كل الآراء
إسقاط القروض لا يوفر العدالة
السبت 22 ديسمبر 2018
5
السياسة
حسن علي كرماذا طالب المقترضون اسقاط قروضهم التي ترهق جيوبهم وتنهك كواهلهم وتكدر حياتهم، فذلك لأنهم يَرَوْن اموالهم تبعثرها حكومتهم الرشيدة والسخية جداً جداً على الغُرباء وعلى اللي يسوى واللي ما يسوى، ولأن جرح الحاجة قاتل، ولأن السجون امتلات بالمعسرين، «فالمال مال ابونا والغُرب انهبونا « لذا لا تلوموا الناس ان ضاقت صدورهم، وعلت اصواتهم، وهم يَرَوْن المليارات التي تستقطع من رصيدهم ورصيد ابنائهم ومستقبل أجيالهم، ثم تطير بالأجنحة الخفية الى جيوب الاشقاء والأصدقاء والمتردية والنطيحة. اما من جهة البوقات والرشى والعمولات التي تدفع جراء المناقصات الحكومية وصفقات الشراء المليارية المحلية اوالخارجية فحدث ولا حرج، واذا نظرنا لمبالغ المنح والودائع المليارية التي تذهب الى البنوك المركزية لهذا النظام ولذاك النظام، ونسأل:ما المردود المالي اوالسياسي الذي تنتفع به الدولة الكويتية نظاماً وحكومة وشعباً أمناً ؟ لا شيء، هنا لا نلوم المواطن اذا رفع صوته مطالباً بإسقاط قروضه. نحن ندفع للفلسطينيين يشتموننا، وندفع للعراقيين يشتموننا، وندفع للبنانيين يمتدحون غيرنا، وندفع للمصريين يرفعون في وجوهنا البطاقة الحمراء حيناً وحيناً يعتبرون الأموال المدفوعة «جزية واجبة، لان الكويت إمارة مصرية تخضع لحكم مصر»، هكذا طلع علينا اخيراً فتوى قانونية بتغريدة من رويبضة نكرة يدعي انه محام مصري يبحث عن الشهرة لكن على ظهر الكويت، واذا أفلسوا من كل ذلك عايروننا بقولهم «احنا اللي حررنا بلدكم» فهل بقي شيء اكثر من هذا صفاقة واستهتاراً واستصغاراً بِنَا دولة ونظاماً وحكومة وشعباً ودستوراً، ما يجعلنا نموت قهراً باليوم عشرات المرات من برودة اعصاب حكومتنا، لقد كرهونا بكل شيء اسمه اشقاء واخوة ولحمة ودين وجيرة. ورغم ذلك فإن مساعدة الدول الغنية للدول الفقيرة لاسيما في الظروف الصعبة، كالأزمات والكوارث احدى المهمات الانسانية الواجبة، والكويت اذا مدت يد المساعدة الى الدول المحتاجة، ليست وحدها التي تقدم المساعدات مثل المنح والقروض، الا انها وحدها التي تقدم من دون منٍ اواذى، ولا تسأل اوتطمئن عن موارد واوجه الصرف. هناك بعض الدول الكبرى والغنية تدفع منحا وقروضا، ولكن لا تدفع كاش، انما عوضاً عن ذلك تنفذ مشاريع بإشرافها من الألف الى الياء وبواسطة شركاتها. مثلاً الصين اواليابان تقدم لبعض البلدان الفقيرة في افريقيا المنح والقروض، لكن لا تذهب الأموال كاش الى جيوب الحاكمين، انما تنفذعلى شكل مشاريع تنموية تقوم بها الشركات الصينية اواليابانية، وبذلك يضربون عشرين عصفوراً بحجر واحد، من جهة الدولة المانحة ساعدت الدولة الممنوحة، ومن جهة عادت أموال المنحة اوالقرض لشركاتهم ولخزينة الدولة، اما نحن ( نبخ ) الأموال نقداً ولا نسأل اين ذهبت،هل ذهبت الى جيوب الانظمة الحاكمة ام تصرف على مشاريع تنموية لصالح الشعوب،ام تصرف على بناء القصور والاستراحات للحكام، اوعلى شراء أدوات الموت وتكميم افواه الشعوب؟ في الغزوالعراقي الغاشم عرفنا كيف ذهبت اموالنا سدى، فالشعوب العربية التي خرجت الى الشوارع فرحة بالغزولا تأييداً لصدام وانما حنقاً علينا لأنهم يروننا أغنياء وهم فقراء، بينما اموالنا التي كنّا نضخها لهم كانت تذهب الى جيوب حكامهم الذين ساعة الغزواكل الطير لسانهم، فمالوا مع الغوغاء والعدوالغاصب. لا خلاف ان المساعدات عمل اخلاقي وديني ولا غضاضة فيه،ولا احد يعارضه، ولكن الخلاف على الصرف، هل صرفت في المورد الصحيح؟ هناك شعوب تموت من الجوع والضنك وحكامها منغمسون في الملذات وبناء القصور. وهناك حكام يظهرون على شعوبهم يذكروننا بالامبراطوريات الفارسية والإغريقية والصينية في الحقب السالفة، التي كان الإمبراطور يخرج بكامل زينته على الملأ، وهناك حكام امتلأت سجونهم بالأبرياء والمظلومين، ونحن نضخ لهم بالمال من دون حساب، هل هذا عدل، وهل هذا ينقذ اقتصادات تلك البلدان الاستبدادية التي تحكم شعوبها بالحديد والنار؟ لذا ان طالب المواطنون باسقاط قروضهم فمعذورون،حيث يَرَوْن كيف تبذر اموالهم على دول وأنظمة ظالمة تجوع شعوبها. منذ سقوط النظام الاستبدادي الصدامي، كم من المنح والمساعدات التي قدمتها الكويت للعراق، وكم من المشاريع التربوية والصحية والدينية من مدارس وجامعات ومشاف ودور عبادة ومطارات ومجمعات سكنية وتجارية وفنادق أقامتها الكويت في مدن العراق، واخرها مكائن الكهرباء وتناكر المياه العذبة التي زودت بها مدينة البصرة،هل احس العراقيون بتلك المشاريع والتبرعات والمنح، واذا أحسوا فلماذا لايزالون يسبوننا ويتهموننا بالتأمر عليهم ؟ اسقاط القروض لا ينبغي ان يكون الهدف الاخير، بقدر جعله هدفاً للضغط على الحكومة لمراجعة سياسات المنح والافتراضات الخارجية، علماً بانه لا مقارنة بين قروض المواطنين والقروض الخارجية، هذا مع التذكير باختلاف مبالغ القروض من مقترض واخر واسبابها،الامر الذي قد تصحبه إشكالات قانونية وعدم العدالة، فما المبرر كي تدفع الدولة قرض سيارة بالاف الدنانير على سبيل المثال لموظف لا يتعدى راتبه الف دينار؟ اومقترض تورط في مراهنات وتكييش اوافترض للسفر، لا ريب ان هذه حماقة وإسفاف وسفاهة، والخوف ان يصبح اسقاط القروض عادة وتشجيعاً للمواطنين للتمادي. نعم هناك قروض مستحقة، ومساعدة هؤلاء ربما واجبة من المؤسسات الخيرية كبيت الزكاة والخيرين بعيداً عن توريط الدولة، ولعل بديلاً من أسقاط القروض ان يتم صرف منحة مالية بالتساوي في نهاية كل عام مالي على المواطنين من ذوي الدخول المتدنية والمتوسطة، إسقاط القروض لا يخدم الا حفنة صغيرة من المواطنين.كاتب كويتي