القاهرة – إيمان مهران:لم ينس أصوله الصعيدية وجذوره، فظهرت في كتاباته وخلدتها رواياته المختلفة، ففي روايته"صك الغفران" حكى عن الجهل المتجذر في بلدته الصغيرة،والعنصرية التي طالما حاول محاربتها في نصوصه الورقية، كما أبدع في مجموعته القصصية " اسمها زينب " في رسم ملامح الحب والحزن والألم على أبطالها، وقد غاص في أعماق النفس البشرية وما تهواه وما تؤمن به من خلال روايته " مقام الشيخ أمين ".عن روايته الأخيرة وعالمه الأدبي ومدى انعكاس نشأته في الصعيد وعمله بالصحافة على هذا العالم، وكيف يستقي شخصياته، التقت "السياسة " الكاتب إيهاب مصطفى في هذا الحوار: ما الفكرة التي تقوم عليها روايتك "مقام الشيخ أمين"؟ أحداثها واقعية وإن كنت أضفت لها من خيالي بعض التغييرات الطفيفة، هذه الأحداث تدور حول رجل يعيش في أحد نجوع الصعيد، يتوصل لصناعه حلمه بيده فيمنح أهل النجع أحلاما تليق بهم، معتقدا أن هذه هي السعادة الحقيقية، لكنه يكتشف غير ذلك مع توالي الأحداث. ماذا عن أبطالها وتحديدا " جويد" و"سعدية "؟ الشخوص أو الأبطال موجودون في الواقع، فهم نماذج لأبناء النجع، كل منهم له سماته الشخصية التي تبرر أفعاله، فضلا عما اكتسبه من البيئة وساهم في تشكيل هذه الشخصية، أما فيما يتعلق ب" جويد " فهو يجسد في الرواية الشاب المتعلم الذي يحب الناس ويحاول إسعادهم بقدر المستطاع، لكنه يفشل، أما "سعدية" فهي الفتاة التي قسا عليها أهل النجع بمن فيها زوجها وكادوا يورطونها في أمور ليست لها حتى تستفيق بالنهاية. كيف استطعت بلورة هذه الشخصيات على اختلافها، بهذا الشكل الذي ظهرت به في الرواية ؟ الصعيد مليء بالحكايات التي لا تنتهي، من يعيشون فيه يصلحون بسماتهم الخاصة وفطرتهم الجميلة وطيبتهم الخالصة أن يكونوا أبطالا للروايات، كلهم مروا بظروف معيشية قاسية،حفروا في الصخر من أجل لقمة العيش فقط، لا تهمهم السياسة، ورغم كل معاناتهم لا يغيب الضحك عن سماء حياتهم. إلى أي مدى يمكن أن يتأثر الكاتب بالشخصيات المتواجدة حوله؟ كل روائي له من تجربته نصيب، وكلما زاد وعيه بتجربته برع في الكتابة. في مجتمعنا كل ما حولنا يصلح لأن يكون مادة روائية دسمة، الفرق يكمن فقط في الصياغة وطريقة السرد.زينب لماذا اخترت "اسمها زينب " عنوانا لمجموعتك القصصية؟ لأسباب عدة، منها شيوع الاسم نفسه، كما أنه حميمي ويحمل رنة موسيقية، المدهش في الأمر أن بعد طرح هذه المجموعة، أصبح لدي الكثيرات من الصديقات ممن يحملن اسم " زينب" وساعد على نجاح هذه المجموعة غلافها الذي صممته ابنة الصعيد الفنانة ندى زعبلاوى، كما التقط الفنان المصور محمد ناجى كادرات عدة بنظرة الفنان،فتضافرت كل الجهود لإنجاز عمل جيد. تحدثت عن البطلة "زينب" بأسلوب جذاب ورائع، ما الذي ساعدك للوصول إلى هذا الوصف المثالي ؟ كل منا له تجاربه الخاصة في التعبير عن الحب، نحن في الصعيد نحب بقوة، قد لا نقدر على نطق الكلمة بشكل صريح، لكننا نقولها من خلال المعاملة، أتعمد دائما أن يكون هناك متلق اتوجه له بالكلام داخل القصص، بالصورة التي توجد حالة من المصداقية لدى القارئ. هل أرهقتك هذه المجموعة خصوصا أنها تحمل الكثير من الآلام والأوجاع؟ عنيت الإنسان في مجموعة "اسمها زينب" بمراحله المختلفة، حبه، أوجاعه، موته، كلنا يحب ويتألم ويموت في نهاية المطاف، لم ترهقني، خصوصا أنها استخلاص لعدد من القصص التي كتبتها في مراحل مختلفة، وأن كانت المجموعة خرجت برؤية مفادها أن أهل النجع قادرون على المحبة، والذي يقول إنهم قساة القلوب لا يدرك أن القسوة بحجم المحبة. ما أكثر القصص التي أثرت بك؟ مجموعة القصص الأخيرة التي تحدثت عن فكرة الموت، ووصفت فيها الموت بكل معانيه واختلافاته، سواء في قصة "منطقه آمنة للحرب"، أو قصة "طائر أخضر بغير جناحين". تعرضت لعالم الجن من خلال قصة "شمروش" فماذا عنها؟ قصة تحوي بعضا من الواقع وبعضا من الخيال، حيث يعصى "شمروش" ذلك الجني سلطانه في محاوله منه لإنقاذ شاب بشري يبكي فقد حبيبته على قبرها، فيحاول أن يعدل أفكاره ليعيش حياته، ما يعرض الجني للمحاكمة. ماذا تمثل لك رواية " صك الغفران "؟ انطلاقه جيدة، منها عرف القارئ أن هناك من يكتب بشكل جيد، وهو ما ساهم في رواج المجموعة القصصية "اسمها زينب" ومن بعدها "مقام الشيخ أمين".صك الغفران ما الذي سعيت إليه من خلال روايتك "صك الغفران"؟ صك الغفران كانت تمنحه الكنيسة في زمن قديم، انتهى وجوده بسبب مارتن لوثر كينغ، وظفت هذا المفهوم في الرواية من خلال "عبد الله " الذي ولد لأب مسلم يكره العالم، لكنه تربى على يد "ماريه" المسيحية بعد وفاة والدته، يحيط به أخ مسلم غير شقيق من والده، وأخت مسيحية تربت معه لأنها ابنة مربيته "ماريه"، ولأنه لا هو بالمسلم ولا بالمسيحي، يستخدم المسلمون والمسيحيون معه صك الغفران وفق رؤيتهم وتعصبهم. ألم تخش من الانتقادات لكونك تناولت فكرة من الأفكار المحرمة اجتماعيا، وقد يراها البعض تتعرض للأديان بشكل يمكن أن يؤدي لحدوث فتنة؟ لا لم أخش ذلك، بدليل اني كتبتها و نشرتها لتكون مرآة للواقع الذي نحياه بآلامه وأفراحه، خصوصا أن عبد الله هنا يمثل الإنسانية التي استهلكها التطور وقضى عليها تماما، وجعل لأغلب البشر قلوبا قاسية. ما أهم المشكلات التي واجهها "عبد الله" ضمن أحداث الرواية؟ عانى كثيرا من الفتنه الطائفية، ووالده أصبح عقدة في حياته لأنه لا يهتم لأمره. لماذا جعلت نهاية الرواية مؤسفة وحزينة؟ لأن ما بها من معاناة وعدم قدرة عبد الله على التأقلم مع الحياة بشكل طبيعي أدى إلى هذه النهاية، خصوصا بعد إعلان ماريه أن عبد الله مسيحي وأنها قامت بتعميده في الكنيسة حين كان طفلا صغيرا. لماذا جعلت البطل راويا للأحداث، وليس سردا لها من خلال أبطالها ؟ لأن كل رواية تفرض القالب الذي ستكون عليه، ثم إن الراوي بتلك الطريقة يكون أكثر حميمية للقارئ من واقع قراءته لأزماته وأبعاده النفسية، علاوة على أن الطرح يكون أصدق وأوقع. هل يمكن القول بأنك تكتب عن ذاتك في أعمالك؟ لم يحدث أن كتبت بطريقة مباشرة عن ذاتي في أعمالي، كلها رؤى خاصة بي تكشف كيف تغير الصعيد، وأسباب التعصب فيه، وغيرها من الأمور التي لا يمكن قياسها بمنظور الرؤية الذاتية، وإن كنت أرى أني أكتب نفسي من خلال أفكاري ورؤيتي للعالم. إذا عدنا لبدايتك مع الأدب، هل جاءت بعد ممارستك للصحافة ؟ عشقي للأدب وممارستي له جاءا سابقا للصحافة، أعتقد أنه من السهل أن يصبح الكاتب صحافيا، لكن من الصعب على أى صحافي أن يصبح أديبا. ما الفرق بينهما؟ بإمكان الأديب أن يكتب صحافة مختلفة، مبنية على الجملة الرشيقة والقوية وملاحظة التفاصيل الدقيقة والاتكاء على المفردات السهلة، على عكس الصحافي العادي الذي يكتب بأسلوب تقريري بحت بعيدا عن جماليات اللغة ورشاقتها. أيهما أسهل بالنسبة للكاتب، أن يعبر عن شخصية واقعية، أم من خياله الخصب؟ الخيال يمنح الكاتب أبعادا أخرى للتعبير، لذلك لا تصلح الحيوات الحقيقية للكتابة، إلا إذا تم دمجها بالخيال. يخرج من باطن الصعيد الكثير من المبدعين، فهم يساعد عالم الصعيد على الإبداع والابتكار ؟ عالم الصعيد يصلح لأن يخرج منه آلاف الأدباء وأبطال الروايات الحقيقية فواقعهم المرير ينمي بهم ذاك، كما أنه قادر على إشعال جذوة الخيال بشكل لا يصدق، فالصعيد بالفعل قادر على صنع كتاب بالفطرة حيث ينشأ كل منهم على حكايات الجدات الحافلة بالموروث الشعبي والأساطير، وكل ما من شأنه أن يمد الأدباء بحكايات جيدة للنشر. لكل أديب طقوسه الخاصة، فماذا عنك؟ ليست لي طقوس معينة، أكتب كلما شعرت باحتياجي لهذا، فالكتابة والإبداع رزق وهبة من الله يعطيها لمن يشاء، نكتب بما يجول بخواطرنا وما نشعر به وما يشعر العالم به من حولنا. إلى أي مدى تتقبل النقد ؟ لا يوجد كاتب لا يتقبل النقد، فهو يكتب للناس لا لنفسه، وان كتب لنفسه فعليه أن لا ينشر، كما أن الناس مختلفون في الأذواق ومن الطبيعي أن ينال إعجاب البعض، ولا يمنحه هذا الإعجاب البعض الآخر، أحمد الله أنها نالت أعجاب الكثير من الروائيين مثل محمد نجيب عبد الله واحمد عبد المجيد. هل تهتم بمشاركة أعمالك في المسابقات المحلية أو الإقليمية؟ لا أهتم بالمسابقات ولا أذكر أني شاركت فيها، باستثناء ما شاركت به دار النشر. ماذا عن التكريمات والجوائز التي حصلت عليها؟ شرفت بحصولي على جوائز عدة أهمها جائزة أخبار الأدب، جائزة الطيب صالح، أعتقد أنهما من أفضل الجوائز.

صك الغفران