السبت 21 سبتمبر 2024
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الإصلاح في حل المشكلات الزوجية

Time
الأربعاء 23 مايو 2018
View
5
السياسة
يقول الحق- تبارك وتعالي: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، (سورة الأحزاب الآية:21). فهو صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة في كل ما يهم الإنسان في حياته وشئونه، والنموذج الأوحد في الكمال الإنساني والرقي الحضاري، وتعاليمه -صلى الله عليه وسلم- هي البوصلة الهادية إلى الطريق المستقيم وبها يكون التوازن والاستقرار المنشود للحياة الزوجية وتكوين الأسرة المسلمة السعيدة، وفي دراسة متعمقة وعلى مدى أيام الشهر المبارك نقدم رؤية تحليلية للحياة الزوجية في بيت النبوة، ونتعرف على منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أهله داخل منزله وخارجه، كما نتعرف على أساليبه -صلى الله عليه وسلم- في معالجة المشكلات الزوجية في بيته الكريم، ونرصد تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع زوجاته.


يؤكد الدكتور إبراهيم بن على الحسن في كتابه "من وسائل علاج المشكلات الزوجية“، أن من هدي ومنهج المصطفي صلى الله علىه وسلم في حل الخلافات الزوجية أسلوب الصلح بين الزوجين، وأن الوفاق بينهما خير من الفراق، ويظهر هذا في قوله تعالى: (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير)، والمعنى: لا إثم على الزوجين فيما تصالحا عليه، حتى تبقي المرأة في عصمة الرجل، مع زوال النشوز علىها، والإعراض عنها، وقال الطبري في تفسيره: (ويدخل في هذا المعنى جميع ما يقع علىه الصلح بين الرجل وامرأته، في مال، أو وطء، أو غير ذلك).
ولنا في حياة النبي صلى الله علىه وسلم الزوجية الأسوة الحسنة، فقد وقع هذا الصلح في بيت النبوة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "قالت سودة بنت زمعة حين أسنت، وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله علىه وسلم: يا رسول الله، يومي هو لعائشة، فقبل ذلك منها رسول الله صلى الله علىه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: في ذلك أنزل الله تعالي وفي أشباهها: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا)“، (رواه أبو داود).
وفي رواية عنها: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) قالت: "الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر، منها يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حل، فنزلت هذه الآية في ذلك“، (رواه البخاري). ومن صور هذا الصلح تنازل المرأة عن حقها أو بعضه في القسم أو النفقة أو هبة ليلتها لضرتها أو تقول له: لا تطلقني وأنت حل من شأني، وقد حدث ذلك مع النبي صلى الله علىه وسلم عندما أسنت زوجته سودة بنت زمعة وفرقت أن يفارقها فنزلت تلك الآية ووهبت ليلتها للسيدة عائشة رضي الله عنها.
وعن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه كان تحته امرأة قد خلا من سنها، فتزوج علىها شابة، فآثر البكر علىها، فأبت امرأته الأولي أن تقر على ذلك، فطلقها تطليقة، حتى إذا بقي من أجلها يسير قال: إن شئت راجعتك، وصبرت على الأثرة، وإن شئت تركتك حتى يخلو أجلك، قالت: بل راجعني، أصبر على الأثرة... قال فذلك الصلح الذي بلغنا أن الله قد أنزل فيه قوله تعالي: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح علىهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير).
وقوله تعالى: "والصلح خير“ يرشد إلى أن الصلح بين الزوجين، والعفو عن بعض الحقوق، وحمل النفس على ما تكره، كالتنازل عن المرغوب، خير من الطلاق، وبعض الشئ خير من لا شئ، والمرأة العاقلة تفكر في عواقب الأمور، من تأمين سكن، ونفقة، وقرب من ذرية، وإعانة على غض البصر، وحفظ الفرج، وغير ذلك من مصالح الزواج، فلا تشتط في طلب الفراق، ورفض الصلح.
