الدولية
الأكراد ضحية دائمة بين مطرقة الاستقلال وسندان المصالح الإقليمية
السبت 12 أكتوبر 2019
5
السياسة
الأكراد شعب يسكن المنطقة الجبلية الممتدة على حدود تركيا والعراق وسورية، وإيران، وأرمينيا، ويترواح عددهم بين 25 و35 مليون، نسمة، ويعدون رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط، لكن لم تكن لهم أبدا دولة مستقلة في العصر الحديث.في العقود الأخيرة، زاد دور الأكراد في التطورات الإقليمية، إذ قاتلوا من أجل حقوقهم القومية في تركيا، وادوا دورا مهما في الصراعات الداخلية في العراق وسورية، وآخرها قيادة المعارك ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».ما هي أصول الأكراد؟تاريخيا، عاش الأكراد حياة قائمة على الرعي والزراعة في سهول بلاد الرافدين، وفي المناطق الجبلية المرتفعة الموجودة في جنوب شرقي تركيا، وشمال شرقي سورية، وشمالي العراق، وشمال غربي إيران، وجنوب غربي أرمينيا، ويشكلون مجموعة متميزة، يجمعها العرق والثقافة واللغة، رغم عدم وجود لهجة موحدة. كما أنهم ينتمون لمختلف الأديان والمذاهب.لماذا ليس لهم دولة؟في مطلع القرن العشرين، بدأت النخب الكردية التفكير في إقامة دولة «كردستان» المستقلة، وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصورا لدولة كردية في معاهدة «سيفر» عام 1920، إلا أن هذه الآمال تحطمت بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة «لوزان» التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية، وانتهت الحال بهم كأقليات في الدول السابق ذكرها. وعلى مدار السنوات الثمانين التالية، سحقت أي محاولة كردية لتأسيس دولة مستقلة أو حكم ذاتي.المواجهة مع «الدولة الإسلامية»؟في منتصف عام 2013، توجهت أنظار تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى ثلاث مناطق كردية متاخمة لحدوده في شمالي سورية، فأطلق هجمات متكررة. وظلت وحدات حماية الشعب، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية، تتصدى لهذه الهجمات حتى منتصف عام 2014.وكانت نقطة التحول هي هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في يونيو 2014، واستيلاؤه على مدينة الموصل شمالي العراق، وهزيمتهم لوحدات الجيش العراقي والاستيلاء على أسلحتهم ونقلها إلى سورية.وأدى تقدم «داعش» في العراق إلى انخراط الأكراد في الصراع، وأرسلت حكومة الإقليم شبه المستقل في منطقة كردستان قوات «البيشمركة» لقتال «داعش» في المناطق التي تراجع منها الجيش العراقي.وكانت الاشتباكات بين البيشمركة وتنظيم الدولة الإسلامية صغيرة، حتى كثف التنظيم هجماته في أغسطس 2014، لكن قوات البيشمركة انسحبت من عدد من المناطق، فاستولى التنظيم على العديد من البلدات والمناطق التي تسكنها أقليات دينية، من بينها سنجار حيث يسكنها الآلاف من الإيزيديين.وأطلقت الولايات المتحدة سلسلة من الهجمات الجوية على مواقع التنظيم في شمال العراق، كما أرسلت خبراء عسكريين، خوفا من حدوث مجزرة ضد الإيزيديين بعد انسحاب البيشمركة، ايضا بدأت الدول الأوروبية إرسال أسلحة لدعم البيشمركة. كما انضم إلى جهود المساعدة مقاتلو وحدات الحماية الشعب من أكراد سورية، ومقاتلو حزب العمال الكردستاني في تركيا، ورغم تقدم البيشمركة أمام «داعش» في العراق، إلا أن مقاتلي التنظيم استمروا في محاولة الاستيلاء على المناطق الكردية في سورية.