الأخيرة
إياكَ أنْ تخسر أخاك
الأربعاء 26 ديسمبر 2018
5
السياسة
محمد الفوزانيقول أحدهم: أنا وأخي كنا أعداء في صغرنا حتى لما كبرنا، كانت الوالدة كثيراً ما تقول لنا: يا أولادي أنتم إخوان مالكم غير بعضكم وديروا بالكم من الناس لايحرشون بينكم وقد كانت والدتي دائماً في حالة حزن وزعل بسبب علاقتي المتوترة دائماً مع أخي، أما أبي فقد كان رسمياً جداً معنا بسبب عدائنا لبعضنا بعض وكثيراً ما كان يقول لوالدتي: دعيهم، الله يهديهم، وسوف يأتي اليوم الذي يعرفون قيمة بعضهم ويتذكروا كلامنا، أن الأخ لايتعوض تزوجنا أنا وأخي وزادت عداوتنا، حتى زوجتانا عندما تجتمعان في بيت أبي تحدث مشكلات فعلاً، فأمي وأبي احتارا فينا، وتمر الأيام والسنون وتتوفى والدتي، ثم بعدها بخمس سنوات يغادر أبي الى الدار الآخرة، ويتم حصر الوراثة وبيع الأملاك وكل منا يأخذ ميراثه وحقه، بعدها كل واحد فينا ذهب في حال سبيله، لم نرَ بعضا سنوات عدة أبناؤنا كبروا وهم لايعرفون بعضهم بعضاً حتى لو جلسوا في مجلس واحد، وفي يوم من الأيام قررت الدخول في سوق الأسهم، وكانت النتيجة أن خسرت كل مالي، وحزنت حزناً شديداً، وأصبت بالسكر والضغط، وأصابتني جلطة أفقدتني عيني اليمنى، أصبحت شارد الذهن أفكر في حالي وعيالي وكيف ضيعت كل شيء في لحظة طمع، وفي يوم وأنا أصلي الفجر بكيت ودعوت ربي أن يرحم ضعفي وقلة حيلتي ويفرج كربتي، فاستجاب الله دعائي حيث صادقت صديقاً قديما لي فسلم علي وعرف عني كل شيء، وبعد أسبوع زارني في بيتي وأهداني شيكاً بمبلغ 40 ألف دينار وقال لي: ابدأ حياتك من أول وجديد حتى تقف على قدميك، اعتبره ديناً مني ما استطعت أن توفيه وفِّه ، افتتحت مشروعاً صغيراً والحمدلله نجح وعوضني الله تعالى بالذي فقدته، وأشكر الله على جزيل عطاياه وفي يوم من الأيام أتفاجأ بصديقي يزورني، اعتقدت أنه جاء ليستوفي دينه: قلت له: ياصديقي ترى فلوسك جاهزة، رد علي قائلاً: لم آتِ لأجل هذا، جئتك لأمر ضروري لايحتمل التأجيل، فاعتدلت في جلستي وقلت: ما الأمر؟ قال: المال الذي أعطيتك إياه ليس مالي: الذي أعطاك المال هو أخوك بعد أن علم بحالك وقال: ما أقدر أشوف أخوي محتاج ولا أقف معاه، خذ هالمبلغ واعطه ولايدري أنه مني واليوم أنا جئت أقول لك إن أخاك يرقد في المستشفى بين الحياة والموت اذهب إليه وقف معه كما وقف معك.فانطلقت إليه أسابق الريح وتسبقني دموعي التي تغسل كره السنين لأخي ولد أمي وأبي، دخلت غرفة الانعاش وانكببت عليه أبكي بحرقة وأنا أرى الأجهزة تحيط به من كل مكان، أمسكت بيده وحبيت رأسه وقلت: ساحمني، فتح عينيه فإذا دمعة تتساقط على وجنتيه وضم يدي ليديه ولفظ أنفاسه الأخيرة مودعاً الى دار الحق، مات أخي بين يدي، كان ينتظر حضوري، كل جمعة أزور قبره وأبكي وأتذكر كلام والدتي ياعيالي أنتم أخوان مالكم إلا بعض.إن العالم اليوم في مشارق الأرض ومغاربها يحتاج إلى تعميم ثقافة التسامح على كافة المستويات، حتى تكون ثقافة عامة، يعمل بها الراعي والرعية، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الموظف والتاجر والمزارع والصناعي، العامل ورب العمل، السياسي ورجل الأمن، وبين أفراد الأسرة الواحدة، فهم أحوج ما يكونون إلى التسامح والتغافر والتغافل وحسن المعاملة والاحترام، يقول ابن الجوزي: "مايزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإن الناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب، والعاقل الذكي من لا يدقق في كل صغيرة وكبيرة مع أهله وأحبابه وأصحابه وجيرانه وزملائه كي تحلو مجالسته وتصفو عشرته ويقول الحسن البصري مازال التغافل من فعل الكرام ويقول الإمام أحمد بن حنبل تسعة أعشار حسن والخلق في التغافل: "ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".