الاثنين 28 أبريل 2025
30°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

الإعلام الرقمي وتأثيره في الشباب العربي

Time
الأربعاء 31 يوليو 2019
View
30
السياسة
وليد خالد المطيري

إن تسارع التطور التكنولوجي في منتصف التسعينات من القرن الماضي أدى إلى طفرة على جميع المستويات العلمية، وانطلاق ثورة حقيقية في عالم الاتصال، حيث انتشرت شبكة الإنترنت في أرجاء العالم التي ربطته كله بأجزائه المترامية، وهو ما جعله اشبه بقرية صغيرة، وأصبحت المجتمعات أكثر انفتاحًا على بعضها بعضا وبات من السهل التعارف وتبادل الآراء والأفكار والخبرات، ويعد الإنترنت الآن أفضل وسيلة اتصال بين الأفراد والجماعات، ومع ظهور المواقع الإلكترونية والمدونات الشخصية وشبكات المحادثة اختلف شكل الاتصال، وظهرت أنواع أخرى أكثر انتشارا وانفتاحا وتأثيرا، اذ يؤثر أصحاب المواقع على المستخدمين ويؤثر المستخدمين على بعضهم بعضا.
حديثي محدد عن مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح لمستخدميها إنشاء مدونات الإلكترونية، وإجراء المحادثات، وإرسال الرسائل، كما تتيح مشاركة الصور ومقاطع الفيديو والملفات، وتيسر للمستخدمين نشر ملفات، والكتابة حول موضوعات محددة من الممكن أن تدخل ضمن دائرة اهتمام أناس مشتركين آخرين، وتمكنهم من التعليق على تلك المواضيع وإبداء آرائهم فيها، ووفق الاحصاءات فان عدد مستخدمي تلك المواقع يزداد في كل ثانية.
وبعد أن أثبتت تلك المواقع أهميتها وفعاليتها وحجم تأثيرها على قطاعات مختلفة من المتلقين خصوصا الشباب بدأت الحكومات حول العالم في التفكير بالاستفادة من وجود تلك المواقع، فقد استخدمته الولايات المتحدة الأميركية في كشف بعض الجرائم عن طريق تتبع الحسابات الشخصية للأشخاص المشتبه بهم، كما استخدمتها بعض المؤسسات التعليمية حول العالم كوسيلة لمساعدة الطلاب على البحث العلمي والتحصيل الدراسي.
ولما كان العالم العربي جزءا من العالم الكبير بات لزاما عليه مواكبة هذه التطورات التكنولوجية الحديثة، وهو ما حدث بالفعل حيث ظهرت أجيالا من الشباب العربي لديها أحلام وتطلعات وآمال جديدة وكبيرة حول مستقبلها ومستقبل أوطانها، تلك التطلعات خلقت لديه مزيدًا من الشغف والتعطش لمعرفة المزيد عن العالم الذي نعيشه ومحاولة بناء طرق للتواصل والتعارف مع هذا العالم، وأصبح لكل شاب على مواقع التواصل الاجتماعي صفحته الخاصة به والتي تمكنه من التواصل بيسر، وأيضًا الالتقاء بزملاء قدامى كزملاء الدراسة مثلا.
اللافت في الأمر هو الإقبال الشديد من الشباب العربي ليس على استخدام الإنترنت كوسيلة اتصال فقط، إنما إقبالهم على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي( فيسبوك وتويتر) وهما الأكثر انتشارا عربيا، وهو ما ظهر جليا بعد ثورات "الربيع العربي"، وكأن المشكلات والقضايا السياسية والاجتماعية، وحتى الاقتصادية، التي تؤرق العرب كلهم كانت معلقة ومؤجلة إلى حين ظهور تلك المواقع، حيث انطلق الشباب بكامل قوته، وجعل تلك المواقع ساحة لمناقشة هذه القضايا التي كانت تنتظر متنفسا لتخرج منه، الأمر الذي أدى إلى ظهور تساؤلات كثيرة حول إمكانية قيام مواقع التواصل الاجتماعي بتحريك الجماهير والتأثير في مشاعرهم، ويثبت مدى تراجع دور الصحف والمقالات، وحتى دور التلفزيون في تنظيم العمل الجماعي، في تطور يغير مفهوم الاتصال بشكله المعروف.