وفي منتصف سبتمبر 2014، شن التنظيم حملة على المنطقة المحيطة بمدينة عين عرب (كوباني) شمالي سورية، وأجبر أكثر من 160 ألف شخصا على النزوح إلى تركيا، كما تمكن من احتلال معظم أحياء كوباني وبقي عشرات المقاتلين محصورين في جيب صغير، رفضت تركيا السماح بدخول الامدادات إلى المدينة رغم المناشدات الدولية، كما رفضت السماح للطيران الأميركي باستخدام قاعدة انجرليك لشن غارات على مواقع التنظيم، وايضا منعت مواطنيها الأكراد من العبور إلى الأراضي السورية لمواجهة التنظيم، ما أجج الاحتجاجات الكردية، وهدد حزب العمال الكردستاني بالانسحاب من مباحثات السلام مع الحكومة، غير انه في منتصف أكتوبر 2014، سمحت أنقرة لقوات البيشمركة بالمشاركة في القتال حول عين العرب، وفي يناير 2015 وبعد معركة لقي فيها نحو 1600 شخص حتفهم استعادت القوات الكردية السيطرة على كوباني.خاض الأكراد الحرب مع العديد من الميليشيات العربية المحلية تحت راية قوات سورية الديمقراطية، بدعم جوي أميركي، والتسليح والتدريب الأميركي نجحوا في طرد «داعش» من عشرات آلاف الكيلومترات في شمال شرق سورية، وفي أكتوبر أول عام 2017 استولى مقاتلو قوات سورية الديمقراطية على الرقة، عاصمة «داعش» وتقدموا في محافظة دير الزور آخر معاقل التنظيم في سورية.وسقط آخر جيب تابع لـ «داعش» في سورية في قرية الباغوز في يد قوات «قسد» في مارس عام 2019 لتعلن نهاية دولة الخلافة، لكن في الوقت ذاته حذرت من الخطر الكبير الذي تمثله الخلايا النائمة حول العالم.وكان على قوات سورية الديمقراطية التعامل مع الآلاف من أسرى التنظيم، وعشرات الآلاف من النازحين من النساء والأطفال.حاليا يواجه الأكراد هجوما عسكريا من تركيا التي تريد إقامة منطقة آمنة بعمق 32 كيلومترا داخل شمال شرق سورية لحماية حدودها من المسلحين الأكراد، وإعادة توطين أكثر من مليوني لاجئ سوري في تركيا هناك. فيما اعلنت قوات سورية الديمقراطية إنها ستدافع عن أراضيها بأي ثمن، وتعهدت الحكومة السورية المدعومة من روسيا مجددا بإعادة بسط سيطرتها على كل سورية.لماذا تعتبر تركيا الأكراد مصدر تهديد؟ثمة صراع قديم بين الدولة التركية والأكراد، الذين يمثلون بين 15و 20 في المئة من السكان، وعلى مدار أجيال، عاملت السلطات التركية الأكراد معاملة قاسية وحاولت طمس هويتهم وثقافتهم وتاريخهم. قاد الأكراد عدد من حركات التمرد في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، لكن تم إخمادها بالحديد والنار، وإبعاد عشرات الآلاف منهم الى مناطق بعيدة عن مدنهم وقراهم في إطار سياسية التغيير الديموغرافي، وتم تغيير اسماء القرى والبلدات والمدن الكردية، وحظر الأسماء والأزياء الكردية. كما حظر استخدام اللغة الكردية، وأنكر وجود الهوية العرقية الكردية، وأطلق عليهم»أتراك الجبال».وفي عام 1978، أسس عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني، الذي نادى بتأسيس دولة مستقلة في تركيا. ثم بدأ الحزب الصراع المسلح بعد ست سنوات من تأسيسه، ومنذ ذلك الحين، قتل أكثر من 40 ألف شخصا وتدمير أكثر من ثلاثة آلاف قرية وتهجير سكانها إلى غرب تركيا، وفي تسعينات القرن الماضي، تراجع الحزب عن مطلب الاستقلال، وطالب بالحقوق الثقافية والسياسية، وتحقيق نوع من الادارة الذاتية مع استمرار القتال.