الجمعة 26 ديسمبر 2025
14°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الإسلام ينير القارة السمراء

Time
الاثنين 27 مايو 2019
السياسة
إعداد - محمود خليل:


لا يعلم كثيرون أن أفريقيا جنوب الصحراء التي لم تصل إليها جيوش الفتح الإسلامي قامت بها دول وممالك إسلامية كان لها دور بارز في نهضة الإسلام والدفاع عنه في مواجهة الهجمات التي كانت تسعى للنيل منه، في هذه الحلقات نستعرض عددا من تاريخ أهم الدول والممالك الإسلامية في أفريقيا جنوب الصحراء، مواقفها من دول الاحتلال الأوروبية دفاعا عن الأرض والدين.


مملكة "ودّاي"... صمدت لقرون

بدأ انتشار الإسلام في ربوع القارة الإفريقية منذ القرن الأول الهجري، من ثم وصل إلى الممالك الإفريقية في غرب ووسط وشرق إفريقيا، فتأثرت به وتحولت إلى ممالك إسلامية منذ القرن الحادي عشر الميلادي، وتوثقت العلاقات بين تلك الممالك الإفريقية والدول الإسلامية في المغرب، مصر وتونس، وغيرها.
تعد مملكة "وداي"، من أكبر تلك الممالك، التى كان لها أثر كبير في نشر الإسلام وحضارته في إفريقيا جنوب الصحراء، انتشر الإسلام في تلك المناطق عبر هجرات القبائل المسلمة والتجار المسلمين والدعاة والعلماء والأئمة.
وينتمي أهل مملكة "وداي" إلى العرب، لذلك كان من يتعلم العربية منهم، يتعلمها بسهولة ويسر، ينطقها من غير تحريف ولا عجمة كأنها لغته، لذلك قرأوا القرآن الكريم قراءة صحيحة دون لحن.
ورغم امتزاجهم وانصهارهم مع القبائل الزنجية، فإنها لم تؤثر على ألسنتهم، بل أثرت فقط في لون بشرتهم، فصاروا متعددي الألوان، السمر، القمحيين، كما تباينت أطوال قامتهم، قصر شعرهم، لون عيونهم، وغير ذلك.
أما عن أصل كلمة "ودّاي"، فهناك اختلاف حوله، لكن الاسم الأصلي هو "موبا"، ويرى بعض الباحثين أن جماعة من "الجوامعة" و"القمر"، بقيادة زعيمهم الذي يدعى "وداعة"، قدمت إلى المنطقة، فى حكم التنجر، حتى تمكن حفيدهم "عبدالكريم"، من القضاء على حكم التنجر، ليؤسس دولته "دار ودّاي"، بدلا من "دار وداعة" و"دار مبا".

دار صليح
يرجع البعض أصلها إلى "دار صليح"، نسبة إلى الرجل الصالح الذي جاء إلى المنطقة، ونشر الإسلام بين أفراد من قبائل ملتقا، مدبا، مدلا، ونصب سلطانا عليهم، فيما يرى آخرون أنها تحريف لكلمة "وضاي"، أي كثير الوضوء.
قامت مملكة وداي فـي الأقاليم الشرقية لتشاد الحالية، على يد الداعية عبدالكريم بن جامع، الذي انتسب إلى العباسيين، إذ وصل المنطقة من السودان الشرقي، بينما هناك من يرى إنه أتى من جهة غرب السودان، فقام بدعوة الناس إلى الإسلام، ساعده في ذلك زواجه من قبيلة "المبا".
بينما يذكر البعض أنه في عهد السلطان "داوود المرين"، ملك التنجر، الذي ينتمي إلى بني هلال، الذين غزوا مراكش، ثم عادوا إلى تونس ليستقروا بها، جاء شيخ يدعى "جامع" إلى المنطقة، أنجب ولدا سماه عبدالكريم، بعد زاوجه من الوداويات، تزوج هذا الابن من ابنة ملك التنجر "داوود المرين".
قلده "داوود" عدة مناصب مهمة في المملكة، لأنه كان رجلا ورعا، تقيا، محبا للدين، له الفضل الأكبر بعد الله سبحانه وتعالى في نشر الإسلام في تلك المنطقة، لكن سرعان ما نشب بينهما خلاف لأسباب دينية وسياسية، فلجأ عبدالكريم إلى أهل والدته الوداوية، الذين وقفوا معه، كما أيدته قبائل المبا، القبائل العربية والقبائل المضطهدة من قبل الملك داوود.
بعدما تزايد أتباعه الذين كانوا يريدونه فى خطبه ودروسه الدينية، تمكـن من هزيمة التنجر، في عهد آخر ملوكهم "حماه"، داوود المربين، بحجة أنهم كانوا قليلي التمسك بالدين الإسلامي، من ثم طرد ملكها، لاحقه حتى موته في منطقة "فتري".
أقام "بن جامع" مملكته بمعاونة القبائل العربية التي كانت تستوطن المنطقـة، كانوا ينتسبون إلى عرب المحاميد، المهرية، النوايبة، العريقات، بني هلبة، كما ساعدته تحالفاته التي عقـدها مـع العشائر الإفريقية التي أسلمت في المنطقة.
توافد العديد من القبائل العربية على المملكة من أنحاء السودان الكبير، فاتخذ "كدمة" عاصمة لمملكته، ثم انتقل إلى عاصمته الجديدة "وعرة"، أو "وارة"، أو "وارا"، لوقوعها في منطقة وعرة محاطة بالجبال.
أما عن علاقته بجيرانه فإنه ظلي دفع الضريبة لمملكة دارفـور طيلة حياته، مثلما كان يفعل التنجر، بينما أبطلها السلطان يعقوب عروس، الذي هزم الفوراويين، وأسقط الضريبة.
تعاقب على عرشها عشرون ملكا حتى سقوطها على يد المحتل الفرنسي في 1909م، فى عهد آخر ملوكها، السلطان أصيل بن العقيد المحمود بن السلطان شريف.
ويعد السلطان محمد الشريف، مـن أشهر سلاطين مملكة وداي، إذ كانت مملكته الولاية الشرقية، إحدى الولايات الأربع لمملكة كانم، لكنه تمكن من الانفصال عنها، وأصبحت مملكته ذات سيادة تفوق مملكة كانم، بل سيطرت على جزء من أراضيها في عهد السلطان جودة.
نقل أيضا عاصمة المملكة مـن "وارا"، إلى مدينـة "أبشه"، على بعد ستين كيلو متر جنوبا، إذ رأى أن "وارا"، رغم موقعها الحصين، إلا إنها كانت معزولة بسـبب وعـورة المكان وسـط الجبال، بينما صارت العاصمة الجديدة منطقـة مفتوحة ومعبرا للقوافل.
يذكر التونسي، "أن مساحتها تساوي مسيرة ثلاثين يوم طولا وأربع وعشرين يوما عرضا"، تميزت بأراضيها الخصبة، ومياهها الغزيرة، واعتمدت على تجارة العاج، وريش النعام، لذا أصبحت من أكبر المراكز الحضارية والدعوية في المنطقة خلال فترة قليلة.
كان نظام الحكم في مملكة ودّاي وراثيا، بالخلف المباشر، لكنه حدد شروطاً، يجب توافرها لدى ولي العهد، منها، أن يكون أكبر أولاد السلطان المتوفى أو المخلوع.
آخر الأخبار