وسواء اختلف الباحثون في تحديد دور مواقع التواصل الاجتماعي في ثورات "الربيع العربي"، وقوة تأثيره، إلا أن المؤكد أن قطاعات كبيرة من الشباب العربي استخدمت تلك المواقع في التعبير عن الغضب من حال مجتمعاتهم، وأتيحت الفرصة للشباب من كل الدول العربية للتواصل بشكل أكبر، كما مكنتهم تلك المواقع من نقل استغاثة المجتمعات العربية إلى المجتمع الدولي، وإجباره على اتخاذ مواقف ضد العنف وانتهاك حقوق الإنسان، على سبيل المثال، كما حدث مع الثورة الليبية حيث أجبرت الضغوط التي أحدثتها تلك المواقع دول كبرى على التدخل ووقف المجازر التي كانت تحدث في ليبيا.
ورغم استخدام الشباب تلك المواقع في البداية للدردشة وإقامة الصداقات وتفريغ الشحنات العاطفية، إلا أنه ومع مرور الوقت تطورت العلاقة بين الشباب والمواقع الالكترونية فبدأوا يستخدمونها في تبادل وجهات النظر، كما ساعدت من يعانون من مشكلات العزلة أو الخجل من التعامل مع الآخرين على التغلب على هذه المشكلات واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في علاجها.
أما عن رأي علماء النفس فيرون أن لمواقع التواصل الاجتماعي تأثيرات أخرى على المجتمعات العربية لا توصف بالإيجابية كلها، ويمكن تصنيفها بالتأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي على الشباب العربي، تلك المواقع رغم أنها تعزز الاتصال المجتمعي، إلا أنها على الجانب الآخر يرى علماء النفس أن استخدامها يؤدي إلى نوع من أنواع الإدمان الذي يقود إلى عزلة تكسب مستخدميها نوعًا من الانطوائية، وتمنحهم فرصة للهروب من مجتمعهم، اذ إن المستخدمين يتعاملون مع عالم افتراضي، ومع أشخاص غير حقيقيين إن صح التعبير، أو على الأقل لا يدخلون في نطاق دائرة المعارف والأقارب، ولا يستطيع أن يراهم في نطاق مجتمعه، فهم غرباء لا يستطيع أن يتعامل معهم بشكل مباشر، وهو ما يسميه البعض العيش في عالم الأحلام والرومانسية الزائدة حيث تدني الأوضاع في أرض الوقع فيلجأ الشباب إلى خلق عالم خاص بهم يرتقي لتطلعاتهم وآمالهم.
امتد تأثير مواقع التواصل الاجتماعي الى طريقة استخدام الشباب العربي للغة العربية اذ وصلت تلك المواقع إلى جميع المؤسسات والهيئات، وأصبح هناك قطاع كبير من الشباب يتواصلون من خلالها ويعبرون عن آرائهم وأفكارهم المختلفة، وسيلتهم في ذلك مفردات اللغة، فقد أوجدوا لغة خاصة بهم، ومفردات غريبة إلى حد ما عن مجتمعاتهم،أدى ذلك إلى ضعف المستوى اللغوي لدى هؤلاء الشباب، حيث ما عادوا يعتمدون في حواراتهم على اللغة العربية الرصينة، بل ظهرت لغة أخرى ركيكة من حيث التعبيرات والمفردات، وهو ما أثر سلبا على اللغة العربية، وما ظهر اخيرا في شكل لغة جديدة وهي لغة الـ"فرانكو آراب" التي تعتبر مزجًا بين المفردات العربية والأحرف الإنكليزية، وهو ما يعد تشويها صريحا للغة العربية.
