الاثنين 22 سبتمبر 2025
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الأندلسيون أشد خلق الله اعتناءً بالنظافة وعشقاً للغناء

Time
الأربعاء 08 مايو 2019
السياسة
إعداد - محمود خليل:


يقول الفقيه المحدث أبوالعباس القرطبي الأندلسي في كتابه "شارح مختصر صحيح البخاري ومسلم"، عن أسباب سقوط الأندلس في يد الصليبيين": "إنما كان ذلك لشيوع الفواحش منهم بالإجماع؛ من شبانهم بالفعل وشيوخهم بالإقرار، فسلط الله عليهم عدوهم إلى أن أزالهم بالكلية".
هذا ما حدث في الأندلس بالفعل حينما بدأ المسلمون دخولها، كانت بداية دخول المسلمين إليها هي الأسباب نفسها التي أدت إلى خروجهم منها، ليصدق قول الله تعالى في الخلق من الدول والإنسان "كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ"(صدق الله العظيم).
إن الانحلال والتفكك السياسي في الأندلس، بعد الخلافة الأموية بقرطبة، أنشأت ممالك طوائف متعددة، يستقل فيها الحكام بما كانوا يحكمون، تتنافس بينها، فأتاحت الفرصة للصليبيين للإغارة على تلك الممالك واحدة تلو أخرى حتى تم طرد المسلمين من بلادهم.
هذه الدراسة ليست تأريخا لوجود المسلمين في الأندلس، أي أنها ليست دراسة سياسية تهتم بكيفية الفتح، انتصارات المسلمين، سيرة وسياسة الحكام والملوك، لكنها إطلالة على المخفي أو ما لا يعلمه كثيرون عن حياة المجتمع الإسلامي في الأندلس، إنها دراسة عن الإنسان الأندلسي المسلم.


