الخميس 19 يونيو 2025
41°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الاقتصادية

إصلاح الاقتصاد الضعيف

Time
السبت 19 ديسمبر 2020
View
5
السياسة
د. لويس حبيقة

هنالك اقتصادات ضعيفة تعاني من تحديات كبيرة، ويشير صندوق النقد الدولي الى ضرورة العمل لتقويتها بخطوات تدريجية وليس دفعة واحدة.
الاصلاحات المالية ضرورية دائما، ولا بد من خطوات جديدة متتابعة لتقوية الموازنات التي تسمح لادارات الدول بمواجهة التحديات، فالمؤسسات السياسية والادارية الوطنية ضعيفة، ولا يمكنها تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، كما أن الفساد منتشر.
يشير الصندوق الى أن نحو 20 في المئة من أعضائه تعتبر دولا ضعيفة، وتحتاج الى مساعدة الـ 80 في المئة الباقين، خُمس دول العالم ضعيفة وهي نسبة مرتفعة ولا تعني طبعا أن الآخرين بصحة جيدة، وانما بصحة أفضل.
هنالك هيكلية مالية مشتركة لهذه الدول، هدر الانفاق وانتشار الفساد وصعوبة تحصيل الضرائب، خاصة المباشرة كالضريبة على الدخل، فتتكل على الضرائب الجمركية التي يسهل تحصيلها، وان سببت ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
تعاني أيضا من صعوبة تجانس الواردات مع الانفاق في التوقيت والقيمة ما يؤثر سلبا على قدرات الدول الاجتماعية، فتبقى عاجزة في معظم الأحيان عن تلبية طلبات المواطنين وحاجاتهم الأولية خصوصا في الطبقات الوسطى وما دون.
ما الذي يميز هذه الدول؟ أكثر من نصفها يقع في أفريقيا وعلى سبيل المثال أنغولا، ساحل العاج، مالي وليبيريا في أوروبا، هنالك دولتا البوسنة والهرسك كما كوسوفو، في منطقتنا، هنالك العراق، ليبيا، سورية، السودان ولبنان بسبب صراعاتنا الداخلية المستمرة، في أميركا هنالك هاييتي وفي آسيا النيبال وميانمار وغيرها.
بالأرقام، خاصة من ناحية مستوى الناتج المحلي الاجمالي الفردي، نرى أن الدول الضعيفة تراجعت بين فترتي 2006ـ 2007 و2014 ـ 2015 من 1549 دولارا الى 1475 دولارا بينما تقدمت الدول الأخرى من 3661 دولارا الى 4429 دولارا.
في عجز ميزان الحساب الجاري من الناتج، ارتفع عجز الدول الضعيفة من 1 ،3 في المئة الى 5 ،4 في المئة، كما ارتفع عجز الموازنة من 2 ،4 في المئة الى 2 ،7 في المئة بين الفترتين أنفسهما.
تشير الأرقام الى صعوبة الأوضاع الاقتصادية والفشل في معالجتها بما فيها التضخم والبطالة بالرغم من حصولها على مساعدات وهبات.
الاقتصاد اللبناني أصبح ضعيفا وانتقل من الاقتصادات المتوسطة الى ما دون بسبب سقوط الليرة والأجور وسوء المعالجة والفساد.
لا تشبه هذه الدول بعضها بعضا من ناحيتي الهيكلية الاقتصادية والنتائج المحققة وحتى من ناحية مصادر الضعف وحجمه، عموما التنمية الاجتماعية ضعيفة ويوجد خلل كبير في التوازنات الاقتصادية والمالية.
الأكثرية الساحقة منها تتواجد فيها حروب داخلية أو مرتبطة بحروب خارجية هنالك مجموعة تقع داخلها أو تعاني من كوارث طبيعية قاسية، نشاهد الحرائق التي تضرب بعض الدول وتقتل الأشجار وتزيل بعض الحيوانات من الوجود.
شهدنا ما حصل من حرائق وفيضانات مؤلمة في بعض الدول التي تعاني أيضا من انقسامات داخلية توتر الأجواء وتضعف الاستثمارات، فيرتفع فيها الفقر.
تعاني الدول الضعيفة من فساد كبير منتشر في القطاعين العام والخاص، ويعرقل مسيرة النمو واداء الادارة تجاه المواطن، هنالك حوكمة ضعيفة أي شفافية غائبة أو مزيفة تؤثر سلبا على المؤسسات العامة في انتاجيتها ودورها الاجتماعي.
