الاثنين 19 مايو 2025
40°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الأندلس قبل الفتح الإسلامي... فوضى مزرية

Time
الأحد 05 مايو 2019
View
5
السياسة
إعداد - محمود خليل:


يقول الفقيه المحدث أبوالعباس القرطبي الأندلسي في كتابه "شارح مختصر صحيح البخاري ومسلم"، عن أسباب سقوط الأندلس في يد الصليبيين" إنما كان ذلك لشيوع الفواحش منهم بالإجماع؛ من شبانهم بالفعل وشيوخهم بالإقرار، فسلط الله عليهم عدوهم إلى أن أزالهم بالكلية".
هذا ما حدث في الأندلس بالفعل حينما بدأ المسلمون دخولها، كانت بداية دخول المسلمين إليها هي الأسباب نفسها التي أدت إلى خروجهم منها، ليصدق قول الله تعالى في الخلق من الدول والإنسان "كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ"(صدق الله العظيم).
إن الانحلال والتفكك السياسي في الأندلس، بعد الخلافة الأموية بقرطبة، أنشأت ممالك طوائف متعددة، يستقل فيها الحكام بما كانوا يحكمون، تتنافس بينها، فأتاحت الفرصة للصليبيين للإغارة على تلك الممالك واحدة تلو أخرى حتى تم طرد المسلمين من بلادهم.
هذه الدراسة ليست تأريخا لوجود المسلمين في الأندلس، أي أنها ليست دراسة سياسية تهتم بكيفية الفتح، انتصارات المسلمين، سيرة وسياسة الحكام والملوك، لكنها إطلالة على المخفي أو ما لا يعلمه كثيرون عن حياة المجتمع الإسلامي في الأندلس، إنها دراسة عن الإنسان الأندلسي المسلم.

