الخميس 26 يونيو 2025
43°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

ابن باجة صاحب موسيقى "الفلامنكو" والنشيد الإسباني

Time
الاثنين 13 مايو 2019
View
5
السياسة
إعداد - محمود خليل:

عانى المسلمون في الأندلس، كثيراً من ظروف القهر والرقابة الدائمة التي فرضت عليهم بعد سقوط الأندلس، التي كانت محاكم التفتيش المعينة من طرف الكنيسة مسؤولة عن ترتيبها وتنفيذها.
أدت تلك الرقابة الصارمة إلى نفور شديد من قبل الموريسكيين من كل ما يأتي من قبل السلطات الصليبية، فبعد الذوبان الاجتماعي للأندلسيين القشتاليين وأندلسي الغرب، ثاروا على المسيحية التي فرضت عليهم، وبدأوا في البحث عن جذورهم الإسلامية العربية المفقودة. زاد من حدة تحول هؤلاء الاندلسيين، الذين اجبروا على اعتناق المسيحية - المسيحيون الجدد كما كان يطلق عليهم - طرد أندلسيي غرناطة إلى مناطق تواجدهم، اذ وجدوا في الأندلسيين القدامى في غرناطة، ما فقدوه قبل قرون، كما أجبر تواجدهم النصارى القدامى على عدم نفورهم من أهل غرناطة على النصارى الجدد.
لم يمر وقت طويل حتى التحم أندلسيو غرناطة مع باقي الأندلسيين في شتى المقاطعات الخاضعة لحكم القشتاليين، ما نتج عنه فئة جديدة نتيجة ظلم محاكم التفتيش، أسموها "الموريسكيون"، شكلت عنصراً جديداً في التركيبة السكانية والاجتماعية في الأندلس.
لم يكتفِ زرياب بالإبداع في المجال الفني والموسيقي فقط، إنما ترك بصمته الواضحة في الحياة الاجتماعية والعادات اليومية للمجتمع الأندلسي، علم الناس أناقة الملبس وتنويعه بين أوقات اليوم صباحاً ومساءً، وبين الفصول الأربعة، وتقلبات الجو المختلفة، فلبس الثياب الخفيفة القاتمة الألوان في الربيع والملابس البيضاء في الصيف، المعاطف والقبعات المصتوعة من الفرو في الشتاء.
كما علمهم فن التجميل، العناية بالبشرة، نظافة الجسد والبدن، إذ يعد أول من استخدم مساحيق ومركبات لإزالة رائحة العرق، كما كان أول من أستخدم ما يشبه معجون الأسنان الآن في تنظيف أسنانه.
كما ادخل قصات وتسريحات شعر مختلفة للجنسين، لم يعرفها الأندلسيون من قبل، بعدما طبقها على نفسه وأهله، ليعجب بها أهالي الأندلس فيما بعد، فقد رأوها أنيقة وتضفي على الشخص جمالاً.
علم الناس أيضا كيفية إعداد مائدة الطعام، تنظيمها، استخدام أكواب وصحون من الزجاج، بدلاً من المعادن، لأنها أكثر أناقة وأسهل تنظيفاً، كان أول من أبتكر نظام الأكل على وجبات "الإتيكيت"، كتقديم الشوربة والمقبلات أولاً، بعدها الوجبة الرئيسية، اللحم، السمك، الطيور، غيرها، يليها، الحلوى، الفواكه، المكسرات، كما أدخل أنواعا عدة من الفواكه والخضراوات إلى الأندلس لتنتشر إلى باقي أنحاء أوروبا. بهذا يعد زرياب أول من وضع أسس "الإتيكيت" في الملبس والمأكل، رغم أن البعض ينسب ذلك إلى الأوروبيين الذين نقلوه عنه، مدعين إنه من عندياتهم، مثلما يعتبرون فن "الفلامنكو"، من فنونهم الخاصة أو من التراث المسيحي الأوروبي، غيرأن الحقيقة التاريخية تؤكد ان هذا الفن، فنا إسلاميا خالصا.