لا يستطيع المواطن اسماع صوته ضمن الآليات الديموقراطية ان وجدت، فيلجأ الى العنف المبني على الغضب والكراهية، هنالك تعلق بالحكم على حساب الشعوب والمصلحة العامة؛ ماذا يعني الحكم والحكومة اذا كان مفروضا على المواطن واذا كانت أكثرية الموطنين تعارضه؟
أي نظام سياسي أو مالي أو اجتماعي في دول نامية أو ضعيفة يجب أن ينظر الى عدالته أي الى تأثيره على الطبقات الوسطى وما دون.
تعاني الدول النامية أو الضعيفة من سوء توزيع الدخل والثروة، وبالتالي هنالك ظلم تجاه الفقراء، في لبنان مثلا 88 في المئة من الحسابات المصرفية هي دون الـ 50 ألف دولار، فمن أين يرممون خسائر انفجار 4 أغسطس؟
ما يجري عالميا في المدن من شغب سببه الفقر والحاجة دون أن ننكر وجود المخربين. في الايرادات الضرائبية، تحصل الدول الضعيفة 15في المئة نسبة للناتج مقارنة بـ 19في المئة للأخرى.
الفارق لا يقتصر فقط على النسبة وانما أيضا على هيكلية الضرائب، ليس هنالك توزع صحي للايرادات الضرائبية في الدول النامية، بل ترتكز على مصادر محدودة لصعوبة الرقابة وغياب المحاسبة والمساءلة.
الانفاق على المواضيع الاجتماعية، أدنى في الدول الضعيفة لكنه أعلى على العسكر والأمن كما على الأجور، وتشير هذه الوقائع الى سوء التوزع والهدر والفساد والى عدم فعالية الانفاق العام.
ما العمل؟ يجب وضع أنظمة ضرائبية مناسبة تسهل التحصيل والرقابة. المواطن لا يتحمس لتسديد الضرائب عندما يعرف أن الأموال تسرق أو تهدر. هنا تكمن أهمية الشفافية والمحاسبة، أيضا يجب ترشيد الانفاق وتعزيز قوانين المحاسبة تحقيقا للعدالة والشفافية، يجب تحديث المؤسسات العامة والقوانين ولا يمكن التخفي وراء القديم المهترئ.
في لبنان مثلا، تتكلم الحكومات المتعاقبة على ضرورة اقفال عشرات المؤسسات العامة بسبب التكلفة، وسوء الاداء أو لغياب الحاجة لها، وتبقى المعالجات كلامية.
لا بد من عرض الواقع في دولتين كانتا غنيتين وعانتا وتعانيان من المشاكل السياسية والاقتصادية التي أفقرت شعوبها، نتكلم عن فنزويلا التي تزيد معاناتها كما عن اليونان التي تصحح أوضاعها تدريجيا. في فنيزويلا، هنالك فارق كبير بين السبعينات واليوم. في الماضي، كانت هنالك ضمانات اجتماعية سخية، مستوى التعليم والصحة كان عال بسبب الايرادات النفطية وحسن استعمالها.
الصحافة كانت حرة وحية والبنية التحتية ممتازة، أما اليوم، فنزويلا ضعيفة وفقيرة و10 في المئة من الناس هاجر بسبب الجوع والفقر والخوف.
انخفض الناتج أكثر من 50 في المئة خلال 5 سنوات، وتدنت النسبة الشرائية للفقراء 80 في المئة، فانخفض وزن المواطن العادي 11 كيلو ما يشير الى سوء التغذية والفقر، التضخم مرعب وكل السلع تنقص وينتشر الفساد ويعم سوء الادارة.
هنالك دولة أخرى عرفت طريقا مختلفا، بل معاكسا وهي اليونان التي أحسنت ادارة نفسها، كانت اليونان في أوضاع كارثية في 2008 لكنها صححتها تدريجيا بمساعدة الأوروبيين وصندوق النقد، من نمو سلبي قدره 10 في المئة في 2010 الى نمو ايجابي 1 ،8 في المئة في 2019 علما أن الدين العام بقي مرتفعا في حدود 180 في المئة من الناتج في 2019.
أصلحت اليونان مؤسساتها العامة بكلفة 18 مليار يورو وحققت في 2019 فائضا في الموازنة، لكن الواقع هو نقيض فنزويلا ومضرب مثل في الانقاذ المدروس والجدي. طبعا "كورونا" تغير الكثير، ولا بد من درس تأثيرها مستقبلا على الاقتصادين.

خبير اقتصادي لبناني
آخر الأخبار