الاقتصادية
"الاقتصادية" تطالب بإصلاحات كاملة لضمان استدامة "التأمينات"
الأحد 19 يونيو 2022
5
السياسة
* 8 مليارات دينار حجم ما تم دفعه إلى 619 ألف مستفيد خلال 5 سنوات* الدولة مطالبة بتبني مبادرات جريئة ترقباً للعدد الضخم المتوقع دخوله سوق العمل* العجز الاكتواري قفز من 9 إلى 17.4 مليار دينار خلال السنوات الثلاث الماضية* زيادة العجز نتجت عن الانخفاض الحاد في عوائد الاستثمارات إلى 4 في المئة* تقارير رقابية محلية وعالمية كشفت عن تباين معدل العجز من 2 إلى 19 مليار دينار* "التأمينات" تحتاج لإصلاح شامل ليس على الصعيد المالي فقط بل والشفافية أيضاً* المواطن يؤمن بحقه في أرباح المؤسسة في ظل سرقة ونهب مقدرات البلد.* المكرمات والهبات يجب أن تكون من حساب المال العام وليس من "التأمينات"قالت الجمعية الاقتصادية في بيان حديث، حول العجز الاكتواري في التأمينات الاجتماعية وجلسة المتقاعدين انها آثرت على مر الظروف المتعاقبة مع أبناء الوطن من الاقتصاديين والمختصين إلى إطلاق صرخات للرفق بهذا الوطن، وسداد العجز الاكتواري كان من مطالب الجمعية في الكثير من المواقف السابقة، لذا من الواجب علينا أن نستعرض النقاط الأساسية التالية استشعارا لروح المسؤولية الوطنية.أولاً: التأمينات الاجتماعية ماهي إلا وسيلة متقدمة من وسائل الدفاع عن المجتمع ورخائه من أي تدهور قد يلحق بمستوياته المعيشية، فهي ادخارٌ منظّمٌ قانونًا. ومما يجعل إدارة أموال صندوق تقاعدي مختلفاً، هو أن التعامل مع مدخرات أصحاب المعاشات التقاعدية واستقطاعات العاملين في القطاعين العام والخاص يُشكل تحديا أكثر دقة وحساسية من إدارة صندوق استثماري أو سيادي للدولة، حيث ان الأمر لا يتعلق بدور السياسة الاقتصادية للدولة، بل تتبع فرص عوائد ربحها متوسطة الى بعيدة المدى.وهناك مسلّمتان أساسيتان لمؤسسة التأمينات تتعين مراعاتهما: الأولى هي ضمان عيش كريم للمُتقاعدين، من خلال ربط الزيادة السنوية على مخصصاتهم الشهرية لتعادل الزيادة في تكلفة المعيشة كما هو متبع عالمياً، وجعل حد أدنى للمعاشات التقاعدية بناء على الدراسات الإحصائية للمعيشة في أي بلد. والمسلمة الثانية والأهم، هي ضرورة طرح وتبني مبادرات وسياسات مبتكرة وجريئة تؤمّن قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، استعداداً للعدد الضخم المتوقع دخوله إلى سوق العمل في السنوات القليلة القادمة.ثانياً: نعي أن في كل البرلمانات تتقدم مشاريع هدفها كسب الولاء السياسي وأصوات الناخبين على حساب مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، ولكن في كل البرلمانات هناك حكومة أقسمت على المحافظة على أموال الشعب ومصالحة، تقاتل بكل القنوات الدستورية لحماية المال العام من أن يكون أداة في الصراع السياسي الرخيص. لذلك موضوع إصلاحات التأمينات الاجتماعية يجب أن تكون أولى أولويات أي حكومة، ونستغرب من تجاهل الحكومات السابقة لهذه المؤسسة المهمة المعنية بالأمن النظامي للمواطنين جميعاً سواء متقاعدين أو مسجلين. ثالثاً: بلغ عدد المؤمن عليهم حتى مارس 2019 قرابة 382 ألفاً، وبلغ عدد أصحاب المعاشات قرابة 149 ألفاً، أما المستحقون من ورثة أصحاب المعاشات المتقاعدين فيبلغ عددهم قرابة 88 ألفاً، ليصبح الإجمالي قرابة 619 ألف فردًا مستفيدًا من نظام التأمينات الاجتماعية في الكويت. وبلغ إجمالي ما تم دفعه لمختلف المستحقين والمتقاعدين خلال السنوات الخمس الأخيرة وحتى ديسمبر 2019 قرابة 8 مليارات و44 مليون دينار . وحتى تكتب الاستمرارية لعمل مؤسسات التأمينات الاجتماعية، برزت الحاجة إلى تنويع مصدر دخل هذه المؤسسات من خلال توظيف أموال المشتركين في استثمارات طويلة الأمد تتبع أسلوبًا حصيفًا ومتحفظًا منخفض المخاطر تعود نتائجه بالنفع على متانة نظام الرعاية الاجتماعية في الدولة.فالعجز الاكتواري بمفهومه المبسط هو: "الناتج السلبي عند طرح قيمة جميع التزامات مؤسسة التأمينات تجاه المتقاعدين والمؤمن عليهم، من جميع البيانات المالية الخاصة بالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية – القيمة الحقيقية لموجوداتها واستثماراتها - عند نهاية يوم معين."