الاقتصادية
الإجراءات الوقائية من "كورونا" مردودها كارثي على الاقتصاد العالمي
الأحد 19 أبريل 2020
5
السياسة
شركات النفط والطيران والسيارات والفنادق والمطاعم أهم القطاعات المتضررةتمثل سياسات الدول الاقتصادية في عملية التعافي مؤشراً قوياً على التخلي عن نظام العولمةالإغلاق الكلي أفقد الموظفين القدرة على السفر للعمل أو متابعة الأنشطة الترفيهيةبحلول نهاية العام الحالي سيكون النمو العالمي قد هبط إلى ما بين 1 و2 في المئة سيطرت جائحة فيروس "كورونا" المسبب لمرض "كوفيد - 19" والتداعيات السياسية والاقتصادية الناتجة عنها على التغطية الإخبارية العالمية لأشهرعدة. ورغم أن العالم يبدو أنه لا يزال في المراحل الأولى من هذه الأزمة، فإن الآثار الاقتصادية القصيرة والطويلة الأجل بدأت تتضح، وتسبب قلقا كبيرا في الأسواق المالية.وكاستجابة سريعة لهذه التداعيات، صدر عن "مركز البحرين للدراسات الستراتيجية والدولية والطاقة"، تقرير بعنوان "نحو فهم تأثير فيروس "كورونا" على الاقتصاد العالمي... دليل لغير الاقتصاديين" يهدف الى شرح الآليات الأساسية التي تربط الفيروس المستجد بالاقتصاد، وتقديم دراسة للتأثير الاقتصادي، الذي حدث، ومن المرجح أن يستمر، للجائحة على الاقتصادات العالمية والصناعات الرئيسة. في البداية يشرح التقرير عواقب السياسة الاقتصادية للأزمة الحالية وتقديرات التأثير العالمي المستقبلي لـ "كوفيد-19"، ويستهل ذلك بتحليل التأثيرات قصيرة المدى التي أظهرتها الجائحة بالفعل. ويحدد أكبر تهديد اقتصادي على المدى القصير ليكون "المشكلة المستعصية حاليا للتفاعلات الاقتصادية"، وهي انخفاض الشراء والمبيعات بين الشركات والعملاء.ومع توقف المستهلكين عن العمل كالمعتاد وتعليق المجتمع المدني فعليا لأغراض الصحة العامة، لم يعد الموظفون قادرين على السفر إلى العمل أو متابعة الأنشطة الترفيهية. وتلا نصيحة منظمة الصحة العالمية الأولية بتجنب السفر غير الضروري والحشود الكبيرة، قرار الإغلاق لمتاجر السلع غير الأساسية والمطاعم ومراكز الترفيه الأخرى في المناطق المتأثرة بالفيروس. وبحلول أبريل الجاري، فرضت 74 في المئة من الدول الأوروبية إغلاقا وطنيا، وإلغاء الغالبية العظمى من الرحلات الدولية داخل وخارج أوروبا، وفي الولايات المتحدة وحدها، انخفضت مشتريات التجزئة بنسبة 8.7 في المئة في مارس الماضي وحده، قبل أن تصل الوطأة العظمى للجائحة إلى الولايات المتحدة.تراجع معدلات النموأحدث انتشار الفيروس انخفاضا كبيرا في المعدل المتوقع للنمو العالمي في عام 2020، ويُعرف صندوق النقد الدولي، الركود بأنه "معدل نمو عالمي سنوي أقل من 2.5 في المئة"، وفي حين نما الاقتصاد العالمي بنسبة 2.9 في المئة العام الماضي، يتوقع المحللون أن بحلول نهاية العام الحالي سيكون النمو قد هبط إلى ما بين 1 و 2 في المئة، اعتمادا على طول الوقت الذي سيستغرقه العالم للتعافي من آثار الفيروس.ومع الانتشار العالمي له منذ منتصف فبراير الماضي حتى اليوم، شهدت البلدان التي تأثرت بشدة به، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين، وهما أكبر اقتصادين في العالم، بالإضافة إلى إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا واليابان وغيرها، انخفاضا كبيرا في النمو، حيث توقف نشاط عدد من الصناعات الرئيسة.في هذا الإطار، يشير محمد العريان، من جامعة "كامبريدج" في مجلة "فورين أفيرز" إلى أن "المرحلة الأولى من الإجراءات الصحية، رغم كونها حاسمة لإنقاذ الأرواح، لكنها كارثية على الاقتصاد، وبخاصة أن إجراءات مثل البعد الاجتماعي والانفصال والعزلة لا تتوافق بطبيعتها مع العوامل التي تدفع النمو الاقتصادي والتوظيف والاستقرار المالي، فقد بنيت الاقتصادات والحكومات الحديثة من أجل الترابط والتكامل، بينما ستغلق هذه الإجراءات قطاعا اقتصاديا تلو الآخر".