السبت 20 سبتمبر 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الأندلسية امتهنت أعمال الرجال لمواجهة قسوة الحياة

Time
الخميس 30 مايو 2019
السياسة
إعداد - محمود خليل:


عانى المسلمون في الأندلس، كثيراً من ظروف القهر والرقابة الدائمة التي فرضت عليهم بعد سقوط الأندلس، التي كانت محاكم التفتيش المعينة من طرف الكنيسة مسؤولة عن ترتيبها وتنفيذها.
أدت تلك الرقابة الصارمة إلى نفور شديد من قبل الموريسكيين من كل ما يأتي من قبل السلطات الصليبية، فبعد الذوبان الاجتماعي للأندلسيين القشتاليين وأندلسي الغرب، ثاروا على المسيحية التي فرضت عليهم، وبدأوا في البحث عن جذورهم الإسلامية العربية المفقودة. زاد من حدة تحول هؤلاء الاندلسيين، الذين اجبروا على اعتناق المسيحية - المسيحيون الجدد كما كان يطلق عليهم - طرد أندلسيي غرناطة إلى مناطق تواجدهم، اذ وجدوا في الأندلسيين القدامى في غرناطة، ما فقدوه قبل قرون، كما أجبر تواجدهم النصارى القدامى على عدم نفورهم من أهل غرناطة على النصارى الجدد.
لم يمر وقت طويل حتى التحم أندلسيو غرناطة مع باقي الأندلسيين في شتى المقاطعات الخاضعة لحكم القشتاليين، ما نتج عنه فئة جديدة نتيجة ظلم محاكم التفتيش، أسموها "الموريسكيون"، شكلت عنصراً جديداً في التركيبة السكانية والاجتماعية في الأندلس.

تمتعت المرأة الأندلسية بمكانة عالية في بلاد الأندلس، إذ أولت الأسرة الأندلسية اهتماما بالبنت مثل الولد، لم تفرق بينهما، كانوا يحرصون على تنشئتهنَ على الصلاح ومكارم الأخلاق منذ نعومة أظافرهن، حتى ينتقلن إلى أزواجهن،من دون أن تذم عشرته، أو تنغص عيشه.
يقول الشاعر ابن حميدس الملقب بـ "ذي الوزارتين" واصفا ابنته:

فيا غرسة للأجر كنت نقلتها
إلى كنفي صونا وألحفتها ظلّي
وأنكحتها من بعد صدقٍ حمدتهُ
كريمًا فلم تذمم معاشرة البعل
يفتخر الفقيه ابن حزم الأندلسي، إنه تربى على أيدي النساء، يقول في كتابه "طوق الحمامة": ولقد شاهدتُ النّساء، وعلمتُ من أسرارهنّ ما لا يكاد يعلمه غيري، لأني رُبّيتُ في حجورهنَّ، ونشأتُ في أيديهنَّ، ولم أعرف غيرهنَّ، ولا جالستُ الرّجال، إلا وأنا في حدِّ الشّباب وحين تبقّل وجهي، وهنّ علمنني القرآن، وروينني كثيرًا من الأشعار، ودربنني في الخط. كما اهتمت الأسرة الأندلسية بتعليم بناتها، فنبغ عدد كبير منهن في العلوم، الآداب، الفنون، ما جعلهن يساهمن في الحركة الأدبية مثل مساهمة الرجال، لذا كان يعهد إليهن تربية أبناء الأمراء، الأغنياء، الأثرياء، وغيرهم ممن لهم منزلة ومكانة في المجتمع الأندلسي في تلك الفترة. كذلك ساهمت في الطب، الصيدلة، الفلك، الحساب، التاريخ، علم الكلام، الغناء، الموسيقى، ما يدل على عِظم شأنها ومشاركتها الفاعلة في المجتمع الأندلسي، حتى بلغت شأنا عظيما في عصر المرابطين، إذ صارت ندا للرجل، تتمتع بالمساواة الكاملة معه، تقتني الثروات، تمتلك الضياع، تتاجر باسمها.
أعطى المجتمع الأندلسي للمرأة أيضا حرية كبيرة، إذ سمح لها بممارسة الأنشطة الاجتماعية، الثقافية، الدينية، حتى اتسع نفوذها في عهد ملوك الطوائف والمرابطين، فحظيت علاوة على مكانتها، بانفتاحها أمام الرجال، فكانت تغني وتنظم الشعر، تتلو القرآن الكريم، تفوقت في علوم الفقه، الحديث، الأحكام، ما جعلها تختلف عن مثيلتها من النساء في المشرق، التي كانت تستتر لا تراها عين رجل، لم تحظَ بما حظيت به المرأة الأندلسية في تلك الفترة.
كانت الفتاة الأندلسية بعد حفظها القرآن الكريم يعلق على باب بيتها قنديل، في إشارة إلى أنها أتمت حفظ القرآن الكريم، كما كان عدد حافظات الحديث النبوي الشريف وروايتهِ، لا يقل عددهن عن حافظات القرآن الكريم، تفوقت أيضا في كتابة القرآن الكريم بالخط الكوفي، حتى أن قرطبة وحدها كان بها مئة وسبعون امرأة يكتبنه.
جاء في كتابي "نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب"، "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة"، أن "عابدة المدنية"، كانت تروي عن أنس إمام دار الهجرة بالمدينة المنورة عشرة آلاف حديث.
كانت المرأة الأندلسية تخرج للصلاة يوم الجمعة، بعد الانتهاء من الصلاة كانت تسير في شوارع المدينة، تمضي الوقت فى الحدائق والبساتين، كما كانت تشترك في الحفلات التي تقام في إشبيلية على ضفاف الوادي الكبير.
اشتغلت المرأة الأندلسية بعدد من الأعمال "الرجالية"، لمواجهة قسوة الحياة وشظف العيش، فعملت عطارة، حارسة بستان، عاملة في دور الخراج، كن يسمين بالخراجيات، منهن من باعت اللبن، كما شاعت مهنة الغزل، بعضهن اتخذنه هواية فقيل، "نعم اللهو للمرأة المغزل"، كما عمل بعضهن - خاصة الجوارى - كراقصات، موسيقيات، عازفات، وبرعن كثيرا فى هذه المهن.
اشتهرت السيدة "العبادية" التي أهداها مجاهد العامري، ملك دانية، إلى المعتضد بن عباد والد المعتمد، بالعلم والأدب، فقد كانت أديبة، ظريفة، كاتبة،شاعرة، عالمة بكثير من علوم اللغة، اشتهرت أيضا بثينة بنت المعتمد بن عباد وابنة الرميكية بجمالها، حلاوة نادرتها، نظمها للشعر، بينما كانت مريم بنت يعقوب الأنصاري تعلم النساء الأدب، أما نزهون الغرناطية فقد اشتهرت بجمالها، خفة دمها، حفظها للشعر والأمثال.
استطاعت المرأة الأندلسية في ذلك العصر السيطرة حتى على كبار الأئمة، تميل قلوبهم وتجعلهم سخرية، بل امتد تأثيرها إلى أكثر من ذلك، إذ كانت سبباً في جنون بعض الرجال ممن اشتهروا بحسن سيرتهم وأدبهم.
من تأثير النساء الأندلسيات على أزواجهن من الأمراء والخلفاء، أنهم بنوا لهن القصور المنيفة والمدن المسماة على أسمائهن، مثل "الزهراء"، التي بناها عبد الرحمن الناصر على اسم محظيته وأنفق فيها أموالا لا تحصى.
من ملوك الطوائف من بلغ به التأثر بزوجه وشدة تعلقه بها، أن يشتق من لقبه اسمها، مثل المعتمد بن عباد الذي سمى زوجته الرميكية بـ "اعتماد"، فقد تمكنت بفضل ذكائها وفطنتها أن تكون زوجة لملك اشبيلية وأما لأولاده.
أشار إلى ذلك فى قوله:
أغائبة الشخص عن ناظري وحاضرة فـي صميم الفؤاد
عليك سلام بقدر الشجون ودمع الشؤون وقدر السهاد
تملكت مني صعب المرام وصادفت ودي سهـل القياد
مرادي لقياك في كل حين فيا ليت أني أعطـى مرادي
أغائبة الشخص عن ناظري وحاضرة في صميم الفؤاد مـرادي
أقيمي على العهد ما بيننا ولا تستحيلي لطـول البعاد
دسست اسمك الحلو في طيه وألفت فيه حروف "اعتماد"
إذا كانت سلطة النساء الأندلسيات ونفوذهن في الملوك، الأمراء، القادة، بلغت هذا الحد، فماذا عن تأثيرهن على عامة أبناء المجتمع الأندلسي؟.
لعل أكبر نموذج لحرية المرأة الأندلسية في ذلك العهد، كانت السيدة "ولادة بنت المستكفي"، التى كان مجلسها بقرطبة منتدى للرجال والنساء، ينظم فيه الشعر والنثر، يحرص الشعراء والكتاب على حضوره.
كانت مثل شاعرات عصرها جريئات لا يكتفين بالتلميح دون التصريح، ولا بالإشارة دون الإعلان، عندما يتغزلن بالرجال.
كتبت "ولادة" بالذهب على الجانب الأيمن من ثوبها بيتا من الشعر ينم عن الجرأة إذ وصفت نفسها بقولها:

أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيها
وكتبت على الجانب الأيسر إعلانا يندرج تحت بند "الأباحة"
قالت فيه:
أمكن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قبلتي من يشتهيها
حفزت كل هذه الظروف جميع أفراد المجتمع الأندلسى على الأخذ بالعلم والاهتمام بنشره، العناية بالفنون على أنواعها، إنشاء المدارس والمكتبات العامة والخاصة، استقطاب العلماء، الشعراء، الفنانين من المشرق، الاهتمام بتعليم المرأة.
هكذا أصبح لنساء الأندلس دور بارز في الازدهار الحضاري الذي عم الأندلس فبرز منهن حاذقات بمختلف العلوم والفنون، كما لمع منهن عديدات في كل مجالات العلم والأدب، ما يشير إلى أن المجتمع الأندلسى في العصر الإسلامي كان مجتمعا متطورا، سمحا، شهد ازدهارا ثقافيا ونهضة علمية شملت مدنه الكبيرة، مثل، قرطبة، إشبيلية، بلنسية، غرناطة، رندة.
آخر الأخبار