"الملحمة البوهيمية" حقق 743 مليون دولار وأصبح الأعلى دخلاً سينمائياً اختاره نجم "ليفربول" محمد صلاح لأداء شخصيته في فيلم وثائقيتمرد على أمنية والده بأن يكون طبيباً أو محامياً واحترف الفنعمل بائعاً في مطعم بيتزا حتى لا يرهق أسرته بنفقاته واحتياجاته"مستر روبوت" كتب شهادة ميلاده... وبدأ رحلته بمساعدة "الفرعون" أصوله العربية وارتباطها بأدوار القتلة والإرهابيين جعلت مهمته عسيرةالقاهرة – أحمد أمين عرفات:استيقظ العالم العربي صباح الاثنين 25 فبراير 2019، على خبر بثته وكالات الأنباء العالمية، ونقلته المواقع الإخبارية، واهتزت له "السوشيال ميديا" ليتصدر "الترند"، وهو فوز فنان مصري بجائزة "أوسكار أفضل ممثل"، الغريب أن كثيرا من المصريين والعرب لم يكن لديهم علم بجنسية هذا الفنان الذي يشاهدونه في الأفلام الأميركية، حتى تفاجأوا في حفل "الأوسكار" بممثل شاب ثلاثيني يعتلي المسرح لتسلم الجائزة، وإذ به يعلن بأنه مصري من أبوين مصريين هاجرا إلى الولايات المتحدة، والمفاجأة الأكبر عندما تحدث باللغة العربية في المؤتمر الصحافي فور تسلمه "أوسكار أفضل ممثل"، قائلاً "أهلا وسهلا، فرصة سعيدة، ومنورين".إنه الممثل العالمي رامي مالك، الذي أضاء نجمه وتألق في التمثيل، ونال العديد من الجوائز التي تعد حلما بعيد المنال لكبار النجوم في العالم.قبل حفل "الأوسكار"، الذي توج فيه رامي بجائزة أفضل ممثل، بنحو 41 عاماً، وتحديدا في العام 1978، كان والده سعيد مالك، يعيش مع أسرته الصغيرة المكونة من زوجته نيللي عبدالملك، التي تعمل محاسبة وابنته الصغيرة ياسمين، في مدينة سمالوط بالمنيا إحدى محافظات صعيد مصر، وبعد سنوات قضاها يعمل مرشدا سياحيا وبسبب اختلاطه بالأجانب وتواصله الدائم معهم حتى بعد عودتهم إلى بلادهم، أقنعه مجموعة منهم بالسفر إلى الولايات المتحدة وعددوا المنافع التي يمكن أن يجنيها هناك، فاستجاب وقرر الهجرة إلى أميركا، ليستقر في مدينة لوس أنجليس بولاية كاليفورنيا، بعد أن ودع مهنة المرشد السياحي وأصبح موظفا في مجال التأمين، ولم تمض سوى ثلاث سنوات فقط حتى أنجب طفلين توأمين "رامي وسامي" في 12 مايو 1981، وإن كان سامي قد سبق رامي، بأربع دقائق فقط.حرص الأب منذ سفره إلى بلاد العم سام أن يحافظ على هويته المصرية، ففي المنزل كان الحديث باللغة العربية، وحتى لا يترك أبناءه فريسة للغربة كان يداوم على الاتصال بأهله في صعيد مصر حتى يتواصلون معهم، لكن مع الوقت وبسبب ظروف الحياة اندمج الأبناء أكثر في عالمهم الأميركي، فالابنة الكبرى ياسمين أصبحت طبيبة طوارئ، بينما سار التوأمان في رحلة التعليم حتى تخرج سامي وعمل مدرساً، أما رامي، والذي كان والده يريده أن يمتهن الطب مثل شقيقته أو يحقق حلمه القديم في أن يكون محاميا، فقد تمرد واختار التمثيل، فمنذ طفولته يعشق هذا العالم ويقلد نجومه، وأمام تمسكه بحلمه في أن يصبح ممثلا رضخ الأب وتنازل عن أمنيته.سنوات الحرمانبعد تخرجه في مدرسة "نوتردام الثانوية"، التحق رامي بالجامعة لدراسة الفنون الجميلة وتقنيات التمثيل، ولأنه كان يشعر بأن أسرته لم تكن راضية عن تمرده، خصوصا أباه، كان في كل عمل يقدمه بمسرح الجامعة يحرص على دعوة أسرته، حتى يؤمنون بموهبته ويباركون خطوته الفنية، وهو ما تحقق عندما حضرت أسرته وشاهدته يؤدي دورا في إحدى مسرحيات الكاتب تشارلز فولر، وما ان انتهى من دوره حتى هرول تجاهها، وعندما نظر في عيني أبيه وأمه وجد استحسانا، وقتها غمرته السعادة، لأن عدم رضا والديه كان يؤرقه، خصوصا أنهما عاشا الحرمان سنوات طويلة من أجل توفير حياة كريمة له ولأشقائه، فوالده كان يطرق الأبواب من أجل بيع وثائق التأمين، وأمه عندما كانت حاملا به وبشقيقه كانت تستقل ثلاثة باصات يوميا لتصل إلى عملها، حسبما كشف في لقاءاته.