يعتبر فن الفلامنكو من الفنون النادرة التي تعبر عن الألم والمعاناة عندما تنسجم صرخات المؤدِّين مع تصفيقات المتفرجين المتناغمة، وإعجابهم مرددين "أُولِي أُولِي Olé Olé"، أي "الله الله"، التي تغير نطقها مع الزمن لتصبح "أُولِي أُولِي"، تعبيرا عن الإعجاب.
استمد اسم "فلامنكو" من عبارة "فلاح من غير أرض"، "فلاح منكوب"، "فلاح منكو"، "فلاح منكم"، إذ اندمج المجتمع الأندلسى كأقلية ثقافية فى المجتمع المسيحى، بعد الحروب الصليبية ضد مسلمى الأندلس، وطردهم من أراضيهم، بالتالي ظهر هذا الفن للثقافة الاسلامية التي تُعاني التهميش، فكان الرقص والغناء أداة للتعبير عن معاناتهم من القهر التعسفي الذي يعيشونه، لذلك لا يعد الفلامنكو مجرد فنً، بل جزء من تراث، تاريخ، هوية المجتمع والإنسان الأندلسي المسلم.
إنه ملحمة تروي تاريخ إنسان طبع بقوة بصمات ثقافته على أرضه الأندلسية التي استولى عليها البرابرة الصليبيون، ليروي كيف كان حنين المسلمين إلى أرضهم، التي أجبروا على تركها، فما كان منه إلا الرقص تعبيرا عن فجيعته، عن الظلم والألم الذي يعاني منه.
بالتأكيد فإن كل من يزور أسبانيا حاليا يلفت انتباهه تواجد فرق من الهواة يرقصون الفلامنكو في الأماكن السياحية، بينما يرقص المحترفون في قصر إشبيلية، أو في غرناطة.
ترتبط عادة فكرة الرقص والغناء بالسعادة، الفرح، النشوة، لكنها قد ترتبط أيضا بالألم، المعاناة، الحسرة، الخيبة، فالطائر المذبوح يرقص، الماء عند الغليان يتطاير رقصا، العصفور المحبوس بالقفص يعبر عن حنينه للحرية بالرقص والغناء، فالرقص والغناء، أبلغ تعبيرعن الألم، الحسرة، الخيبة، من البكاء، والنحيب، الصراخ، العويل، الندب، النواح، النشيج. يتبادل المؤدون والمستمعون، في رقصة الفلامنكو الشكوى من القلب للقلب، يمزج راقصوها بين الرقص، الغناء، العزف، يغنون، يرقصون، ينتفضون، يتأوهون، يلتحمون، يتلاحمون لساعات، ثم يتركون المكان ويرحلون.
لقد تم تصنيف "الفلامنكو" الذي ولد بالأندلس في القرن الثامن عشر، كأحد فنون التراث الثقافي المعنوي للإنسانية، بعدما تجاوزت شعبيته وشهرته الأندلس أو أسبانيا حاليا، لتصل إلى بلدان أميركا اللاتينية، إذ انتشرت بها فرق وأكاديميات مخصصة لتعليم لفلامنكو.
انتقل أيضا هذا الفن إلى المغرب العربي مع من هاجر من الأندلسيين، بعد المجازر التي تعرضوا لها على أيدي الصليبيين فى الأندلس، فنقلوا الغناء الاندلسي بعذوبته ورقته، مقاماته الرائعة، كلماته المؤثرة، أزجاله، موشحاته.
المؤسف أن الأسبان سرقوا هذا الفن ونسبوه إلى انفسهم، مثل الكثير مما استولوا عليه من مظاهر الحضارة الإسلامية ومكوناتها، بعد استيلائهم على الحضارة التي أسسها المسلمون بفكرهم وعبقريتهم.