ومع ذلك، أن النطاق الكامل للتأثيرات الاقتصادية قصيرة المدى على الاقتصاد العالمي، لن يتم تحديدها بدقة حتى يتم تجميع وإصدار أرقام الناتج المحلي الإجمالي الفصلية، التي لن تكون قبل شهر مايو المقبل على أقل تقدير. معدل البطالة إلى 20 %وبغض النظر، فإن المستقبل القريب يبدو قاتما بالفعل، ويتنبأ بنك "جي بي مورغان" بمعدل بطالة يبلغ 20 في المئة وتراجع اقتصادي بنسبة 40 في المئة في الربع الثاني من عام 2020 للولايات المتحدة، ومع ذلك، فمن الصعب تحديد الحجم الحقيقي للكارثة الاقتصادية التي تظهر حاليا.أما في ما يتعلق بالتأثيرات قصيرة وطويلة الأجل، فهناك خمسة قطاعات قد تضررت بالفعل من الجائحة، وهي الطيران، السياحة، وتجارة التجزئة، والمطاعم وصناعة النقل، وحدد بيتر إيفيس ومات فيليبس من صحيفة "نيويورك تايمز"، بؤر الضرر الاقتصادي، والتي تمثلت في "شركات النفط والطيران والفنادق والمطاعم وتجار التجزئة وشركات صناعة السيارات". قطاع الطيران يتكبد 61 مليار دولارمن المتوقع أن تتكبد صناعة الطيران وحدها خسائر بما لا يقل عن 61 مليار دولار مع انخفاض 60 في المئة تقريبًا في الرحلات العالمية في الفترة من أبريل 2019 وأبريل 2020، ومن الممكن إضافة العديد من القطاعات الأخرى إلى هذه القائمة، حتى الصناعات العالمية التي تستمر نوعا ما، مثل الزراعة وإنتاج النفط والبناء، ستظل تعاني من آثار سيئة جراء نقص الطلب.وعلى عكس هذه الصناعات المتعثرة، هناك بعض قطاعات ستحقق مكاسب في هذه الأزمة، وفي الوقت الحالي، لا تواجه صناعات التجارة الإلكترونية والمستحضرات الصيدلانية والـ "فيديو كونفرنس" والبث الترفيهي والألعاب، المخاطر نفسها التي تواجهها الصناعات التقليدية، ومع ذلك، فإن هذه المكاسب لن تكون قادرة على تعويض الخسائر المالية للشركات الأكبر بكثير.وتنبأت شركة "فورد" للسيارات، وهي واحدة من كبرى الشركات في الولايات المتحدة، بالفعل بخسارة في الربع الأول تزيد على 600 مليون دولار، في تناقض صارخ مع ما حققته من أرباح بقيمة 2.4 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2019.ويبدو التأثير الاقتصادي على القوى العظمى المالية في العالم ملحوظ بالفعل، ففي الصين، ترافق انخفاض الإنتاج الصناعي بنسبة 13.5في المئة في كل من يناير وفبراير الماضيين، مع انهيار في مبيعات السيارات الجديدة، بانخفاض 89 في المئة عن ديسمبر 2019 بحلول فبراير الماضي. وفي الولايات المتحدة تقدم، 6.6 مليون شخص بطلبات إعانات البطالة، وهي أرقام أقل مما شهدته الأزمة الاقتصادية لعام 2008. ومن ناحية أخرى، وافق الكونغرس الأميركي على مشروع قانون إنقاذ بقيمة 2 تريليوني دولار في محاولة لتجنب انهيار أكبر. أن إحصاءات البطالة المماثلة من غير المرجح أن تكون بالمعدل نفسه، أي أقل، في دول أوروبا الغربية، حيث إن معدلات تسريح العمالة باتت أكثر وضوحًا في الولايات المتحدة مما هي عليه في الاقتصادات المتقدمة الأخرى، وأن الحزمة المالية الأميركية الطارئة لم تتضمن بعد التزامًا رسميًا بدفع أجور العمال نيابة عن الشركات المتضررة من وباء "كورونا".تدابير وقائية وعلاجيةومن ناحية أخرى، فإن الآثار والتداعيات الاقتصادية للوباء على الاقتصاد العالمي جعلت هناك تصورا أن "التدابير الوقائية والعلاجية أسوأ وطأة وأشد تأثيرًا من أعراض المرض ذاته"، وفي هذا الصدد، يشير كل من بول رومر في صحيفة "نيويورك تايمز"، وآلان غربر، من مجلة "ذا ايكونوميست"، إلى أن "التأثيرات التي ستلحق بالعديد من الاقتصادات جراء إجراءات ما وُصف بـ "الإبعاد الاجتماعي"، والتي قد تستمر بين 12و18 شهرًا ستكون كارثية بكل معنى الكلمة. وأكدت الحكومات والمؤسسات المعنية حتى اليوم أن المخاطر المحتملة التي قد تلحق بالصحة العامة تفوق التداعيات التي قد تنتج عن استئناف النشاط الاقتصادي.