إعداد - محمود خليل: لا يعلم كثيرون أن أفريقيا جنوب الصحراء التي لم تصل إليها جيوش الفتح الإسلامي قامت بها دول وممالك إسلامية كان لها دور بارز في نهضة الإسلام والدفاع عنه في مواجهة الهجمات التي كانت تسعى للنيل منه، في هذه الحلقات نستعرض عددا من تاريخ أهم الدول والممالك الإسلامية في أفريقيا جنوب الصحراء، مواقفها من دول الاحتلال الأوروبية دفاعا عن الأرض والدين. استعرضنا في الحلقات السابقة بعضا من سيرة ومسيرة الدول، والممالك والسلطانات والإمارات الإسلامية في السودان الكبير أو "شرق وغرب ووسط أفريقيا"، وكيف كانت تلك الدول حضارات زاهرة أنارت أفريقيا ونقلتها من غياهب الوثنية والأفكار الظلامية إلى نور الإسلام بكل سجاياه وتكريمه للإنسان روحا، عقلا، جسدا، فكرا.قامت الحضارة الإسلامية هناك على قيم الإسلام النبيلة التى تحافظ على كيان الوطن وتعنى بحياة الإنسان، فلم تفرق بين عربي وافد إلى البلاد والمحلى صاحب الأرض، الذى رحب بالوافدين الجدد بعدما لاحظ أنهم يسعون إلى جعل حياته أفضل بفضل الدين الجديد الذى أتوا به معهم.وكانت المعاملة الطيبة من جانب المسلمين للأفارقة أكبر الأثر في اعتناقهم للإسلام، فتحمسوا له وأصبحوا دعاة له، بل تفقهوا في علومه في المدارس الإسلامية التى أنشأها المسلمون هناك أو من خلال البعثات العلمية التى كانوا يرسلونهم فيها للدرس، والتعلم والتفقه في المدارس العلمية في مصر أو مكة والمدينة، فتحولت المدن الأفريقية بعد عودتهم إلى منارات لنشر الإسلام بين الوثنيين، إلى مشاعل علم وفكر تضئ القارة السمراء بأكلمها.ومن المؤسف أن تلك الدول الإسلامية، رغم مجهودها الكبير في نشر الإسلام وبناء حضارة كبرى في صحراء جرداء، لم تتمتع بالحس السياسى الذى يكمن في الوحدة والتوحد لمواجهة الأخطار الخارجية والداخلية التى تقوي وجودها،فقد كان الإسلام يجمعها ظاهرا فقط، بينما كانت الصراعات القبلية تعيث فيها كالسوس ينخر في جسدها حتى سقطت في يد المحتلين الأوروبيين الذين طمعوا ليس في المدن الحضارية التى أقامها المسلمون على مدى مئات السنين، بل في ثروات تلك البلاد، ففي مالى كان الذهب هو المحرك الأساسى للمطامع الفرنسية في البلاد، بينما كانت المطامع الاقتصادية والجيبوسياسية أحد أسباب المطامع البرتغالية في منطقة القرن الأفريقى، "باب المندب" للسيطرة على طرق التجارة التى كانت تتحكم فيها الدول الإسلامية شرق أفريقيا، مصر، عمان.
ارتكب البرتغاليون من المجازر البشرية في حق المسلمين أثناء ما أسموه بعصر الكشوف الجغرافية حتى أن "فاسكو دي جاما"، الذى يصفونه بالمستكشف، أوقف سفينة للحجاج على متنها 700مسلم في طريقهم إلى مكة في خليج عمان فأحرقهم على متنها، كما هدم قرابة 300 مسجد في إحدى حملاته الصليبية على شرق أفريقيا، التى عندما وصل اسطوله إليها قال، "الآن طوقنا المسلمين ولم يبق إلا أن نشد الخيط".في طريقه إلى الهند تصادف مرور سفينة عائدة من مكة على متنها 380 حاجا، فسلب بضائعها ثم أضرم بها النار، فاحترقت بركابها، فهل يوجد أكثر إجراما من الأوروبيين الذين يدعون أنهم يحمون حقوق الإنسان ويدافعون عنها.لم تكن المصالح الاقتصادية فقط تقف خلف المطامع الأوروبية بل كانت تحركها في الأساس الأحقاد الدينية، فطبعت تلك الحروب والصراعات بين المسلمين والممالك في أفريقيا بالطابع الصليبي.وبدلا من اتحاد الممالك الإسلامية في وجه هؤلاء المحتلين الأعداء، كانت الممالك الإسلامية تتناحر فيما بينها إعلاء لقبلية بغيضة أو طمعا في كرسى الحكم، بل بلغت الكراهية بين الممالك الإسلامية حدا أن بعضها كان يتعاون مع البرتغاليين ضد البعض الآخر، مما مكن البرتغاليين وباقى دول الاحتلال الأوروبى من احتلالها جميعا واحدة تلو الأخرى حتى الدول التى تعاونت معهم.قامت الدول الأوربية بعد احتلالها لدول القارة بأكملها بإذكاء روح الكراهية ضد العرب وتصويرها على أنهم "تجار رقيق"، في حين أنهم هم من استرقوا الأفارقة في المناجم والمزارع. وحتى يقضى الأوروبيون على كل صلة للأفارقة بالإسلام، منعوا الحديث باللغة العربية، أحرقوا كل المصاحف والكتب العربية في أكبر جريمة ضد الإنسانية، منعوا التدريس بالعربية في المدارس، كتبوا اللغات المحلية بأحرف لاتينية.السؤال الذى يطرح نفسه، كيف نستعيد أفريقيا، كيف نستعيد إخواننا العرب المنسيين في أفريقيا، كيف نستعيد أمجاد المسلمين في أفريقيا.. أسئلة تبدو غير منطقية في ظل العولمة، بعد قرون طويلة انقطع فيها المد والتواصل بين الوطن العربي والعرب الأفارقة، بعد تغيير كبير حدث في التركيبة السكانية، الاجتماعية، السياسية، الدينية.إن العرب الأفارقة حاليا هم أحفاد العرب المسلمين الذين وفدوا إلى أفريقيا وأقاموا تلك الحضارة الزاهرة، بالتأكيد لديهم حنين للعودة إلى جذورهم العربية الإسلامية، لا سيما أن معظمهم ما زال يتمسك بالعادات والتقاليد الإسلامية ويحاول استعادة أمجاده بالحفاظ على لغتهم العربية، الاهتمام بالكتاتيب التى تحفظ القرآن الكريم، بل يحاول من يستطيع منهم إيفاد أولادهم إلى الأزهر الشريف وباقى الجامعات الإسلامية في الوطن العربي للحصول على شهادات إسلامية. والحفاظ على هوية العرب المنسيين في أفريقيا يجب أن يكون في طليعة اهتمامات ليس الحكام العرب فقط، بل الجامعات والجماعات العربية، بل الأفراد أيضا، وما أكثر الأموال العربية التى ضاعت هباء وكان يمكن استثمارها في أفريقيا لمد جسور التعاون مع العرب الأفارقة والأفارقة العرب للتكامل الاقتصادى، من ثم التكامل والتكتل السياسى في وجه عدو شرس لا يرغب في تنمية أو تقدم القارة الأفريقية أو الوطن العربي.إن بداية استعادة الإرث الحضارى الإسلامى في أفريقيا واستعادة العرب الأفارقة المنسيين في أفريقيا يبدأ باستثمار المال العربي والإسلامي، لأنه استثمار للعقول.