السبت 02 أغسطس 2025
43°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة   /   كل الآراء

"الإخوان المفلسون" والفكر الإسلامي الليبرالي

Time
الثلاثاء 09 يوليو 2019
السياسة
حمد سالم المري

بعد أحداث ما سمي بـ"الربيع العربي"، بدأت جماعة الإخوان المفلسين بتغيير طرحها السياسي من أجل تحقيق هدفها الأساسي المتمثل في الوصول إلى سدة الحكم، فعند بداية ظهور هذه الجماعة على يد مؤسسها حسن البنا عام 1928 استغلت حنين الشعوب العربية المسلمة للخلافة الإسلامية بعد سقوط الدولة العثمانية عام 1922 ووقوع عدد من الدول العربية تحت الاحتلال الغربي، فقامت هذه الجماعة المفلسة برفع شعار"الدين الإسلامي" موهمة الشعوب العربية بأنها تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية حتى ترجع أمجاد الخلافة الإسلامية.
وقد استمرت في رفع هذا الشعار لسنوات طوال، فتمكن أتباعها من التغلغل في مفاصل مؤسسات الدول العربية وتبوؤا مناصب سياسية وقيادية في كل من الكويت والأردن والمغرب وغيرها من الدول . وعندما ثارت بعض الشعوب العربية على حكوماتها الاستبدادية خلال ما سمي بـ"الربيع العربي" ركبت هذه الجماعة المفلسة موجة المظاهرات والثورات محاولة جلبها لدول الخليج العربية رغم أن اتباع هذه الجماعة يتقلدون مناصب قيادية وسياسية في هذه الدول ويعيشون فيها حالهم حال شعوبها برغد من العيش في أمن وأمان ورخاء، إلا أن جماعة الإخوان المفلسين أرادوا استغلال الجو العربي العام الثائر والمطالب بالحرية من الاستبداد والظلم من تسلط أنظمة عربية ديكتاتورية،ومطالبة الأحزاب السياسية في هذه الدول بتطبيق الديمقراطية والمشاركة في الحكم فرفعت هذه الجماعة المفلسة شعار الحرية والديمقراطية من أجل كسب تعاطف هذه الشعوب حتى وصلت إلى سدة الحكم في كلٍ من مصر وتونس.
ووصلت إلى أعلى مركز لصنع القرار في المغرب، فأعلنت بأنها ستطبق الديمقراطية ولن تطبق الشريعة الإسلامية مرتكزة على مبدأ الحرية والمساواة لدغدغة مشاعر الشعوب العربية، وكسب التأييد الغربي لها حتى يمتد نفوذها إلى باقي الدول العربية، ويتحقق حلمها في الوصول إلى سدة الحكم في دول الخليج العربية، وهذا الأمر مشابه للفكر الليبرالي عند بداية ظهوره كفلسفة وفكر سياسي.
فالليبرالية هي عبارة عن رأيٍ سائد أو فلسفة سياسيّة أسست على مبدأ الحريّة والمساواة، وتُقسم إلى ليبراليّة كلاسيكيّة تشدّد على مبدأ الحريّة، وليبراليّة اجتماعيّة تنادي بالمساواة، و الليبراليّون هم مجموعة أشخاص يتبنّون عدداً من الأفكار، وينادون بعددٍ من المبادئ؛ كحريّة التعبير، والصحافة، والأديان، والسوق الحرة، وسائر الحقوق المدنيّة والمجتمعات الديمقراطيّة، والتعاون الدولي، والحكومة العلمانيّة.
ومن يسمع ويشاهد قياديي وزعماء ومنظري جماعة الإخوان المفلسين يجدهم ينادون بهذه المبادئ، فمن منظريهم من يرى بأن الحرية مقدمة على تطبيق الشريعة، وأنه مؤمن بحرية التعبير حتى لو اعترض الشخص على الله، ومؤمن بحرية الاعتقاد والعبادة حتى لو عبد الشيطان، مخالفين أهم أساس قامت عليه الأديان السماوية جميعها وهو إفراد العبادة لله وحده الذي بسببه أرسل الله الأنبياء والرسل وأنزل الكتب وآخر هؤلاء الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وآخر الكتب القرآن الكريم الذي جاء فيه قول الله تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وقوله جل وعلا: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وقوله تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا).
وقد تعاونت جماعة الإخوان المفلسين مع الليبراليين في الوطن العربي لتحقيق هدفهم في الوصول الى سدة الحكم، وعلى رأس هؤلاء الليبراليون عضو الكنيست الإسرائيلي السابق عزمي بشارة فنظموا مؤتمرات عدة في دول عدة تحت مسمى "مؤتمر النهضة" والذي كان يهدف إلى شحن الشباب العربي بمبادئ الحرية والمساواة وتدريبهم على المظاهرات والاعتصامات وتلقينهم فكرة أن الحاكم هو مجرد أجير عند الشعب الذي يعتبر هو مصدر السلطات، وهذا الكلام مشابه لنظرية العقد الاجتماعي التي تعتبر المبدأ الأساسي الذي قام عليه الفكر الليبرالي والتي تفترض أن هنالك عقداً بين الحاكم والمحكوم وأن رضا المحكوم هو مبرر لسلطة الحاكم.
ولم يقف الإخوان عند هذا الأمر، بل تعدوه إلى القول: "إن الكثير من مفاهيم الدين الإسلامي أصبحت قديمة ويجب تجديدها للتوافق مع العصر الحالي" كما قال بذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يعتبره الإخوان المفلسين خليفة المسلمين ونادى به الكثير من منظري الجماعة في عدد من الدول العربية، هذا الكلام مشابه لكلام الليبراليين الذي ينص على أنه " يجب إعادة تفسير النصوص الدينية وعدم الأخذ بتفسيرات رجال الدين القدامى، فالإسلام بعد تنقيته من هذه الآراء والتفسيرات فإنه يحقق الحرية للأفراد خاصة فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وحرية الاعتقاد".
وبعد هذا التشابه في الأفكار والمنهج يتبين لنا أن جماعة الإخوان المفلسين تحاول جاهدة ترويج فكر " الإسلام الليبرالي" لدغدغة مشاعر الدول الغربية حتى تدعمها للوصول مرة أخرى لسدة الحكم، وإنها فعلا جماعة مفلسة متخذة من الدين عباءة لتحقيق أهدافها الليبرالية.
آخر الأخبار