كما جذبت تلك القنوات الجديدة للتواصل فئات عمرية مختلفة، وخصوصا فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و35 سنة، وعدد كبير منهم وصل استخدامه لتلك المواقع إلى حالة الإدمان التي تجعله يستخدمها أثناء العمل مما يؤدي إلى ضعف الإنتاجية وتكبد خسائر اقتصادية كبيرة.
مواقع التواصل الاجتماعي متاحة للجميع، وحيث إن المشتركين يقومون بنشر ما يحدث في حياتهم وما يتعرضون له مش مشكلات يحتاجون إلى أخذ النصح والرأي فيها، وهو ما يفتح الباب لغير المتخصصين من الأصدقاء على تلك المواقع لإبداء الرأي، وهو ما يجعل الشباب عرضة إلى أفكار غير مسؤولة وغير متخصصة ومتطرفة في بعض الأحيان.
كما أن مواقع التواصل الاجتماعي تساهم بشكل كبير في نشر الشائعات والأخبار الكاذبة، حيث لا توجد رقابة ولا ضوابط محددة لفلترة تلك الأخبار، وهو الأمر المدمر لكل مؤسسات المجتمع، حيث من الممكن أن تؤدي تلك الشائعات لخلق أزمات سياسية أو اقتصادية، و من أهم السلبيات لمواقع التواصل الاجتماعي غياب الخصوصية حيث يستطيع أي إنسان نشر صور أو معلومات تخص شخصاً آخر من دون الرجوع إليه، كما يمكن اختراق الحسابات الشخصية للمستخدمين والتجسس عليهم.
وفي دراسة أجراها أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا لاري روزين قال:" إن الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي يؤدي إلى تزايد الشعور بالعدوانية، والأنانية، والاضطرابات النفسية والكآبة، كما أنها تؤثر على التحصيل الدراسي للشخص المدمن على استخدام تلك المواقع".
وكذلك ذكر أستاذ الإعلام في جامعة زايد في دولة الإمارات الدكتور بدران بدران أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت متهمة بتسببها في تدهور العلاقات الأسرية، حيث فرضت على مستخدميها نوعا من العزلة والانقطاع عن الحياة العامة والاجتماعية، فالوقت الذي يمضيه الشباب على تلك المواقع هو وقت مستقطع من علاقاته الاجتماعية، بالإضافة إلى الوقت الذي يضيعه المستخدمون في متابعة تحديثات أصدقائهم والتواصل معهم والتعليق على أحداثهم، وأيضا الألعاب على مواقع التواصل الاجتماعي تسهم في إهدار الكثير من الوقت.
أرى أن الاستخدام غير منضبط ونشر صور ومقاطع مخالفة للأعراف الاجتماعية والقواعد الدينية أدى إلى تنامي الدعوات لاطلاق فتاوى دينية تحظر استخدام تلك المواقع، أو على الأقل تضع ضوابط تقنن استخدامها، بعد أن بات من المستحيل حظر استخدامها، وتزايد الجدل حول إمكانية تأثير تلك الفتاوى من عدمه على جمهور المستخدمين من الشباب، حيث يستخدم هؤلاء الشباب مواقع التواصل الاجتماعي في المقام الأول للتحرر من السلطة السياسية والاجتماعية وحتى الدينية على حد سواء.
ومن خلال الواقع الذي نعيشة وفي ظل التاثير الكبير للإعلام الرقمي لا بد من الاعتراف بأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت من الحتميات في العالم العربي نظرا لانتشارها المتزايد والإقبال الشديد عليها من الشباب، كما أنها خلقت بيئة أكثر ثراء في المحتوى المعلوماتي عربيا، لكن مثلها مثل أي من الاختراعات الحديثة لديها من الإيجابيات ومن السلبيات، وعلينا العمل على نشر الوعي للحد من السلبيات والاستخدام الأمثل لمواقع التواصل الاجتماعي الذي يعد التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمعات العربية في المستقبل القريب.

كاتب كويتي
آخر الأخبار