاف من هؤلاء تركوا الكويت التي ترعرعوا فيها، وتعلموا في مدارسها وجامعتها، حين سنحت لهم الفرصة للهجرة إلى دول تعرف كيف تستغل تلك الطاقات، فتحولوا الى أطباء ومهندسين ورجال أعمال وحصلوا على ما عجزت الذهنية الكويتية العنصرية المنغلقة على منحهم إياه خوفاً من أن يطلبوا قسيمة أرض، أو قرضاً أو وظيفة.
لا شك بعد التطورات المالية السلبية التي شهدتها البلاد في العقدين الماضيين، وسياسة الإسكان، والدعم من المهد إلى اللحد الخاطئة ، التي باتت تشكل معضلة كبيرة أمام استمرار الدولة بهدر المال العام عليها، في وقت تخلت فيه الكثير من دول العالم عنها، لأنها أدركت منذ البدء أن ذلك يؤدي إلى انهيار الدول.
لذا هناك الكثير من الحلول السهلة والبسيطة التي لا تكلف الدولة شيئاً، بل تخفف من الأعباء عليها، كأن يلتقي المسؤولون في الجهاز المركزي هؤلاء ويبينوا لهم حقيقة موقفهم القانوني، وأن يعلن السيد صالح الفضالة الخطوط العامة للحل، بل على مجلس الوزراء الذي أعلن رئيسه قبل عام وثلاثة أشهر أن حكومته ترغب بمعالجة "خلل التركيبة السكانية"، بتقليص العمالة الأجنبية في البلاد من 70 في المئة إلى 30 في المئة فقط، من دون أن يكشف عن الطرق الممكن اعتمادها في ذلك، أن يقدم حلاً واقعياً، رغم ذلك نسأل سموه: أليس "البدون" من ضمن السبعين في المئة من الكويتيين، أم تأمل أن تنفذ كل المشاريع الكبرى التي تتحدثون عنها حالياً بالثلاثين في المئة تلك؟
هل يعلم المسؤولون عن ملف "البدون" أن 70 في المئة من الجنود الأميركيين الذين حرروا الكويت كانوا من المتسللين إلى الولايات المتحدة، وبمجرد خدمة هؤلاء في جيشها مُنِحوا الجنسية، وهل يعلم هؤلاء أن المانيا تمنح إقامات عمل طويلة، ولاحقاً الجنسية للعمال لأنها بحاجة إليهم، كذلك فرنسا وكندا وبريطانيا وفنلندا وغيرها من الدول؟
نسأل أيضا: لو كان سكان أميركا الأصليون انغلقوا على أنفسهم ورفضوا المهاجرين هل كانت الولايات المتحدة ستتحول أقوى دولة في العالم، أم أن هجرة الأدمغة إليها من أوروبا جعلتها تصل إلى هذه المكانة؟ أليس كل الكويتيين جاؤوا إما على متن سفينة أو ظهر بعير وأصبحوا مواطنين، وليسوا طراثيث نبتت من الأرض، بمعنى أوضح أن الكويت مجتمع مهاجر بالأساس؟
إنصاف "البدون" والاستفادة من طاقاتهم يعني قيمة مضافة للكويت، بل الاستثمار بالمهاجرين والوافدين، ومنحهم إقامات طويلة الأمد، أو حتى جنسيات "خالية الدسم" يساهم في نهضة هذه البلاد بدلاً من أن يصبحوا خارجين على القانون، ولنا في هذا الشأن عبرة بالمملكة العربية السعودية والإمارات اللتين منحتا الوافدين إليها إقامات ذهبية وجنسيات لتستفيد منهم، وهو المعمول به في مصر والمغرب ودول عربية كثيرة، أيضا في تلك الدول تمنح المواطنة المتزوجة من أجنبي أولادها جنسية بلدها، ففي تلك الدول لا تمارس أي عنصرية مبنية على احتكار امتيازات مالية وخدمية.
آخر الأخبار