كما أن في قوله تعالي: "الصلح خير“ ما يرشد إلى أن الوفاق أحب إلى الله من الفراق، بل إن الطلاق بغيض إلى الله، كما قال رسول الله صلى الله علىه وسلم:“ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق“، (رواه الحاكم). وجعل سبحانه وتعالى الإصلاح بين الزوجين له أجر كبير: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (سورة النساء من الآية: 128)، وجعل نية الحكمين في الإصلاح بين الزوجين مرتباً علىها النتيجة وهي التوفيق، فقال سبحانه وتعالى: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً} حُسن النية {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (النساء: من الآية35)، وهي النتيجة، قال العلماء: "وإنما كان بعث الحكمين من أهلهما؛ لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال، وأطلب للصلاح“، وأحرص على التئام شمل الزوجين، ولذلك ندب أن يكون الحكمان حكماً من أهله، وحكماً من أهلها“.
ويذكر الشيخ محمود المصري في كتابه "الزواج الإسلامي السعيد“، أن الإصلاح بين الزوجين شأنه عظيم، وعموم الإصلاح بين المسلمين له أجر كبير: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}، (سورة النساء الآية:114)، ولذلك جعل النبي صلى الله علىه وسلم إصلاح ذات البين أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، لماذا؟ لأن الإفساد، ولأن التحاسد والحقد، والبغضاء والضغينة تحلق الدين، وإزالتها تكون بالإصلاح.
إن تدخل الأقارب للإصلاح بين الزوجين، وإن كانت المسئولية الأساسية على الزوجين، لكن موقف الأقارب والمحيطين له شأن كبير: "جاء رسول الله صلى الله علىه وسلم بيت فاطمة فلم يجد علىاً“ جاء في وقت يوجد فيه الأزواج عادة، جاء في وقت الظهيرة -القيلولة- لم يجد الزوج، معناه أن هناك مشكلة حصلت، إن مسئولية الأب لا تنتهي بالتزويج: زوجنا البنت وانتهينا، كلا، بل إنها تستمر، فهو لا يزال يتحمل، ويتفقد، ويتدخل بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس بأخذ ابنته قسراً، وعنوة، وبالإكراه، وبدون علم الزوج، كلا.
قال علىه الصلاة والسلام لفاطمة: (أين ابن عمك؟) لماذا لم يقل أين زوجك؟ لأنه أراد أن يذكرها بصلة الرحم، بالعلاقة بينه وبينها: (أين ابن عمك؟) أحسَ أن هناك شيئاً، "قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني؛ فخرج، فلم يقل عندي“، "غاضبني فخرج“، ولم ينم القيلولة "لم يقل عندي“ ماذا فعل النبي علىه الصلاة والسلام؟ "فسأل عنه رسول الله صلى الله علىه وسلم؛ فإذا هو في المسجد راقد“ لم يرد على رضي الله عنه أن تتطور الخلافات، أو أن تتفاقم الأمور، فانسحب بهدوء، وذهب ونام في المسجد، "فجاء رسول الله صلى الله علىه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله علىه وسلم يمسحه عنه، ويقول: (قم أبا تراب، قم أبا تراب)“، (رواه البخاري بلفظه، ومسلم).
النبي علىه الصلاة والسلام تدخل، لكن تدخُّل بحكمة، ولم يشأ أن يقل: ما سبب المشكلة؟ وما هي التفاصيل؟ وماذا حدث منك؟ وماذا حدث منها؟ القضية الآن إعادة الزوج إلى بيته، فذهب يسترضيه برفق: ((قم أبا تراب، قم أبا تراب))، وعادت المياه إلى مجاريها.
كان نبينا علىه الصلاة والسلام يسعى للإصلاح، وكثيراً ما جاءه الأزواج والزوجات يشكون ويشتكين، فيتدخل علىه الصلاة والسلام بالحكمة الطيبة، وكان يذكِّر النساء بمكانة الزوج مثلاً تارة، فعن حُصين بن محصن: "أن عمة له أتت النبي صلى الله علىه وسلم في حاجة، فلما فرغت، قال لها النبي صلى الله علىه وسلم: (أذات زوج أنتِ)؟ قالت: نعم، قال: (فأين أنت منه)“ في أي منزلة أنت من زوجك؟ قريبة؟ بعيدة؟ متباعدة؟ ودودة؟ "قالت: ما آلوه“لا أقصر“ إلا ما عجزت عنه، قال: (انظري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك)“، رواه أحمد، وصحح إسناده الألباني.

آخر الأخبار