وفي عام 2012، بدأت محادثات السلام بين الحكومة التركية والحزب، بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة سنة، وطلب من مقاتلي الحزب التراجع إلى شمالي العراق، وفي عام 2013 تم التوصل لوقف لإطلاق النار بين الطرفين، غير ان الاتفاق انهار في يوليو عام 2015 بعد عملية انتحارية اعتبر «داعش» مسؤولا عنها وأسفرت عن مقتل 33 من النشطاء الأكراد في مدينة سروج ذات الأغلبية الكردية قرب الحدود السورية، وحينها اتهم حزب العمال السلطات بالتورط في الهجوم على قوات الجيش والشرطة التركية. منذ ذلك الحين لقي الآلاف من بينهم مئات المدنيين حتفهم في اشتباكات في جنوب شرق تركيا، فيما احتفظت انقرة بوجود عسكري في سورية منذ أغسطس عام 2016 عندما أرسلت قواتها عبر الحدود لدعم هجوم المعارضة السورية ضد «داعش»، وفي عام 2018 شنت القوات التركية والمتمردون السوريون المتحالفون معها هجوما على منطقة عفرين لطرد وحدات حماية الشعب الكردي من المنطقة، وأسفر الهجوم عن مصرع العشرات ونزوح عشرات الآلاف من المنطقة، في الوقت الذي تقول فيه الحكومة التركية إن وحدات حماية الشعب والحزب الاتحاد الديمقراطي، هما امتداد لحزب العمال الكردستاني ويشاركونه الأهداف نفسها، وأنهما تنظيمان إرهابيان يجب القضاء عليهما.ماذا يريد الأكراد السوريون؟يمثل الأكراد ما بين سبعة وعشرة في المئة من تعداد السكان في سورية، ويعيش معظمهم في محافظتي الحسكة وحلب إلى جانب العاصمة دمشق، وتعرض الأكراد السوريين للكثير من القمع والحرمان من الحقوق الأساسية. فقد جرد نحو 300 ألف منهم من الجنسية السورية منذ ستينات القرن الماضي، وصودرت الأراضي وأعيد توزيعها على العرب في محاولة «لتعريب» المناطق الكردية.لم تتأثر المناطق الكردية كثيرا بالصراع السوري في السنتين الأوليين، وتجنبت الأحزاب الكردية الكبرى اتخاذ أي موقف من أي من طرفي الصراع. وفي منتصف عام 2012، انسحبت القوات السورية من المناطق الكردية لتركز على قتال المعارضة في مناطق أخرى، ففرضت القوات الكردية سيطرتها على المنطقة حيث أقام حزب الاتحاد الديمقراطي إدارات ذاتية في كل من القامشلي، وكوباني، وعفرين عام 2014، وأكد الحزب أنه لا يسعى للاستقلال، بل إلى «إدارة محلية ديمقراطية»، وفي مارس عام 2016 أعلنت الأحزاب الكردية إقامة «نظام فيدرالي» يشمل المناطق العربية والتركمانية التي تم استعادتها من التنظيم، غير ان الحكومة السورية رفضت هذا الإعلان، وكذلك المعارضة وتركيا والولايات المتحدة، في المقابل أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي (الحزب الكردي المهيمن في المنطقة) أن أي تسوية سياسية، لا بد أن تضمن الحقوق القانونية للأكراد والاعتراف بالحكم الذاتي لهم، ورفضت حكومته المطالب الكردية بالحكم الذاتي.هل سيحصل الأكراد العراقيون على دولة؟