لم يستول الأسبان فقط على الفنون الإسلامية الأندلسية ونسبوها إلى أنفسهم بل إن النشيد الوطني الإسباني الحالي من نظم الفيلسوف المسلم "ابن باجة" نها نوبة الاستهلال التي ألفها، بل ينسب إليه أيضا الموسيقى الأسبانية الحالية ومنها موسيقى "الفلامنكو"، لقد كان بارعًا في تأليف الموسيقى، لذا أحدث ثورة بالموسيقى التي ألفها لتتناغم مع أذواق الأندلسيين.
ولد "ابن باجة" في سرقسطة، عاش أيام أحمد بن يوسف بن هود الملقب بـالمستعين أحد ملوك بني هود، لقب بالصائغ، لأنه كان يعمل صائغًا في بداية حياته، مهنة عائلته.
عندما دخل المرابطون سرقسطة ستطاع ابن باجة نيل ثقتهم، اتخذه عاملهم على سرقسطة، أبو بكر إبراهيم بن تيفاويت كاتباً له، اشتهر امره في ذلك الحين بمعرفه الفلسفة، الشعر، الموسيقى.
عندما توفي ابن تيفاويت قبل وقوع البلد فى يد ألفونسو
المحارب، غادر سرقسطة إلى جنوب الأندلس، سكن لمرية ثم غرناطة.
رحل ابن باجة إلى فاس، ابتعد عن السياسة، ربما بسبب كثرة حساده، مثل، أبي العلا بن زهر الطبيب، ابن خاقان الأديب، تلميذه ابن السيد البطليوسي، يقال انه مات مسموماً في فاس.
يعتبره ابن خلدون من أكبر فلاسفة الإسلام في الأندلس، وقال عنه ابن الطفيل: لم يخلق أثقب ذهنًا ولا أصحّ نظرًا ولا أصدق رؤية من أبي بكر الصائغ.
جمع "ابن باجة" إلى جانب الفلسفة، علوم الطب، الرياضيات، الفلك، الموسيقى، كانت له ندوات أدبية، شرح مؤلفات أرسطو، كتاب الأدوية المفردة لابن وافد، استفاد منها ابن البيطار كثيرًا، كذلك شرح كتب تاريخ الحيوان وتاريخ النبات، كما ألف كتباً فى الهندسة، الرياضة، الفلك، المنطق، النفس، العقل الإنساني.
يقول في فلسفته: "كل حي يشارك الجمادات في أمور، وكل انسان يشارك الحيوان فى أمور، لكن الإنسان يتميز عن الحيوان غير الناطق والجماد والنبات بالقوة الفكرية ولا يكون انسانًا إلا بها".
افترض في كتابه "تدبير المتوحد"، وجود مدينة فاضلة أو كيان سياسي هو المثل الأعلى للدول، في هذه المدينة المثالية لا تمس الحاجة إلى أي من طوائف الأطباء الثلاث، أطباء البدن، لأن الرعايا لا رذائل لهم، من ثم فهم لا يمرضون، أطباء العدالة "القضاة"، لأن علاقات المواطنين قائمة على الحب، لا يقع الخلاف بينهم أصلًا، أطباء النفوس لأن المتوحدين يكونون كاملين. يعتبر أولئك المتوحدين، كأنهم "نوابت" أي نباتات أو نماذج مختارة تعيش وسط المجتمعات الأخرى التي يشوبها النقص، هؤلاء لابد لهم أن يسترشدوا بقواعد الجمهورية الكاملة، حتى لا تمس حاجتهم إلى أي طبيب، لأنهم يصيرون إلى شيء يشبه ما يسمى عند الصوفية "الغرباء".
لم يبق لنا من هذا الإنتاج الغزير إلا "شرح ابن باجة لمنطق الفارابي"، ومجموعة مخطوطات "رسائل" في الفلسفة، الطب، العلوم الطبيعية، تحتفظ بها مكتبات أوروبا.
آخر الأخبار