السبت 31 مايو 2025
38°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

الأشرف سيف الدين برسباي سلطان مصر

Time
الأربعاء 22 سبتمبر 2021
View
5
السياسة
محمد الفوزان

يُعدّ من أعظم سلاطين الدولة المملوكية، وعلى يديه فُتحت قبرص.
ولد في القفقاس (بلاد الشركس)، أخذ صغيرا وبيع في القرم، وبقي فيها حتى اشتراه بعض التجار وقصد به إلى الشام، فلما وصل ملطية اشتراه نائبها الأمير دقماق المحمدي الظاهري فأقام عنده مدة، ثم أهداه في جملة مماليك آخرين إلى السلطان الملك الظاهر برقوق(784-791).
بدأ برسباي حياته مثل آلاف المماليك الذين جلبوا إلى مصر، ويتلقون تعليما دينياً شرعيا وتربية خاصة في التهذيب والأخلاق والتقوى وفي فنون الحرب والقتال، ثم يلتحقون بخدمة السلاطين، وكبار الأمراء، وترتقي ببعضهم مواهبهم وملكاتهم إلى مناصب قيادية، وقد تسعدهم الأقدار فيصعدون إلى سدة الحكم، ويصبحون ملء الأسماع والأبصار.
كان رحمه الله ملكًا جليلاً، مهابًا، عارفًا،حازمًا، فطنًا، وكان يتصدى للأحكام، ويباشر أحوال المملكة، غالبا بنفسه، وكان متواضعًا.
وقد مكّنه ذلك الاستقرار الذي نعمت به البلاد من غزو جزيرة قبرص المشاغبة، اذ كان القبارصة قد اتخذوا من جزيرتهم مركزًا للوثوب على الموانئ الإسلامية في شرق البحر المتوسط، وتهديد تجارتها، وشن بطرس الأول لوزنيان، ملك قبرص، حملته الصليبية على الإسكندرية سنة (767هـ = 1365م)، وأحرق الحوانيت والخانات والفنادق، ودنس المساجد وعلق القبارصة عليها الصلبان، واغتصبوا النساء، وقتلوا الأطفال والشيوخ، ومكثوا بالمدينة ثلاثة أيام يعيثون فيها فسادا، ثم غادروها إلى جزيرتهم، وتكررت مثل هذه الحملة على طرابلس الشام سنة (796هـ = 1393م).
لم تنقطع غارات القبارصة عن الموانئ الإسلامية، ولم تفلح محاولات سلاطين المماليك في دفع هذا الخطر والقضاء عليه، وبلغت استهانة القبارصة بهيبة دولة المماليك أن اعتدى بعض قراصنتهم على سفينة مصرية سنة (826هـ = 1423م)، وأسروا من فيها، ولم تفلح محاولات السلطان برسباي بعقد معاهدة مع غانوس ملك قبرص، تَضْمن عدم التعدي على تجار المسلمين.
تمادى القبارصة في غرورهم، فاستولوا على سفينتين تجاريتين، قرب ميناء دمياط، وأسروا من فيهما، وكانوا يزيدون على مئة رجل، ثم تجاوزوا ذلك فاستولوا على سفينة محملة بالهدايا كان قد أرسلها السلطان برسباي إلى السلطان العثماني مراد الثاني.
عند ذلك لم يكن أمام برسباي سوى التحرك لدفع هذا الخطر، والرد على هذه الإهانات، واشتعلت في نفسه نوازع الجهاد، والشعور بالمسؤولية، فأعد ثلاث حملات لغزو قبرص، في ثلاث سنوات متتالية، الأولى سنة (827هـ = 1424م)، وكانت صغيرة نزلت قبرص، وهاجمت ميناء ليماسول، وأحرقت ثلاث سفن كانت تستعد للقرصنة، وغنموا غنائم كثيرة، وعادت إلى القاهرة.
شجع هذا الظفر أن يبادر برسباي بإعداد حملة أعظم قوة من سابقتها لغزو قبرص، فخرجت الحملة الثانية في رجب (828هـ = مايو 1425م) مكونة من أربعين سفينة، واتجهت إلى الشام، ومنها إلى قبرص، حيث نجحت في تدمير قلعة ليماسول، وقُتل نحو خمسة آلاف قبرصي، وعادت إلى القاهرة تحمل ألف أسير، فضلاً عن الغنائم.
وفي الثالثة استهدف برسباي فتح الجزيرة وإخضاعها لسلطانه، فأعد حملة أعظم من سابقتيها وأكثر عددا وعُدة، فأبحرت مئة وثمانون سفينة من رشيد في (829هـ = 1426م)، واتجهت إلى ليماسول، فلم تلبث أن استسلمت للقوات المصرية (26 شعبان 829هـ = 2 يوليو 1426م)، وتحركت الحملة شمالا في جزيرة قبرص، وحاول ملك الجزيرة أن يدفع القوات المصرية، لكنه فشل وسقط أسيرا، واستولت القوات المصرية على العاصمة نيقوسيا، ودخلت الجزيرة في طاعة دولة المماليك.
احتفلت القاهرة برجوع الحملة الظافرة، واحتشد أهلها لاستقبال الأبطال في (8 شوال 829هـ = 14 أغسطس 1426م)، وكانت جموع الأسرى البالغة 3700 أسير تسير خلف الموكب، وكان من بينها الملك غانوس وأمراؤه.
استقبل برسباي بالقلعة ملك قبرص، وكان في حضرته وفود من أماكن مختلفة، مثل: شريف مكة، ورسل من آل عثمان، وملك تونس، وبعض أمراء التركمان، فقبّل غانوس الأرض بين يدي برسباي، واستعطفه أن يطلق سراحه، فوافق السلطان على أن يدفع مئتي ألف دينار فدية، مع التعهد بأن تظل قبرص تابعة لسلطان المماليك، وأن يكون هو نائبا عنه في حكمها، وأن يدفع جزية سنوية، واستمرت جزيرة قبرص منذ ذلك الوقت تابعة لمصر، حتى سنة (923هـ = 1517م) التي سقطت فيها دولة المماليك على يد السلطان العثماني سليم الأول.

إمام وخطيب
[email protected]
آخر الأخبار