الأحد 29 سبتمبر 2024
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
إذا قوبلت الإساءة بالإساءة… فمتى تنتهي الإساءة؟
play icon
كل الآراء

إذا قوبلت الإساءة بالإساءة… فمتى تنتهي الإساءة؟

Time
الخميس 24 أغسطس 2023
View
124
د.سعد عبدالله الجدعان

ثمار الفكر

أثبتت الأحداث المتلاحقة في الأيام الأخيرة، أن المواجهة تدور بين أفكار، وثقافات، ومعارف نتجت عنها أحداث عنف اشتعلت بها القارة الأوروبية بعامة، والبلاد الإسلامية بخاصة، وتطور الحدث ليأخذ صفة الفردية، لتتداعى ردود الفعل لتصبح مواجهة دولة بكامل أجهزتها، بل سكانها ضد من تدعي أن وجودهم على أرضها يمثل تهديدا للقيم التي قامت عليها فرنسا.
وكانت مسارات الأحداث تؤكد أن فرنسا لا يمكن أن تهادن بما نادت به من القيم التي هي المنظومة الفكرية لها منذ الثورة الفرنسية، والتي مضى عليها ما يزيد على قرنين من الزمان، وبالفعل جاءت اللحظة الحاسمة بنشر الصور الكاريكاتورية، لحظة إلقاء الرئيس لخطابه المشؤوم في «جامعة السوربون» يوم تأبين البلاد للمدرس الضحية.
وتعاملت فرنسا جميعها مع الموقف كما لو أن حربا في الأفق تلوح بسبب ما حدث، وجاءت الردود من العالمين، العربي والإسلامي، بالمقاطعة الشعبية للبضائع الفرنسية، وكلنا يتابع تداعيات الأزمة، وما تحمله من غيوم تتراكم يوما بعد آخر في سماء السياسة الدولية، إلا أن هناك أبعادا أخرى تغيب عن أذهاننا، لا نسعى على الإطلاق في كل مرة تحدث فيها هذه الأحداث وتسارعت بتقديم الأفعال نفسها التي تتم في كل مرة.
وهو الأمر الذي دفعنا إلى اختيار كلمات غاندي، عنوانا لمقالتنا هذه، وهو يقدم دليلا قويا على أهمية التفكير خارج الصندوق، لأنه وبالفعل، وهنا نسترشد بما قاله اينشتاين أيضا، أن تقديم الحلول نفسها للمشكلة نفسها مرة تلو الأخرى، من دون أن نتوصل إلى حلول للمشكلة، مع التصميم بمواجهتها بالطريقة نفسها كل مرة، سيكون ضربا من عدم الوعي بأهمية تطوير الأفكار بحثا عن حلول أخرى، وتجربتها، رغبة في الوصول إلى حلول للمشكلة.
فإذا ما كانت الأزمة سبب خطأ الآخر في فهم القيم الخاصة بنا، وحرصه على تشويهها، والتهكم عليها، في كل مرة، وهذا يؤدي إلى إشعال نار الغضب لدينا، لماذا لا نطرح المواجهة الفكرية مع الآخر بحيث تكون مواجهة واعية، مدروسة ومخطط لها، ويقودها علماء الأمة، وهم يحتاجون إلى شيء بالغ الأهمية، وهو دراسة المصادر التي استقى منها هؤلاء الناس في الغرب معلوماتهم المشوهة عن القيم الإسلامية، والرجوع إلى التاريخ، والاستعانة بأحكامه، كي نفهم لماذا يفكرون عنا بهذه الطريقة؟
لقد كان الشباب الإيطالي وساكنو الأراضي الألمانية، وفرنسا، يذهبون إلى بلاد الاندلس، يتلقون العلم على أيدي العلماء المسلمين، ويعودون إلى بلدانهم، ويذهبون بأنفسهم، حتى أنهم يتقلدون الزي العربي، وقد كانوا يقلدون طرق أساتذتهم في عرض العلم، ومناقشة المسائل العلمية بالفكر، والمنطق، ودراسة القيم الإنسانية الخالدة، التي أقرها الدين الإسلامي.
ولولا توافر علماء الأمة الإسلامية على شرح مؤلفات اليونانيين لما وصلت هذه الأفكار إلى الغرب والاستفادة بها، ويؤكد علماؤهم على ذلك، بل إن كبار المستشرقين قد وضعوا المؤلفات التي تستعرض فضل العرب على الغرب، ولا أحد ينسى ما كتبته الألمانية زيغريد هونكة، شمس العرب تسطع على الغرب، ودفاعها عن فضل الحضارة العربية، وكيف استفادت أوروبا من بحوث علماء المسلمين؟
وليس هذا كلاما مرسلا، بقدر ما هو حقيقي، وعلينا الاستناد على هذا التراث الضخم، دفاعا عن قضايانا، وتوضيحا للصورة التي بمجرد أن يتعرف الغرب عليها، سيقر بهذا الفضل، بعيدا عن العشوائية في ردود الفعل، لأننا لن ننتهي من حرب «داحس والغبراء»، وبهذه الممارسات نفسها في كل مرة.
ان الغرب يحترم الإنتاج الفكري، وعلينا إذا أن نتدارك الأمر ونتدارس كيفية الوصول إليهم بالفكر، ومجالسة علمائهم، والدفاع عن قيمنا، وكم يحرصون هم على التمسك بقيمهم، إن المعركة الآن معركة أفكار.

متخصص في القانون الدولي وكاتب كويتي

د.سعد عبدالله الجدعان

[email protected]

آخر الأخبار