رغم تعدد الأجناس العرقية للمسلمين الذين هاجروا إلى الأندلس وعاشوا فيها، إلا أنهم امتزجوا مع سكانها من اليهود والمسيحيين وكونوا مجتمعا له خصائصه الثقافية، الفكرية، الاجتماعية، السياسية، التي تختلف عما حولها من سكان فى أوروبا أو المشرق العربي.
تميز الأندلسيون بخصائص كثيرة ذكرها ابن سعيد المغربي، الذي عاش في القرن السابع الهجري، في كتابه "الـمُغرب في حلي أهل المغرب"، منها أنهم يحبون النظافة حباً شديداً، إذ يقول في ذلك: "هم أشد خلق الله اعتناء بنظافة ما يلبسون وما يفرشون، وغير ذلك مما يتعلق بهم، وفيهم مَنْ لا يكون عنده إلا ما يقوته يومَهُ، فيطويه صائمًا ويبتاع صابونًا يغسل به ثيابه، ولا يظهر فيها ساعةً على حالة تنبو العين عنها".
كما أن لديهم ميلا واضحا في التأنق في ملابسهم وانفرادهم بتقاليد في الزيّ تختلف من أهل الأمصار الأخرى وحسن تدبيرهم في شؤون حياتهم. أيضا يحبون العمل ويكرهون البطالة والتسوّل، ولديهم رغبة وقادة في العلم والتعلّم، متدينون يحافظون على قواعد ديانتهم ويلتزمون بإقامة حدودها وإنكار التهاون في تعطيلها وقيامهم بذلك إذا ما أحسوا تهاوناً من السلطان في إقامتها.
يحبون الغناء وشغفهم بسماعه، حتى أنهم ليفضلون الضروري من العيش مع سماعه على العيش المترف دونه، ما يدل على رقة عواطفهم ورهافة أحاسيسهم. لم يكن شيوع الغناء مقتصراً على قصور الملوك بل شاع في أوساط العامة كذلك، بل كان من أهالى "بلنسية"، من لا يملك شيئا من دنياه لكنه اتخذ لنفسه مغنية وأكثر، كما كان أهلها يتفاخرون بكثرة الأغاني، يقولون: "عند فلان عودان وثلاثة وأربعة وأكثر من ذلك".
من صفاتهم أيضا، حب الدعابة والظرافة، سرعة البديهة في الإجابات، من ذلك ما يحكى عن القاضي "أبي الحسن مختار الرعيني"، من مدينة "ألمرية"، الذي كان يتمتع بحلاوة، وقار، سكون، فاستدعاه زهير ملك ألمرية في مجلس حكمه، فجاءه يمشي مشية قاض قليلاً قليلاً، فاستعجله رسول الملك، فلم يعجل، فلما دخل عليه قال له: يا فقيه ما هذه البطء؟
فتأخر القاضي إلى باب المجلس وطلب عصا وشمّر ثيابه، فقال له زهير: ما هذا؟ قال: هذا يليق باستعجال الحاجب لي، فوقع في خاطري أنه عزلني عن القضاء وولاني الشرطة. فضحك زهير واستحلاه ولم يعد إلى استعجاله.
كما تميزت حياتهم بكثير من المتناقضات، التطرف في بعض الأمور، تدبير المعاش والاحتياط فيه حتى كانوا ينسبون إلى البخل، إذ إنهم أهل احتياط وتدبير في المعاش، وحفظ لما في أيديهم خوفا من ذل السؤال، لهم مروءات على عادة بلادهم، لو فطن لها حاتم الطائي لفضل دقائقها على عظائمه.
يروي ابن سعيد المغربي، أنه اجتاز مع والده قرية من قرى الأندلس أوى إليها لما ناله من برد وهناك،يقول:كنّا على حال ترقُّب من السلطان وخلوّ من الرفاهية، فنزلنا في بيت شيخ من أهلها، من غير معرفة متقدمة، فقال لنا: إن كان عندكم ما أشتري لكم فحمًا تسخنون به فإنّي أمضي في حوائجكم، وأجعل عيالي يقومون بشأنكم، فأعطيناه ما اشترى به فحمًا، فأضرم نارًا، فجاء ابنٌ له صغير ليصطلي، فضربه، فقال له والدي: لمَ ضربته؟ قال: تعلم استغنام مال الناس والضَّجَرَ للبرد من الصغر، ثم لما جاء النوم قال لابنه: اعطِ هذا الشاب كساءك الغليظة يزيدها على ثيابه، فدفع كساءه إليّ. ولما قمنا عند الصباح وجدتُ الصبي منتبهًا ويدُه في الكساء، فقلت ذلك لوالدي، فقال: هذه مروءات أهل الأندلس، وهذا احتياطهم، أعطاك الكساء وفضلك على نفسه، ثمَّ أفكر في أنك غريب لا يعرف هل أنت ثقة أو لصّ، فلم يطب له منام حتى يأخذ كساءه خوفًا من انفصالك بها وهو نائم، وعلى هذا الشيء الحقير فقس الشيء الجليل".
كما اشتهر الأندلسيون أيضا بالأمثال المتعددة والمتنوعة، التي قيلت نتيجة الخبرة فى البيئة المحلية، ما ورد من بيئات أخرى، أمثال عربية قديمة انتقلت مع الفاتحين، ومن رحلات الأندلسيين إلى المشرق، ما يرجع أصلها إلى أخبار ونوادر ذكرت فى بعض كتب الأدب، وصلت إلى أسماع العامة فصارت مثلا، تجارب بعض الأشخاص، الحوادث التى مرت بهم، سماعهم عبارات اتخذوها أمثالا.
عن عامة قرطبة فى كثرة الفضول، شدة الشغب، القيام على الملوك، التشنيع على الولاة، قيل: "مثل الجَمَل إن خَفّفت عنه الحِمل صَاح وإن اثقلته صَاح". عن إشبيلية فى تمكّن التمصر والتمدن فيها فقيل: "لو طُلب لَبَن الطَيّر فى إِشْبِيلية وُجد".
عن شريش التي اشتهرت بالفطائر المحشوة بالجبن قيل:"مَنْ دخَلَ شريش ولَم يأكل بها المُجبّنات فهو مَحروم".
امتدحوا سكن مدينة جَيّان فقالوا: "امدح البُلدان واسكن جَيّان".
يقول الإسبان إلى اليوم ما معناه"من أحبه الله كثيرًا أعطاه دارًا في جَيّان".
ما زالت أيضا الكثيرمن الأمثال العامية الأندلسية تستخدم بالإسبانية حتى اليوم، منها: عن صناعة زيت الزيتون وفوائده قيل: "كُل الزيت ولا تمش لطبيب".
عن فوائد الليمون "الليم" قيل: "ليم في دار أخير من حكيم ولو جار".
عن الجار الطبيب قيل:"إذا ريت الضباب أبشر بالطّيَاب".
عن الزراعة ومطر إبريل وفيضان نهر النيل قيل: "مَطَر فَبْريلْ خَيْر من فَيْض النَيِل".
عن سعادة الأمير التي تكون على حساب شقاء الرعية قيل: "إذا سمعت الأمير يغنّي ادري أن همومي تبكي".
عن الزهد والحذر من مخالطة السلطان قيل: "السُلطان من لا يعرفه السُلطان". وأيضا: "مَنْ ادهَن بِزيت السُلطان أقرع يَصُبَح".
عن القاضي قيل: "افتنا يا قاضي يرحمك الله". و "إذا كان القاضي خصيمك لمن تشكو".
عن سوء معاملة رجال الشرطة للشعب قيل: "بحَال شرطي يأكُل معك ويكسر الصحفا في رأسك".
عن الامثال الخاصة بالتعليم وضرورة استعمال الشدّة لتعليم الأطفال قيل:
"ضرب المعلم للصبي كالماء للزرع".
كما عني الأندلسيون بالطبخ وتفننوا فيه، فاخترعوا ألوانًا وأسماءً جديدة له فامتدحوا في أمثالهم حلوى الإسفنج، المجبّنات، اللحم، الخضروات.
لأنهم كانوا يفضلون أكل المعجنات المحشوة بالجبن "المجبنات" صباحًا قالوا: "مُجَبّنَة الظُهر خرج نارها وقل طُلابها".
من الأمثال الطريفة التي قيلت في المرأة: "كل بلية سببها ولية".
من الأمثال الأخرى عن المرأة "ولا يوم الطين" التي نقلت عن المعتمد بن عبّاد عندما قالت له زوجته اعتماد في يوم "لم أر منك خيرًا قط". قال لها "ولا يوم الطين؟"، فصار مثلًا.
من الأمثال الخاصة بالزواج:"تزوج يفتح الله عليك". و"ما اطبيب العُرس لولا النفاقة". وأيضا"زوجني واضمن لي البخت".
عن اختيار الزوجة قيل: "خطبت المرا والمرمّة".
عن الرجل الذي ابتسم له الحظ وخطب امرأة تجيد الحياكة والطهي قيل: "المرا مرّاقة زيدا في صداقا".
عن امتداح زوجة الشيخ أو الرجل الذي يكبر زوجته بفارق كبير في السن قالوا:"زوجة الشيخ مُدلّل وزوجة الصّبى مُهوّل".
عن من له بنات قيل: "هم البنات للممات".
في امتداح التجار قالوا: "صاحب دُكّان ما يحتاج بُستان".
عن الكساد قالوا: "جالس في الدُكّان يشرّد الذُبّان".
وما زال العرب يرددون بعض تلك الأمثال حتى اليوم.
آخر الأخبار