"ليلة في المتحف" تخرج رامي، في الجامعة العام 2003، وأحلامه تسابقه، لكنه اكتشف أن الطريق ليس ممهداً بسبب أصوله العربية، ووجد أن النظرة السائدة لأي شاب من جذور عربية لم تتغير عما كانت عليه في الماضي، فغالبا يتم حصره في أدوار القتلة والإرهابيين، لكن ذلك لم يصبه باليأس أو الإحباط ولم يستسلم ويقبل بهذه النوعية من الأدوار، لإيمانه الشديد بموهبته وانه سيأتي اليوم الذي يحقق فيه حلمه ويفرض موهبته على الجميع، لم يتعجل رامي، الشهرة حتى انه مارس أعمالا أخرى بعيدا عن التمثيل لينفق على نفسه بعد أن انتقل إلى نيويورك واستأجر فيها شقة صغيرة مع آخرين، وحتى لا يشعر أسرته بأنه أصبح عبئا عليها بسبب أحلامه، شغل وظيفة عامل في مطعم يقوم بتوصيل "البيتزا" إلى المنازل، كما عمل أيضا في إعداد الساندويتشات، بجانب قيامه بأدوار صغيرة في المسلسلات التلفزيونية، والتي استطاع من خلالها أن يلفت انتباه المخرجين، فأصبحت مساحة دوره تزداد مع كل عمل جديد، إلى أن أسند إليه في العام 2005 دورا رئيسيا في المسلسل الكوميدي "الحرب في المنزل"، فتألق فيه ووقع عليه الاختيار للعمل في فيلم "ليلة في المتحف" من إنتاج شركة "فوكس"، أمام بن ستيلر وروبن وليامز، ليقدم فيه أول أدواره السينمائية وجسد شخصية "الفرعون اخمن رع"، الذي يخرج من التابوت ويدافع عن المتحف، وقد حقق فيه نجاحا كبيرا بعد أن جعله الفيلم يعود إلى أصوله المصرية.ابن بلدهبعد هذا الفيلم توالت الأدوار عليه، وكان أبرزها "شلتون" الجندي الأميركي في الحرب العالمية الثانية والذي جسده في أجزاء عدة من المسلسل التلفزيوني "المحيط الهادئ"، أيضا دور الانتحاري في مسلسل "24"، كما تألق في فيلم "Larry Crowne" أمام توم هانكس وجوليا روبرتس، بجانب مشاركته المميزة في فيلم "ملحمة الشفق 2" والذي حمل عنوان "بزوغ الفجر"، وهو من أكثر الأفلام نجاحا في هوليوود، علاوة على أدواره في أفلام "الولد الكبير"، "السيد"، وغيرهما، إلى أن تم ترشيحه لشخصية إليوت ألدرسون، وهو الدور الرئيسي في المسلسل التلفزيوني "مستر روبوت"، ويرجع الفضل في اختياره لهذا الدور لمخرج ومؤلف العمل سام إسماعيل الأميركي من أصل مصري، والذي ساهم أيضا فيه كمنتج منفذ، ويعد هذا العمل شهادة الميلاد الحقيقية لنجومية رامي مالك، خصوصا بعد أن حاز المسلسل جائزة "غولدن غلوب" كأفضل مسلسل تلفزيوني متفوقا على مسلسل "صراع العروش". لم يكن المسلسل فقط هو الذي فاز بالجوائز، بل حصد رامي عنه الكثير من الجوائز والإشادات النقدية، وكشف رامي نفسه أنه سعيا لإجادة دوره ذهب إلى طبيب نفسي، حتى يعايش الشخصية التي تعاني من اضطرابات عقلية واجتماعية، وبسبب هذا الدور أيضا تم ترشيحه لعدة جوائز منها Dorian Award، Satellite Award، Golden Globe Award، كما فاز بجائزة Critics Choice فئة أفضل ممثل سلسلة تلفزيونية، وكذلك فاز بجائزة "إيمي برايم تايم Primetime Emmy Award"، والتي ما ان فاز بها حتى تصدر اسمه الصحف والمواقع الالكترونية كأول مصري - أميركي يحصل عليها.