الأحد 25 مايو 2025
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

استقلال القضاء أساس العدل

Time
الأربعاء 25 نوفمبر 2020
View
5
السياسة
محمد الفوزان

قال الأصمعي:" كنتُ عند هارون الرشيد يوماً أن قومًا أرادوا أن يتخلصوا من قاضٍ مُنصف كان اسمه عافية بن يزيد؛ فدخلوا مجلس الرشيد يتظلمون منه ومن أحكامه، ووصفوه بشدة التسامح في قضائه بين المتخاصمين!
فأمر هارون الرشيد باستدعاء القاضي؛ ولما حضر سأله عن سيرته في القضاء، وكيف يحكم بين الناس؟
و بينما هو يجيب عن أسئلته إذ عطس هارون الرشيد؛ فشَمَّتهُ كلُّ من كان في المجلس إلا القاضي!
فقال له هارون: ما لك لم تُشمِّتْني كما فعل القوم؟
قال القاضي: لَمْ أُشَمِّتْك لأنك لم تحمد الله، وقد عطَسَ رجلان عند النبي(صلى الله عليه وسلم)، فشَمَّتَ النبي أحَدَهُما ولم يُشمِّتِ الآخر؛ فقال الرجلُ الذي لم يُشَمَّت: يا رسول الله، شَمَّتَ هذا ولم تُشَمِّتني.
فقال:إن هذا حَمِد الله، ولم تَحمدِ الله.
فقال هارون للقاضي: ارجع إلى عملك وقضائك، ودُم على ما كنت عليه، فمن لم يُسامِح في عطسة لن يسامح في غيرها؛ فانصرف القاضي منصوراً، وعَنّف هارون من جاؤوا يوقعون به".
ٌإن النظام القضائي المستقل يشكل الدعامة الرئيسية لدعم الحريات المدنية وحقوق الإنسان، وعمليات التطوير الشاملة، والإصلاحات في أنظمة التجارة والاستثمار، والتعاون الاقتصادي، الإقليمي والدولي، وبناء المؤسسات الديموقراطية، وهناك مقولة معروفة وهي أنه: إذا كان العدل أساس الحكم، فإن استقلال القضاء هو أساس العدل.
يعد القضاء من أهمِّ الوظائف، وهو من أعلى المراتب، ومهمَّتُه "الفصل بين الناس في الخصومات حسمًا للتداعي وقطعًا للتنازع، وقد كان للقاضي حقُّ الاجتهاد، فله أن يُعْمِلَ عقله في الأمور التي ليس فيها نصٌّ من القرآن، أو السُّنَّة، أو القياس، أو الإجماع، فعندئذٍ يجتهد القاضي برأيه، وله أَجْرُ الاجتهاد، فقد سمع عمرو بن العاص رسول الله يقول:" إِذَا حَكَمَ الْـحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" ، والأَجْرَان هنا هما أجرُ الاجتهاد في معرفة الحقِّ، وأجرُ التوصُّل إلى الحقِّ ومعرفته، أمَّا إذا أخطأ فله أجر واحد؛ وهو أجر الاجتهاد في محاولة الوصول للحقِّ، وليس عليه ذنب إن أخطأ ما دامت نِيَّتُه معرفة الحقِّ، وذلك إذا كان من أهل الاجتهاد مالكًا لأدواته.
ونظرًا الى أهمية منصب القضاء في المجتمع الإسلامي، وجدنا العقلاء وأكابر الأمة وعلماءها ينصحون القضاة بنصائح جامعة تضمن لهم تحقيق العدالة والقسط في مجتمعاتهم؛ فقد نصح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أبا موسى الأشعري عندما ولاَّه قضاء الكوفة، وكان ممَّا جاء في هذا الكتاب:" أمَّا بعد، فإن القضاء فريضة مُحْكَمَةٌ، وسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فافهم إذا أُدْلِيَ إليك؛ فإنه لا ينفع تَكَلُّمٌ بحقٍّ لا نفاذ له، وآسِ بين الناس في وجهك وعَدْلِك ومجلسك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك.
البيِّنَة على مَنِ ادَّعى، واليمين على مَنْ أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلاَّ صلحًا أَحَلَّ حرامًا أو حَرَّمَ حلالاً، ولا يمنعك قضاءٌ قضيته أمس فراجعتَ اليوم فيه عقلك، وهُدِيتَ فيه لرُشْدِكَ أن تَرْجِعَ إلى الحقِّ؛ فإنَّ الحقَّ قديم، ومراجعة الحقِّ خير من التمادي في الباطل. الفهمَ الفهمَ فيما تلجلج في صدرك ممَّا ليس في كتاب الله تعالى ولا سُنَّة نَبِيِّه، ثم اعْرِفِ الأمثال والأشباه، وقِسِ الأمورَ بنظائرها".

إمام وخطيب
[email protected]
آخر الأخبار