محمد الفوزانإذا كان القلب يعتصره الألم والحزن على ضياع بلاد الأندلس من المسلمين، فوالله ما كانت الأندلس بالنسبة إلى الهند المسلمة إلا كمقاطعة أو مدينة صغيرة يحكمها أحد ولاة السلطان.وإن مسجد بادشاهي المعروف بالمسجد الجامع في لاهور بالهند ليقف شامخًا دالاً على إبداع وروعة الحضارة الإسلامية في الهند.خرج من الهند محمود بن سبكتكين والسلطان أورنك زيْب عالكمير.السلطان أورنك زيب الذي لا يكاد يعرفه أحد عمالقة الإسلام، أذلَّ الله به الكفر وزلزل الطغيان، وقوَّض عروش أهل الإلحاد في الهند، وحارب الفساد والظلم والظلمة وأرغم الجبابرة على الانقياد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وسلك بالمسلمين بالهند سبيل الاستقامة، حتى لقَّبه الشيخ الأديب علي الطنطاوي ـ رحمه الله ـ ببقية الخلفاء الراشدين.وهو العابد الساهر الذي أقام العدل في زمانه، وانقادت له الممالك وخضعت، حتى صار النصر له رفيقاً. أورنك زيب سلطان مملكة شبه القارة الهندية وما حولها في القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشرالهجري.وُلد السلطان أورنك زيب في بلدة دوحد في كجرات بالهند في 15 من ذي القعدة 1028هـ الموافق 24 من أكتوبر 1619م.نشأ أُورانك زيب في بيت عز وترف وشرف؛ فأبوه هو السلطان شاه جيهان أحد أعظم سلاطين المسلمين في الهند، وهو باني مقبرة "تاج محل" الشهيرة؛ التي تعدُّ الآن من عجائب الدنيا السبع.ظهر من أورنك زيب منذ صغره علامات الجدِّ والإقبال على الدين والبعد عن الترف والملذات وترعرع محبا للدين الذي استقاه على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، كما أنه جمع بين الفروسية والشجاعة؛ فكان فارسًا شجاعًا لا يُشَقُّ له غبار.تعلم فن الإدارة وأتقنه، فكان من ملوك المسلمين القلائل الذين برعوا في إدارة الدولة، وقاد الجيوش بنفسه في عهد أبيه؛ فقمع الثورات، وطهر البلاد، وأظهر في الأرض العدل، وكانت له هيبة وسمت الملوك، وظلَّ الأمر كذلك حتى وفاة أمه "ممتاز محل"، التي بوفاتها انشغل السلطان "شاه جيهان" ببناء مقبرة يخلِّد فيها ذكراها، وصرف لذلك الأموال، وحمل الناس على العمل الشاقِّ فأُهملت السلطنة، وظهرت بوادر الفتن والثورات، ولم يكن للسلطان "شاه جيهان" يومها من همٍّ إلا النظر إلى ضريح زوجته.هنا تدخل أورنك زيب فوضع أباه في حصن أجرا، وجعل له شرفة تطلُّ على ضريح زوجته، فكان دائم النظر إليه حتى وافته المنية.وللحديث بقية إن شاء الله.
[email protected]