فريدي ميركوريلم يتوقف رامي، عند النجاح الكبير الذي حققه، لأنه يريد الأفضل، واعترف أنه يتعامل مع نفسه بقسوة سعيا للأفضل، ولا يعطي لذاته فرصة الشعور بالرضا حتى لا يتكاسل فيضيع في زحام هوليوود، وكان نتيجة ذلك ما حققه من انجاز عندما فاز بجائزة أفضل ممثل مع تجسيده شخصية مغني الروك الراحل وأسطورة الغناء الأميركي فريدي ميركوري، في فيلم "الملحمة البوهيمية"، والذي كان على حد وصف رامي، "من أصعب الأدوار التي قدمها"، حيث بذل جهدا خرافيا من أجل هذا الدور، الذي أعاده إلى صفوف الدراسة ليتعلم فيها العزف على البيانو والغناء، وأيضا خضع لأحد المدربين لكي يعلمه الحركات الاستعراضية وآخر ليعلمه اللهجة، بجانب تحمله الأسنان المصطنعة التي كان يرتديها طوال التصوير والتحدث بها لساعات طويلة، فضلاً عن المعايشة النفسية المعقدة لهذا المغني الأميركي، وكيف كان يتحول إلى النقيض تماما عندما يعتلي المسرح فيقلبه رأسا على عقب، بينما الجمهور يعيش معه حالة من الإبهار والمتعة التي لا سقف لها، دون أن يدرى شيئا عن معاناته.ما ان بدأ عرض الفيلم في أكتوبر 2018، حتى حقق نجاحا كبيرا فاق كل التوقعات، وواصل تقدمه وحصده الإيرادات حتى حل في المرتبة الثامنة بقائمة الأفلام الأعلى تحقيقا للإيرادات في ذلك العام، إذ بلغت إيراداته 743 مليون دولار في جميع أنحاء العالم، والأعلى دخلا على الاطلاق كفيلم موسيقي، رغم أن تكلفته لم تتجاوز 50 مليون دولار، وأمام كل هذا النجاح استحق رامي مالك، عن جدارة جائزة "غولدن غلوب" كأفضل ممثل والتي كان قد رشح لها مرتين من قبل، كما حصل على جائزة أفضل أداء في مهرجان "بالم سبرنغز السينمائي الدوليPalm Springs International Film Festival "، ونال أيضا جائزة "بافتا" البريطانية كأفضل ممثل، علاوة على ترشيحه لعدة جوائز عالمية أخرى.فرحة منقوصةثم تأتي الجائزة الأكبر على الإطلاق التي حصل عليها العام 2019 وهي "أوسكار أفضل ممثل" عن دوره في الفيلم نفسه، ورغم فرحته الكبيرة بفوزه بالجائزة، لكن فرحته كانت منقوصة لغياب والده الذي تمنى أن يكون موجودا مع والدته وباقي أفراد أسرته وهو يتسلم أرفع جائزة عالمية في التمثيل، لكن الموت اختطفه قبلها بسنوات قليلة، إلا أنه لم يخف شعوره هذا عندما قال في كلمته أمام الحضور: "أشكر والدي على كل ما قدماه لي، مع