الثلاثاء 24 سبتمبر 2024
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

إنشاء المستشفيات المتخصصة والمكتبات العامة

Time
الاثنين 11 يونيو 2018
View
5
السياسة
بدأت الحضارة الإسلامية تعرف المدارس منذ القرن الهجري الأول، وكان الداعي لذلك كثرة الحلق التي غصَّت بها المساجد، وأول مسجد قد حوِّل إلى مدرسة كان جامع الأزهر عام 378هـ، وقد ملأت المدارس مدن العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه، وهي التي قامت على الأوقاف الكثيرة التي تبرع بها الأغنياء.

إعداد ـ ميرفت عزت:


يقول د. راغب السرجانى في كتاب" ماذا قدم المسلمون للعالم"، إن من أجل إسهامات المسلمين الحضارية في مجال الصحة، وأعظمها على الإطلاق أنهم أول من أسسوا المستشفيات في العالم، بل إنهم سبقوا غيرهم في ذلك الأمر بأكثر من تسعة قرون.
فقد أسس أول مستشفى إسلامى في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، والذي حكم من سنة( 86ه/705م) الى سنة (96ه/715م)، وكان هذا المستشفى متخصصا في الجذام، وأنشئت بعد ذلك المستشفيات العديدة في العالم الإسلامى، وبلغ بعضها شأنا عظيما، حتى كانت هذه المستشفيات تعد قلاعا للعلم والطب وتعتبر من أوائل الكليات والجامعات في العالم، بينما أنشئ أول مستشفى أوروبى في باريس بعد ذلك بأكثر من تسعة قرون.
وكانت المستشفيات تعرف بـ ( البيمارستانات) أى دور المرضى، وكان منها الثابت ومنها المتنقل، فالثابت، هو الذي ينشأ في المدن وقلما تجد مدينة أسلامية – ولو صغيرة – بغير مستشفى، أما المستشفى المتنقل
فهو الذي يجوب القرى البعيدة والصحارى والجبال. وكانت هذه المستشفيات العملاقة تقسم إلى أقسام بحسب التخصص، فهناك أقسام للأمراض الباطنة، وأقسام
للجراحة، وأقسام للأمراض الجلدية، وأقسام لأمراض العيون، وأقسام للأمراض النفسية، وأقسام للعظام والكسور،
وغيرها.
ولم تكن تلك المستشفيات مجرد دور علاج، بل كانت كليات طب حقيقة على أرقى مستوى، فكان الطبيب المتخصص – الأستاذ – يمر على الحالات في الصباح، ومعه الأطباء الذين هم في أولى مراحلهم الطبية، فيعلمهم، ويدون ملاحظاته، ويصف العلاج، وهم يراقبون ويتعلمون، ثم ينتقل
الأستاذ بعد ذلك إلى قاعة كبيرة، ويجلس حوله الطلاب، فيقرأ عليهم الكتب الطبية، ويشرح ويوضح ويجيب عن أسئلتهم، بل إنه يعقد لهم امتحانا في نهاية كل برنامج تعليمى معين ينتهون من دراسته، ومن ثم يعطيهم إجازة في الفرع
الذي تخصصوا فيه. وكانت تزرع – إلى جوار المستشفيات – المزارع الضخمة التي تنمو فيها الأعشاب الطبية
والنباتات العلاجية، وذلك لإمداد المستشفى بما يحتاجه من الأدوية.
يضيف، وإذا أردنا أن نستعرض بعضا من المستشفيات الرائدة في التاريخ الإسلامي، فكان من أعظمها: المستشفى العضدي، وقد أنشأه عضد الدولة ابن بويه عام(371ه/981م) في بغداد، وكان يقوم بالعلاج فيه عند إنشائه أربعة وعشرون طبيبا، تزايدوا بعد ذلك جدا، كما كان يضم مكتبة علمية ضخمة، وصيدلية، ومطابخ، وكان يخدم فيه عدد ضخم من الموظفين والفراشين، وكان الأطباء يتناوبون على خدمة المرضى، بحيث يكون هناك أطباء بالمستشفى أربعا وعشرين ساعة يوميا.
ومن المستشفيات الإسلامية العظمى أيضا: المستشفى النوري الكبير بدمشق، والذي أنشأه السلطان العادل نور الدين محمود، وذلك في سنة(549ه/1154م)، وكان من أجل المستشفيات وأعظمها، واستمر في العمل فترة طويلة جدا من الزمان،حيث بقى يستقبل المرضى حتى سنة(1317ه/1899م) أى قرابة ثمانمائة سنة.
كذلك من أعظم المستشفيات في تاريخ الإسلام، المستشفى المنصوري الكبير، الذي أنشأه الملك المنصور سيف الدين قلاوون في القاهرة، وذلك سنة(683ه/1284م)ن وكان آية من آيات الدنيا في الدقة والنظام والنظافة، وكان من الضخامة بحيث إنه كان يعالج في اليوم الواحد أكثر من أربعة آلاف مريض.
ولا ننسى في هذا المضمار مستشفى مراكش، والذي أنشأه المنصور أبو يوسف يعقوب،ملك دولة الموحدين بالمغرب، والذي حكم من سنة(580ه/1184م) إلى سنة(595ه/1199م) ، وكان بناء هذا المستشفى آية من آيات الاتقان والروعة، فقد غرست فيه جميع الأشجار والزروع، بل كانت في داخله أربع بحيرات صناعية صغيرة، وكان على مستوى عال جدا من حيث الإمكانات الطبية، والأدوية الحديثة، والأطباء المهرة، لقد كان بحق درة في جبين الحضارة الإسلامية.
ليس هذا فقط، بل كانت هناك المستشفيات المتخصصة، والتي لا تعالج إلا نوعا معينا من الأمراض: كمستشفيات العيون، ومستشفيات الجذام، ومستشفيات الأمراض العقلية وغير ذلك.
وأعجب منه وأغرب أنه كانت توجد في بعض المدن الإسلامية الكبرى أحياء طبية متكاملة، فقد حدث ابن جبير في رحلته التي قام بها سنة(580ه/1184م) تقريبا، أنه رأى في بغداد- عاصمة الخلافة العباسية – حيا كاملا من أحيائها يشبه المدينة الصغيرة يتوسطه قصر فخم جميل، تحيط به الحدائق والبيوت المتعددة، وكان كل ذلك وقفا على المرضى، وكان يؤمه الأطباء من مختلف التخصصات، فضلا عن الصيادلة وطلبة الطب، وكانت النفقة جارية عليهم من الدولة ومن الأوقاف التي يجعلها الأغنياء من الأمة لعلاج الفقراء وغيرهم.
آخر الأخبار