الإنجاب عن بعد... بين الشريعة والقانون

لا شك أن ممارسة التقنيات الطبية المستحدثة في مجال الإنجاب الصناعي قد تكون سبباً لقلب موازين الأمور رأسا على عقب، حيث أصبح نتاج العلاقة الزوجية في بعض الأحيان عملية طبية تقوم على الوسائل العلمية الفنية وتتم بتقنياتها ومن ثم لم تنفرد المواقعة الجنسية بين الأزواج بكونها الوسيلة الوحيدة للإنجاب، بل أصبح تدخل الطبيب لإتمام الإنجاب من الأمور المصيرية في حالات العقم الإنساني، مما أدى في بعض الأحيان إلى فقدان العلاقة الجنسية بين الأزواج، السمة الأساسية التي كانت تتمتع بها من قبل، والتي أمرنا الله – عز وجل – أن نصبغ عليها الخفاء ونحيطها بالسرية والكتمان.
ناهيك بأن العلاقة بين الزوج وزوجته أصبحت تتداول على السنة الناس عبر الشاشات وعلى الملأ، وبالتالي احتلت مشكلات المواقعة الجنسية بين الأزواج المرتبة الأولى في المناقشات والحوارات ما أدى إلى استباحة واستطابة نتائج ممارسات الإنجاب الصناعي بتدخل الغير،رغم حرمانية وعدم مشروعية بعض هذه الوسائل، الأمر الذي أدى إلى ظهور عمليات الإنجاب الصناعي سواء بوجود الزوجين أو غياب أحدهما. هذا الأمر أوجب على فقهاء الدين ورجال القانون وكذلك الأطباء الوقوف أمام هذه المستجدات والقضايا سواء في العالم الإسلامي أو الغربي،لذا وجب على كل مجتهد وعالم في تخصصه أن يرجع إلى مبادئ الشريعة باحثا في أصول الدين،متسلحا بالأدلة الشرعية في استخلاص الأحكام كي يدرس هذه القضية بشكل جاد.تقول المؤلفة:
أردت الإشارة من خلال هذا المؤلف إلى أن للتخصص دورا كبيرا على أن يكون تعاون الأطباء والفقهاء للتعرف على الحكم الشرعي في القضايا الفقهية الطبية الحديثة أمرا ضروريا،لأنه تعاون مشترك يؤدي إلى نظر فقهي صحيح. فالفقهاء هم أهل الذكر فيما يتعلق بالأحكام الشرعية، والأطباء هم أهل الذكر فيما يتعلق بالشؤون الطبية، قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). وبناء على ذلك فإن العلوم الطبية في حاجة ضرورية إلى العلوم الفقهية، وخاصة عندما يقررون حكما من الأحكام التي لها صلة بالحياة الإنسانية ويتوج هذا كله الحماية التي يقرها القانون. لذا فإن المقام يقتضى قبل أن نعرض أنواع الإنجاب الصناعي لابد من معرفة الطريقة الفطرية التي أراد الله أن نأتي بها على وجه العموم ثم نخص بالذكر تلقيح الزوجة نفسها بعد وفاة زوجها وهو موضوع كتابنا، وفي الحقيقة هذا الأمر دعاني إلى الحيرة لأنه يقع من وجهة نظري بين الحل في البعض، والحرمة في البعض الآخر ناهيك عن الآثار التي تخلفها هذه العملية من ناحية بالإضافة إلى حقول الطفل المدنية التي تتولد من جراء هذه العملية.