الأسف لا يتواجد أبي معنا ليرى ما أحققه اليوم، لكن أعتقد أنه يشعر بذلك، أمي تتواجد في مكان ما بالقاعة، أقول لك إنني أحبك وشكرا على كل شيء، هذه لحظة هائلة". في حفل "الأوسكار"، لم ينس رامي أصله وتحدث عنه بكل فخر، خصوصا أن دوره في الفيلم كان أقرب إلى دوره في الحياة، حيث كان بطل فيلمه مولود لأبوين هنديين هاجرا إلى أميركا. كما أنه بدأ حديثه في المؤتمر الصحافي الذي أعقب الحفل باللغة العربية قائلا "أهلا وسهلا، فرصة سعيدة، ومنورين" ثم كشف الكثير عن حبه لمصر، وقال أنه نشأ على الاستماع للموسيقى المصرية، خصوصا أم كلثوم وأنه دائم الفخر بأنه من البلد التي أنجبت فنانا عالميا مثل عمر الشريف، لكنه رد على سؤال في حوار له مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، ما إذا كان يعد امتدادا لعمر الشريف، فأكد بأنه يحترمه كممثل له تاريخ، إلا أنه لن يكون امتدادا لأحد بل يريد أن يكون نفسه حتى يترك بصمته الخاصة.ليس إرهابياًخلال تواجده في هوليوود استطاع رامي، أن يبتعد بالفنان العربي عن شخصية الإرهابي والقاتل، الذي يظهر في السينما العالمية وهو ينطق بالعربية، مثلما حدث معه عندما رشح لأداء هذه الشخصية في فيلم "جيمس بوند"، فرفض، وأصر على الحصول على تأكيدات بألا يكون دور الإرهابي في الفيلم عربي الجنسية ويتحدث العربية، حسبما أكد في حوار مع صحيفة "ميرور" البريطانية، موضحاً أنه لن يؤدي دور إرهابي عربي أبدا.منذ تواجد رامي، بالساحة السينمائية العالمية، وهو يفتخر في لقاءاته الإعلامية بأصوله العربية والمصرية، ففي أحد لقاءاته قال: "المصريون هم شعبي، وأشعر أنني مرتبط بشكل رائع بالثقافة والناس الموجودين هناك، أقر بأن لدى تجربة مختلفة، لكنني مغرم ومتشابك مع الثقافة المصرية"، وقال أيضا "إن مصر في بالي دائما لأني مشغول بالحضارة المصرية والقضايا المعاصرة أيضا، لذلك أشعر بأن واجبي، كأميركي من أصل مصري، أن أساعد كل شخص هناك وأنقل هذا النوع من المشكلات الموجود هناك وفي كل أنحاء العالم للمشاهد في الخارج". كما أنه ومنذ فوزه بجائزة "الأوسكار"، أصبح محبوبا بشدة لدى العرب والمصريين والذين ربطوا بينه وبين اللاعب المصري محمد صلاح، وقالوا إذا كان صلاح هو فخرنا في كرة القدم فإن رامي مالك هو فخرنا في هوليوود، خصوصا أن صلاح كان قد سبق واختار رامي، ليجسد دوره في فيلم وثائقي عن حياته قائلا: "مالك سيكون خيارا جيدا لكونه يعرف الثقافة المصرية وبإمكانه تجسيد الشخصية بالشكل المطلوب"، وها هو رامي لا يزال حتى اليوم يحقق نجاحاته في سماء السينما العالمية، ويحصد الجوائز المختلفة.

مالك في أحد أعماله

مالك يتزوج قريبا

مالك ومحمد صلاح