الجمعة 26 ديسمبر 2025
14°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الأعراب والمرض

Time
الاثنين 27 مايو 2019
السياسة
إعداد – إسلام مصطفى

يحفل التاريخ العربي بالنوادر التي قلما يوجد مثلها في أمم أخرى، نظرا لما يتمتع به العرب من خفة ظل، حتى أنهم سخروا الشعر في كثير من هذه المواقف فتحولت بها إلى نادرة، "السياسة" طافت عبر تاريخ العرب قديمه وحديثه وقطفت بعض هذه النوادر لتقدمها للقارئ حتى ترسم على ملامحه البسمات.


خلق الله الداء وخلق له الدواء، ومنذ قديم الأزل هناك الكثير من الطرائف والنوادر التي تحكى عن بعض المرضى في تعاملهم مع المرض أو فهمهم له، ولقد كان للأعراب النصيب الأكبر من هذه الطرف. في أحد الأيام أصيب شيخ كبير يبلغ من العمر سبعين عامًا بشلل في رجله اليمنى، وما كان منه إلا أن يستدعي الطبيب إليه حتى يشخص له مرضه وأسبابه عله يجد علاجا، وعندما جاءه الطبيب وفحصه، قال له الشيخ: هلا أخبرتني كيف حصل لي هذا الشلل؟ فأجاب الطبيب: السبب ليس أمرا خطيرا، ولكن ببساطة كبر سنك. نظر إليه الشيخ المشلول نظرة استنكار، وقال له: لكن اتصور يا طبيب أن قدمي اليسرى خرجت من بطن أمي مع اليمنى في نفس الوقت، فلماذا لم تصب هي الأخرى بالشلل؟ نظر إليه الطبيب، وضحك من حديثه وتركه.
ولجحا مع المرض طرفة فذات يوم تألمت امرأته، وقالت له:لا بد أن يأتي الطبيب ليفحصني ليطمئن قلبي، فذهب ليحضر الطبيب، وبينما هو خارج من باب البيت أطلت زوجته من النافذة ونادت عليه، وقالت له: يا جحا، لا تحضره فالحمد لله قد زال الألم، ولا حاجة لنا بالطبيب. سمع جحا تلك الكلمات وكأنه لم يسمع شيئا، وذهب إلى الطبيب وظنت زوجته أنه من خوفه عليها أصر على إحضاره، إلا أنه عندما ذهب إلى الطبيب، قال له: إن زوجتي تألمت وأشارت إلي بلزوم إحضارك، إلا أنها أطلت من النافذة، وقالت لي: الحمد لله لا حاجة لنا بالطبيب، ولذلك جئتك لأخبرك بذلك، حتى لا تتحمل مشقة الحضور.
كان معروفا عن الأعراب فصاحة اللسان والتمكن من النحو وقواعده، وفي أحد الأيام مرض أحد النحاة، ولما سمع أحد أصدقائه بذلك وهو من أهل البادية أي من الأعراب، ذهب لزيارته، وعندما سأله عن مرضه وعلته، قال له: إنها حمى قاسية، ونارها حامية ومنها الأطراف واهية والعظام بالية، فرد عليه الأعرابي فصيح اللسان هو الآخر قائلًا: لا شفاك الله بالعافية، يا ليتها كانت القاضية.
وذات مرة، مرض أحد الأعراب، وكان له ولد نحوي يتقعر في كلامه حتى وإن كان كلاما عاديا، وعندما اشتد مرض أبيه وأوشك على الموت، اجتمع عنده كل أولاده إلا ذلك النحوي، وقالوا لوالدهم: ندعو لك أخانا فلان؟ فنظر إليه وعيناه تبعثان لهم نظرات قلق من لقياه، وقال لهم بصوت واهن: إن جاءني قتلني! ففهم الأبناء أن تقعر أخيهم هو ما يخشاه والدهم، فقالوا له: نوصيه ألا يتكلم، وبالفعل دعوه لزيارة والده، ورغم أن أشقاءه أوصوه بعدم التقعقر في الحديث مع والدهم حتى لا يرهقه، إلا أنه عندما دخل عليه، قال له: يا أبت قل لا إله إلا الله تدخل بها الجنة وتفر من النار، يا أبت والله ما شغلني عنك إلا فلان، فإنه دعاني بالأمس إلى ضيافة، فأهرس وأعدس واستبرح وسكبج وطهج وأبصل وأمضر ولوزج وأفلوذج، إلا أن الوالد المريض قاطعه صائحًا إلى أبنائه قائلًا: أغمضوني فقد سبق أخوكم ملك الموت إليّ في قبض روحي.

آخر الأخبار