يمثل الأكراد نحو بين 15 و 20 في المئة من سكان العراق. وتاريخيا، كان لهم امتيازات مدنية مقارنة بالأكراد المقيمين في الدول المجاورة، إلا أنهم تعرضوا لقمع شديد، وثاروا ضد الحكم البريطاني في فترة الانتداب، لكنهم قمعوا، وفي عام 1946 أسس الملا مصطفى البارزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني بهدف الحصول على الحكم الذاتي في إقليم كردستان.بعد ثورة عام 1958، اعترف الدستور الموقت بالقومية الكردية قومية رئيسية، واعتبر الأكراد شركاء في الوطن مع العرب والأقليات الأخرى، لكن الزعيم الكردي مصطفى البارزاني أعلن القتال المسلح عام 1961.وفي عام 1970، عرضت الحكومة التي كان يقودها حزب «البعث» على الأكراد إنهاء القتال ومنحهم منطقة حكم ذاتي، لكن الاتفاق انهار واستؤنف القتال عام 1974.وبعد عام، انقسم الحزب الديمقراطي الكردستاني حيث أسس السياسي المعروف جلال طالباني الاتحاد الوطني الكردستاني، وفي نهايات سبعينات القرن الماضي، بدأت الحكومة في توطين عرب في بعض المناطق لتغيير التركيبية السكانية، خصوصا حول مدينة كركوك الغنية بالنفط، كما اعادت توطين الأكراد في بعض المناطق قسرا.وفي عام 1988، قبيل انتهاء الحرب مع إيران تعرضت مدينة حلبجة لهجمات بالسلاح الكيماوي، وأطلق صدام حسين حملة انتقامية ضد الأكراد أطلق عليها اسم»الأنفال» قتل فيها 180 الف شخص.وبعد هزيمة العراق في حرب الخليج عام 1991، اشتعلت انتفاضة واسعة في الجنوب وإقليم كردستان ولشدة قمع الدولة لهذه الانتفاضة، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها منطقة حظر جوي على شمال العراق، ما سمح للأكراد بالتمتع بحكم ذاتي، واتفق الحزبان الكرديان على تقاسم السلطة، لكن الصراع الداخلي احتدم عام 1994، دام أربع سنوات، وجراء ذلك هاجر نحو مليون ونصف المليون كردي عراقي إلى تركيا وإيران بعد قمع انتفاضة عام 1991، وفي العام 2003 تعاون الحزبان الكرديان الرئيسيان مع قوات الغزو الأميركي للعراق، التي أطاحت بصدام حسين، وشاركا في جميع الحكومات التي شكلت منذ ذلك التاريخ، وكذلك في البرلمان العراقي.كما تشارك الحزبان في مؤسسات الحكم في الإقليم المكون من ثلاث محافظات، هي دهوك وإربيل والسليمانية.وتم تعيين مسعود البرزاني رئيسا للإقليم، وجلال الطلباني أول رئيس للجمهورية من الأكراد.وبعد هجوم تنظيم «داعش» في يونيو عام 2014، أرسلت حكومة الإقليم قوات البيشمركة للمساهمة في التصدي لزحف التنظيم فاستعادت مساحات كبيرة منه بمساعدة الطيران الأميركي.وفي سبتمبر عام 2017 أجري استفتاء على الاستقلال في المناطق التي يسيطر عليها البشمركة منذ عام 2014 ومنها كركوك، وهي الخطوة التي عارضتها الحكومة المركزية في العراق واعتبرها غير قانونية. وقد أيد 90 في المئة من الناخبين وعددهم 3.3 مليون ناخب الاستقلال، وقال مسؤولون أكراد، حينئذ، إن هذه النتيجة تعطيهم تفويضا ببدء التفاوض مع بغداد، لكن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي طالب بإلغاء نتيجة الاستفتاء، وفي الشهر التالي استعادت القوات العراقية المناطق المتنازع عليها مع الأكراد، فكان فقدان كركوك وعائداتها النفطية ضربة قوية للتطلعات الكردية لدولة مستقلة.وعقب ذلك تنحى البارزاني عن موقعه كرئيس للإقليم، وقد ظل منصبه شاغرا حتى يونيو عام 2019 بسبب الخلافات بين السياسيين في الإقليم عندما شغله ابن شقيقه نجيرفان.