الاقتصادية
الاستدامة في أعمالنا
الخميس 22 أغسطس 2019
5
السياسة
عدنان أحمد يوسف قبل أيام نظمت في الولايات المتحدة دائرة مستديرة لمجموعة تضم 181 من كبار المديرين التنفيذيين في كبريات الشركات الأمريكية، أصدرت في ختام اجتماعها بيانًا ذكرت فيه أنه لم يعد هناك اهتمام بوجهة النظر القديمة المتمثلة في أن الشركات تعمل أولاً وقبل كل شيء لخدمة مساهميها وتعظيم الأرباح. وبدلاً من ذلك، أصبح الاستثمار في الموظفين، وتقديم القيمة للعملاء، والتعامل الأخلاقي مع الموردين ودعم المجتمعات الخارجية في طليعة أهداف الشركات الأمريكية، حيث ثبت، وهذه رؤية صحيحة من وجهة نظرنا، إن الشركات التي تسعى للمحافظة على تنمية قيمة طويلة الأجل لحقوق المساهمين يجب أن تحافظ على الاستثمار والنمو والابتكار في ظل بيئة مستدامة وممارسات أعمال مستدامة.وهذا البيان يعكس في الحقيقة توجها عالميا ليس بالجديد، بل قد يتساءل المرء لماذا تأخر مسؤولو الشركات الأمريكية في الإعلان عن هذا الموقف الذي بدأ بالظهور والانتشار والتبني من قبل الكثير من الدول والمؤسسات الدولية والمؤسسات المالية بأكثر من عقدين من الزمن.فمع نهاية الألفية السابقة وبدء الألفية الجديدة اجتمعت دول العالم لوضع أهداف إنمائية لهذه الألفية ثم اجتمعت مجددا في منتصف هذا العقد لوضع الأهداف الإنمائية الأممية 2030. ووسط السعي الأممي لتحشيد الجهود لتحقيق هذه الأهداف، برز بشكل واضح تحدي توفير التمويل لتحقيقها، وخاصة في الدول النامية. فوفقا لإحصائيات أممية، بينما تقترب بعض الاقتصادات المتقدمة من تلبية المتطلبات التي حددتها الأمم المتحدة، نجد أن البلدان الناشئة والنامية،تعاني من نقص في التمويل، وتحتاج لدعم البنوك والقطاع الخاص. وفي حين أن 90 % من احتياجات تمويل أهداف التنمية المستدامة في الدول المتقدمة قد تمت تغطيتها، فإن60 % فقط من احتياجات الاستثمار في المناطق الناشئة والنامية، تمت تغطيتها وتصل إلى 10 % فقط في بعض المناطق في أفريقيا. من هنا نشأ إجماع عالمي على أن النظام المالي سوف يكون له دور رئيسي في تحقيق هذه الأهداف. ولذلك ينبغي تسخير الإمكانات الكاملة للنظام المالي لتكون بمثابة محرك في انتقال الاقتصاد العالمي نحو التنمية المستدامة. وبناء على هذا الفهم صدرت خلال السنوات الماضية العديد من القرارات الأممية وخطط وبرامج أممية مثل الوثيقة التي أصدرتها الهيئة العليا للبيئة التابعة للأمم المتحدة ومجموعة البنك الدولي تحت عنوان "خارطة طريق لإقامة نظام مالي مستدام" في نوفمبر 2017، دعت فيه جميع أطراف المصلحة في القطاعين العام والخاص بما في ذلك المؤسسات المالية حول العالم لتبني ممارسات التمويل المستدام في كافة خططها وممارساتها ابتداء من رؤيتها وقيمها واستراتيجيات أعمالها ومرورا بكافة دوائرها مثل إدارة المخاطر والامتثال والتسويق وتطوير المنتجات والموارد البشرية والعلاقات العامة، ووضعت موجهات وضوابط لكيفية إدخال الاستدامة في كافة هذه الأنشطة والدوائر. وحاليا توجد شبكة الصيرفة المستدامة التابعة لمؤسسة التمويل الدولية التي تتولى وضع السياسات والمعايير للصيرفة المستدامة في كافة أنشطة وأقسام البنوك، كما تتولى إصدار البحوث والدراسات وعقد المؤتمرات ورصد التقدم المنجز من قبل البنوك في العالم في هذا الصعيد. ونحن في مجموعة البركة المصرفية، وعلى سبيل المثال، تبنينا هذا النهج منذ أكثر من عشر سنوات وتحديدا في العام 2009، عندما طورنا استراتيجية أعمالنا الجديدة القائمة على رؤية وفلسفة تعكس التزامنا بقيم وممارسات الاستدامة في أعمالنا، حيث إن الرؤية الجديدة للمجموعة التي وضعت بموجب هذه الاستراتيجية تؤمن بأن المجتمع يحتاج إلى نظام مالي عادل ومنصف: نظام يكافئ على الجهد المبذول ويساهم في تنمية المجتمع. لذلك وضع نهج المجموعة في خدمة المجتمع بأن نقوم بأعمالنا بطريقة مسؤولة اجتماعيا تضمن خدمة احتياجات المجتمع ككل وفي نفس الوقت التمسك بالمبادئ الأخلاقية للشريعة الإسلامية السمحاء، وهو ما ينص عليه بوضوح بيان رسالتنا التي تنص على التزامنا بتلبية الاحتياجات المالية لكافة المجتمعات حول العالم من خلال ممارسة أعمالنا على أسس من الأخلاق المستمدة من الشريعة السمحاء، وتطبيق أفضل المعايير المهنية بما يمكننا من تحقيق مبدأ المشاركة في المكاسب المحققة مع شركائنا في النجاح من عملاء،وموظفين ومساهمين.وبناء على هذه الرؤية والرسالة والفلسفة، وضعنا شعار الهوية الموحدة للمجموعة وهو "مصرفك شريكك"، ليعكس قيمنا ونظرتنا لكافة أطراف المصلحة مثل المساهمين والعملاء والموردين والموظفين والمجتمع بأنهم جميعهم شركاؤنا في أعمالنا، الأمر الذي يفرض علينا واجبات وحقوقا تجاههم جميعا وليس فقط المساهمين، التزمنا بتأديتها طوال الأعوام الماضية، وهي ذات التوجهات التي أعلن عنها بيان الشركات الأمريكية قبل عدة أيام.