السبت 21 سبتمبر 2024
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى   /   الافتتاحية

إلى مَنْ يهمُّهم الأمر... هذه قصة الكلب المشنوق

Time
الأحد 07 مايو 2023
View
21
السياسة
أحمد الجارالله

يُحْكى أنَّ والياً أراد في يوم ما تفقد رعيَّتَهُ، فجمع أعيانَهُ وحُجّابه وخرجوا إلى الأمصار، وبينما هو في طريق العودة رأى بيتاً من الشَّعْر، فقال: دعنا نزُرْهُ، فما إن وصلوا حتى رحّب بهم صاحب البيت أجمل ترحيب، وهو لا يدري من هم، وهم أيضاً لم يُفصحوا عن أنفسهم.
دعاهم الرجل لتناول الطعام، وبعد الانتهاء منه، وحين خرج الوالي شاهد كلباً مشنوقاً مُعلَّقاً إلى جانب البيت، فسأل: "ما شأن هذا الكلب؟ وما قصته؟".
قال الرجل: "لهذا الكلب قصة عجيبة، لكن لا أستطيع البوح بها".
عاد الوالي إلى قصره، لكن لم يغب عن باله منظر الكلب، لهذا في اليوم التالي أرسل حاجبه ليستطلع قصة الكلب، ولما وصل الحاجب إلى الرجل وسأله عن قصة الكلب، أجاب الرجل الإجابة نفسها التي جاوب بها الوالي.
عاد الحاجب وأخبر الوالي بما قاله الرجل، فحار في أمره، وأصرَّ على معرفة السبب، لذا بعد أسبوع أرسل جنوده لاستدعائه، وحين وصل إلى القصر رحب به الوالي وأكرمه، وسأله عن قصة هذا الكلب، فقال له: "يا مولاي أمرك مطاع، لكن قصته لا أستطيع أن أخبرك بها إلا بشرط، وهو أنني أريد أن أكون والياً مكانك لفترة من الزمان".
استغرب الوالي، وقال له: "ومن تكون؟ وكيف أسمح لك بذلك؟"، فقال الرجل: "هذا شرطي".
بعد أسبوع قال الوالي في نفسه لعلَّ عند هذا الرجل ما يُكنه في نفسه، فاستدعاه مرة أخرى، وقال له: "لك شرطك، لكن عليك أن تفي بوعدك". وفي تلك الأيام كانت الولاية تدفع مبالغ كبيرة من المال إلى جيرانها لأسباب كثيرة.
نصَّب الوالي الرجل مكانه، وغاب عن الأنظار، فعمل الأخير فوراً على سجن كبار موظفي الولاية، ووضع مكانهم الصف الثاني، وأرسل إلى الولايات المجاورة رسالة "من الآن فصاعداً لا يُسمح لكم بأخذ الفدية والمال من هذه الولاية، وأنني سوف أبعث إليكم جيشاً نأخذ منكم المال الذي أخذتموه سابقاً".
حاول أعيان الولايات الأخرى الاتصال مع عملائهم في الولاية، فلم يجدوا أحداً من أصدقائهم والمُنتفعين منهم؛ لأنهم كانوا في السجن، لهذا انصاعت الولايات وردت المال المسروق والمنهوب، ولما استتب الأمر، وعلم الرجل أنَّ الأمور لم ولن ترجع إلى سابق عهدها قال للوالي الأصيل: "هذه ولايتك ردت إليك، والآن سوف أبوح لك بسر الكلب المشنوق".
أضاف: "كنت أفتقد في كل يوم شاة كبيرة، وبقيت على هذه الحال نحو عشرة أيام. عندها أردت معرفة الفاعل، فإذا بالكلب كان يأتي آخر الليل ينتقي شاة سمينة ليُقدمها إلى صديقه الضبع، حينها أتيت بالكلب، وقلت في نفسي يجب أن أعاقبه على فعلته، فأمسكته وشنقته أمام البيت ليكون عبرة لغيره من الكلاب".
عندما يخون المؤتمن، ويمعن في الخطأ، يستسهل كل شيء في سبيل المحافظة على مصالحه، وعندما يغفل المسؤول عن الأخطاء الصغيرة، تدبُّ الفوضى في الدولة، حتى لو كانت من أقوى الدول؛ لأنه لا يعيد النظام والهيبة إليها إلا قرار أصحاب العزيمة والإرادة الذين يعرفون متى يصدرون أمرهم، وكيف يسهرون على تنفيذه.
صحيح أن الدول الحديثة أصبحت المؤسسات معنية بتسيير أمور الناس، لكنها تكون تحت إمرة القائد، الذي لا يترك الأمور إلى الضباط والجنود كي يتصرفوا على هواهم؛ لأن الفوضى تسود بهذا، وتخسر الدولة معاركها، ويعمُّ الفساد.
في العالم العربي نماذج عدة عن دول فاشلة لأنها تركت حبل أمرها على غارب تعدد أصحاب القرار، ولهذا وقع بعضها في الحرب الأهلية، ونهبت مقدرات شعوبها، بل جرت على نفسها الفوضى.
في ذلك لم تنفع لا مجالس نيابية، لأنه في الأصل كان كل نائب يغني على ليلاه، ولا حكومات ضعيفة اختارت العمل بالمثل "الهون أبرك ما يكون" كي تبعد نفسها عن المساءلة، بل هي انغمست في الفساد عبر تمكين من ليس أهلاً للإدارة؛ لأنها لم تجد من يُحاسبها.
لو كان استمرَّ الكلب على تلك الحال لكان الضبع أكل القطيع كله، بل تعدى الأمر إلى أكل صاحب البيت والكلب، لكن فطنة الرجل دفعته إلى الخيار الصعب؛ لأن الحارس- الكلب، خان الأمانة التي أوكلت إليه، فالأعمال الخائبة تحدث من بعض من لديهم السلطة الذين يُحوِّلون الوزارات مزارع خاصة، ويعملون على تعظيم تكاليف المشاريع كي ينهبوا منها ما يشاؤون.
في هذه الحال تتردى البنية التحتية، ويفسد التعليم، وتعتل الصحة، ويفتقر الاقتصاد إلى محركات منشطة، بينما في الدول التي فيها قرار وعزيمة على المتابعة والتنفيذ تزدهر، ويستتب الأمن، ولا يعيش الشعب في "حيص بيص".
من هنا نسأل: كم في الكويت من كلاب خائنة تستحق الشنق؟
آخر الأخبار