الأندلس، ديار الأندلس، بلاد الأندلس، كلها أسماء أطلقت على شبه جزيرة أيبريا التي تضم أسبانيا والبرتغال، للدلالة على إسبانيا الإسلامية، التي تأسست في مطلع القرن السابع الميلادي حتى نهاية القرن الثاني عشر، بينما أطلق اليونانيون عليها أسم أيبريا، ثم أطلق الاسم على شبه الجزيرة كلها.
أطلق المسلمون اسم "إبارية"، تعريبا لكلمة "فندليشيا"، على شبه جزيرة أيبريا، التي كانت تطلق على الإقليم الروماني "باطقة"، الذي احتلته قبائل الفندال الجرمانية نحو عشرين عاما، بينما اسماه الخميريون "الاندليش"، بعد سقوط مملكة غرناطة، آخر معقل للإسلام هناك، وانتهاء الحكم الإسلامي فيها سنة 1492ميلادية.
أطلق الأسبان اسم "أندلوسيا"، "اندالوثيا"، على الأقاليم الجنوبية، إلى أن اقتصر هذا الاسم على مملكة غرناطة حتى نهاية القرن الرابع عشر الميلادي، أي أن هذا الاسم تغير جغرافيا تبعا للأوضاع السياسية التي كانت عليها الدولة الإسلامية في شبه الجزيرة الايبرية.
يقول عبد المنعم الخميري، صاحب كتاب "الروض المعطار"، إن "الأندلس" اسم اشتقه العرب من اسم قبائل الوندال الجرمانية التي اجتاحت أوروبا في القرن الخامس الميلادي، واستقرت في السهل الجنوبي الأسباني وأطلقت عليه اسمها "واندلوس"، عربها العرب إلى "أندلس".
يذكر أبو بكر بن عبد الحكم، المعروف بـ"ابن النظام"، أن الأندلس عند علماء أهله أندلسان، الأندلس الشرقي ما صبت أوديته إلى البحر الرومي(البحر الأبيض المتوسط)، كان يسمى أيضا بحر الشام، ويضم بلنسية ودانية والسهلة.
أما الأندلس الغربي ما صبت أوديته إلى البحر الكبير المعروف بالبحر المحيط (المحيط الأطلسي)، كان يعرف لدى العرب ببحر الظلمات أو الأقيانوس، يشمل أشبيلة وماردة واشبونة وشلب، يضيف بعض المؤرخين وسط الأندلس، قسما ثالثا، كان يضم مدن قرطبة، طليطلة، جيان، المرية، مالقة.
يعود أصل السكان القدامى لشبه الجزيرة الإيبرية إلى مزيج من الكلت والأيبريين، حتى أسـس الفينيقيون في القرن العاشر قبل الميلاد، على سواحلها مستعمرات عدة، ثم احتلها القرطاجيون، منذ القرن الخامس قبل الميلاد، ازدهرت مدينة قرطاجنة الجديدة في عهدهم، اتخذوها حاضرة لهم.
في العام 218 قبل الميلاد استولى القائد الروماني استبيون على ميناء أمبورياس، اجتاحت جيوشه الإقليم المجاور للميناء، ثم أرسلت روما سنة 210 قبل الميلاد، قوات كبيرة للقضاء على نفوذ القرطاجيين.
تحركت قوات استبيون من طركونة إلى قرطاجنة، يعاونها أسطول بحري، حتى سقطت العاصمة القرطاجية فى العام 209 قبل الميلاد، تبعتها سائر المدن الأندلسية، ثم سقطت قادش أخر مدنهم في العام 206 قبل الميلاد، بذلك أصبحت الأندلس إقليما رومانيا.
عقب ضعف الدولة الرومانية، اجتاحتها قبائل جرمانية في موجات متتالية حتى استقر بها القوط الغربيون، كان الملك يتم بالانتخاب وليس بالوراثة، كانت ملكية انتخابية، رغم محاسن هذا النظام الذي يجعل الحكم للأصح، غير أنه أدى إلى تنافس مستمر بين النبلاء للوصول إلى العرش، فكانت الدسائس والمؤامرات، والاغتيالات سمة هذا النظام مما أضعف من قوة الدولة.
كانت طبقة رجال الدين تسيطر على كل شيء تقريبا، كما كانت ممتلكاتهم العقارية معفاة من الضرائب، لأن العوام كانوا يعتقدون أن رجل الدين في استطاعته أن يدخلهم الجنة أو النار، كما كان نفوذهم السياسي كبيرا، لأنهم كانوا يبايعون ويباركون الملك الجديد بعد انتخابه وتكليله بتاج الملك في الكاتدرائية أو الكنيسة، مما يشير ضمنا إلى مشاركتهم في انتخاب الملك.
كانت الطبقة الوسطى في الفترة الأخيرة من حكم الدولة القوطية قليلة العدد، مثقلة بالضرائب، حالتها المادية والاجتماعية سيئة جدا، أما الطبقة الدنيا، فكانت الأكثر عددا من الطبقات السابقة والأقل حقوقا، كانوا يعملون في مزارع النبلاء ورجال الدين، مرتبطون بالأرض التي يعملون فيها، بالتالي كانوا ملك لصاحبها، ينتقلون معها إذا بيعت الأرض أو انتقلت إلى ملكية شخص آخر، لذلك كانوا عبيدا للأرض وملاكها.
كان عدد اليهود كبيرا في تلك الفترة، ويشتغلون بأعمال المال والحساب في دواوين الحكومة، لكنهم كانوا مكروهين بسبب اختلاف عقيدتهم عن عقيدة القوط، كما كانوا يتعاملون بالربا، لذا تعرضوا للكثير من الفتن والقلاقل.
ولأن اليهود كانوا على اتصال بأبناء ملتهم في شمال أفريقيا، يعلمون منهم بمدى الحرية الدينية التي يتمتعون بها في ظل الحكم الإسلامي، فقد دفعهم هذا إلى محاولة إسقاط الدولة القوطية، واستعانوا غير مرة بالعرب فى محاولة لقلب نظام الحكم بالثورة حينا، والمؤامرات حينا آخر.
ساءت أحوال البلاد كثيرا، فى عهد غيطشة الذي تولى عرش البلاد في العام 700ميلادية، بعد وفاة الملك اخيكا، اذ فشل في أي إصلاح أقدم عليه، رغم إنه طبق العدل في أحكامه، أفرج عن المسجونين، سمح للمنفيين بالعودة إلى ديارهم، عوضهم عن أملاكهم المصادرة.
لم يمض على ولايته سبع سنوات، حتى عدل عن سياسته، التي كانت سببا في محبة الشعب له، إذ رخص للقساوسة بالزواج، هدم أغلب حصون وأسوار البلاد، سمح لليهود بالعودة إلى البلاد وممارسة شعائرهم الدينية دون تقييد، بعدما كان أبوه يضطهدهم وطارد كل من يعتقد أنهم ينافسونه على العرش.
لم يصمت النبلاء والشعب على أفعاله، وبخاصة بعدما ولي ابنه الطفل العهد من بعده، فقاموا بثورات عديدة ضده، حتى تمكن أنصار لذريق رودريك أو رودريغو، الذي سمل غيطشة عينيه، حين شعر إنه ينافسه على العرش، ثم تمكنوا من قتله، اختاروا لذريق ملكا على البلاد.
لم يكن علاج المشكلات التي تعاني منها البلاد وقتئذ سهلا أو ممكنا لضعف الملوك، ضعف الروح الحربية عند القوط، بعدما تخلوا عن خشونتهم التي جعلت منهم رجال حرب، إذ استغرقوا في حياة الترف، في الوقت الذي نمت فيه السلطات الكنسية، وأصبح الأساقفة يسيرون الدولة ويستبدون بشؤونها.
استمرت الثورات ضد لذريق، بدأت حركات استقلالية في أطراف البلاد، ساءت حال البلاد في عهده بعدما أرهق الشعب بالضرائب الفادحة لحاجته إلى المال لمواجهة أعدائه، حتى أنه اعتدى على أموال وكنوز الكنائس القوطية، التي كانت محفوظة في غرفتين مغلقتين بكنيستي سان بدرو وسان بابلو بطليطلة، رافضا نصح القساوسة ورجال البلاط بعدم الإقدام على ذلك، لكنه لم يصغ لنصحهم.
تقول الأسطورة التي ذكرت في كتابي "تاريخ افتتاح الأندلس" و"نفح الطيب"، "كان بطليطلة، بيت مغلق يحرسه قوم من ثقاة القوط، كانت العادة أنه إذا تولى من القوط ملك، زاد على البيت قفلا، فلما تولى لذريق عزم على فتح الباب والاطلاع على ما بداخل هذا البيت، فأعظم ذلك أكابرهم، وتضرعوا إليه أن يكف عن ذلك، فأبى وظن أنه بيت مال، ففض الأقفال عنه، ودخله، فأصابه فارغا لا شيء فيه إلا المائدة التي كانت تعرف بمائدة سليمان، وتابوت عليه قفل، فأمر بفتحه، فألفاه فارغا، ليس فيه إلا شقة مدرجة، قد صورت فيها صور العرب على الخيول، وعليهم العمائم، متقلدي السيوف.
آخر الأخبار