وحتى لو أعيد فتح العمل بالعديد من قطاعات الاقتصاد، سيظل هناك سؤال حول ما إذا كان المستهلكون حقًا سيشعرون بالأمان الكافي لشراء ما اعتادوا عليه سابقًا من سلع ومواد وخلافه لإعادة تنشيط عجلة الاقتصادات العالمية كما كانت.وفي تقرير تحليلي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" للكاتب هيذر لونغ، أوضح أن "كبار السن من الأميركيين ومن يعانون من ظروف صحية سيحتاجون إلى مزيد من الضمانات قبل الشروع في السفر والتنقل بين العديد من الدول على نطاق واسع مرة أخرى".ورغم أن التقرير تناول بالفعل مسألة ما إذا كانت"التدابير الوقائية والعلاجية أسوأ وطأة وأشد تأثيرًا من أعراض المرض ذاته"، فإن الأساليب التي يمكن من خلالها إعادة إدارة دفة الاقتصاد لم يتم التركيز عليها.تخفيف القيود المفروضةولا يخفى أن بعض الدول الأوروبية مثل، إيطاليا وألمانيا والنمسا بدأت تخفف القيود المفروضة في ما يخص الإغلاق، بينما لا تزال تحافظ دول أخرى، مثل فرنسا والمملكة المتحدة على إجراءات الإغلاق، وربما يخلق هذا التضارب نوعا من اختلال التوازن بينها عندما تحاول دول ما دون أخرى العودة إلى ممارسة حياتها الطبيعية من حيث معدلات إنتاجها مسببة حالة من انعدام الاستقرار الاقتصادي، وستظل تلك الحالة من المحتملة تؤرق محاولات الدول، العودة إلى معدلات إنتاجها الاقتصادية المعتادة طالما ظل هذا الوباء منتشرًا. ولا شك أن هناك قلقا بالغا من أن الدول التي قد لا تستطيع تحمل توقف النشاط الاقتصادي بها على المدى الطويل، ولا تستجيب للتدابير الوقائية والحفاظ على الصحة العامة، وتنصاع لتوجيهات القوى العاملة لديها للعودة إلى العمل، هو ما يخاطر بانتشار موجة جديدة من عدوى"كوفيد- 19".ولعل الجانب الأكثر الأهمية في التقرير، هو توقع أن الجائحة الحالية سوف تسرع من وتيرة تراجع نظام العولمة بمعنى"عملية تقليص الاعتماد المتبادل على نطاق واسع بين الدول وما يؤدي إليه من انخفاض في التجارة الاقتصادية والاستثمار بينها".سياسات اقتصادية ناشئةوفي هذا السياق، فأن السياسات الاقتصادية القومية الناشئة عن الأزمة الاقتصادية السابقة، ورفض المؤسسات المالية العالمية مثل؛ منظمة التجارة العالمية تعطيل نظام الإنتاج والإمداد الناتج عن صناعة التعهيد التي تمارسها الدول الأجنبية، ومخاطر التجارة الخارجية؛ هى أمور كفيلة بزيادة انتشار فيروس "كوفيد- 19". تجدر الإشارة إلى أنه تمت مواجهة تقلبات اقتصادية مماثلة من قبل في القرنين الماضيين، لكن لم يطرأ أدنى تغيير على النظم الاقتصادية العالمية الحالية. وتشير إحصاءات التقرير إلى أنه خلال هذين القرنين ازدادت وتيرة العولمة بمرور الوقت. ولا يخفى أن 59في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي كان ناتجًا من النشاط التجاري المتبادل وذلك قبل انتشار الوباء. ومع هذا الاعتماد شبه الكلي على التجارة الدولية ونظام العولمة، من غير المرجح أن تتدارك المرحلة التي تعقب الأزمة الحالية ما تم إنجازه من تقدم اقتصادي خلال الخمسين سنة الماضية. وعلى أقل تقدير، ستمثل السياسات الاقتصادية التي تتبناها الدول في عملية التعافي من الأزمة الحالية مؤشرًا قويًا عما إذا كانت عملية التخلي عن نظام العولمة ستؤتي ثمارها في الاقتصاد الدولي أم لا؟عموما، يقدم المركز في التقرير لمحة جيدة عن التحديات الاقتصادية التي تمثلها جائحة "كوفيد- 19"، والتأثيرات قصيرة وطويلة الأجل على الصناعات والاقتصادات العالمية من جراء الوباء، وتوفير قاعدة معرفية لفهم التداعيات الاقتصادية والمأزق الاقتصادي العالمي الحالي.بالإضافة إلى ذلك، فإن البيانات التفصيلية المقدمة لكيفية انتاج الحكومات والخبراء الاستشاريين والمؤسسات والأكاديميين التوقعات والأفكار السياسية مع استنتاجات مختلفة يسمح للقارئ بفهم سبب عدم وجود خط فكري متسق حول كيفية الاستجابة لتحدي فيروس "كورونا".