ومما نملكه من تتبع للأرقام في ظل شح الشفافية ونقصها والتكتيم المخيف في الكويت، فإن آخر ما علمناه من مقرر لجنة الميزانيات في مجلس الأمة النائب السابق رياض العدساني أن "العجز قد تضاعف تقريبًا في السنوات السابقة، ويرجع ذلك أساسًا إلى انخفاض عوائد الاستثمار. ولإن العجز الاكتواري هو الفرق بين الالتزامات المستقبلية ومعدلات الدخل الجاري فلهذا ارتفع بين 9 مليارات دينار و 17.4 مليار دينار في السنوات المالية الثلاث حتى مارس 2019.ولهذا تكمن أهمية الفحص الاكتواري لأنه يحتسب قدرة التأمينات على تلبية مدفوعات التزاماتها المستقبلية، وأن الزيادة في العجز نتجت بشكل رئيسي عن انخفاض حاد في عوائد الاستثمارات إلى 4% في سنة 2019-2018 من 5.7 % في العام الذي سبقه. لذلك فإن سداد الخزانة العامة للعجز الاكتواري يعد أمراً جيداً بعيداً عن الرأي السياسي في دستورية الجلسة من عدمها والذي نقدره. وليست هذه المرة الأولى التي تقوم الدولة بسداد العجز الاكتواري، حيث قامت الدولة في السابق بضخ مبالغ دعمت من خلالها المؤسسة لسداد العجز الاكتواري.رابعاً: إن الشفافية المفقودة تؤدي إلى ضعف الرقابة، وضعف الرقابة يحتم سوء التشريع. لذلك طالعتنا كثير من التقارير من جهات عالمية عملت على دراسات اكتوارية كأمثال منظمة العمل الدولية و "ميرسر" و "ميليمان" وغيرها، وكذلك الرقابية الكويتية كديوان المحاسبة بأرقام تنم عن تفاوت كبير في معدلات العجز الاكتواري من 2 مليار دينار إلى 19 مليار دينار في كل حالات التقييم المفتوحة والمغلقة . لذا ما فعلته التأمينات الاجتماعية والهيئة العامة للاستثمار قبل سنة من الآن كانت خطوة أولى محمودة في الشفافية وأثنى عليها الكثيرون والآن نؤكد أن ما بدأتم به أصبح التزاما من منطلق العمل الجماعي والذي يتحلى بروح الشفافية، فإننا ننتظر نتائج عملكم الدؤوب في هذه المؤسسة الرائدة والتي لها أهمية كبيرة في النسيج الاجتماعي للكويت، مدركين تقلبات الأسواق العالمية والدورة الاقتصادية للاستثمارات.وعلى نفس السياق، لم يكن العجز الاكتواري يوماً حديثاً للشارع العام وهماً يتقاسم فيه المجتمع رأيه وأفكاره، ولكن الآن وبعد أن أصبح هو الشغل الشاغل للشارع فإننا نرسل عبر هذا البيان بدعوة مفتوحة للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بعقد ندوة عامة في الجمعية الاقتصادية الكويتية لشرح ما يدور من تساؤلات في الشارع الكويتي والتي لا يستطيع المختصون الإجابة عنها لشح المعلومات.خامساً: عندما نتحدث عن جودة نظام التقاعد الكويتي، تتفاوت الآراء بين من يراه الأفضل في المنطقة، بل وفي العالم، ومن يرى عكس ذلك. ولا يُمكن الاعتداد برأي دون سماع الآخر، فهنالك رأي يرى أن مُعالجة العجز الاكتواري هي الأولوية، ورأي آخر يؤمن أن مُعالجة كفاية المعاش التقاعدي هي الأولوية. ولا يمكن الجزم بصحة رأي أحد الطرفين في غياب منظومة شاملة ومتكاملة للتقييم، وصعوبة الحصول على بيانات ومعلومات موثوقة ومُحدّثة عن نظام التقاعد الكويتي في ظل عدم خضوع نظام المؤسسة التقاعدي للتقييم العالمي وفق مؤشر التقاعد العالمي (Global Pension Index)، المعمول به في كلٍ من السعودية والامارات. ويصدر هذا المؤشر سنوياً منذ عام 2009 من قبل شركة مرسر (Mercer) المُتخصصة في الاستثمار والتقاعد.ومن أبرز فوائد مؤشر التقاعد العالمي أنه يُقدم تقييماً مُستقلاً ومهنياً، وبالتالي يُساعد على حسم الكثير من الجدل حول جودة نظام التقاعد وحسن إدارته. كما أنه يوفر معايير مُشتركة يُمكن من خلالها عقد المُقارنات بين نظم التقاعد التي قد تختلف إلى حد بعيد في تفاصيلها. ومن الفوائد المهمة تبيان فرص الإصلاح التي يُمكن للقائمين على النظام التقاعدي اقتناصها لتحسين أدائهم، وإمكانية قياس مدى نجاح المُبادرات التي يتم تبنيها من خلال قياس وتتبع أداء النظام التقاعدي سنويا.ولهذا نؤكد على ضرورة المسير قدماً في إصلاحات شاملة في هذا الكيان الاجتماعي الرائد في المنطقة، وليس على الصعيد المالي فقط، ولكن على صعيد الشفافية أيضاً.واكد بيان الجمعية ان السياسة الحكومية على مدى سنوات سابقة كانت تتعامل مع الملفات الحساسة بسياسة التعويم، والهدف فقط عبور الاستجوابات الوقتية. لذلك لا نلوم المواطن الذي يؤمن أن التوزيعات من أرباح التأمينات وصندوق الأجيال وغيرها هي حق مكتسب في ظل ما يراه ويعيشه بشكل دوري من سرقات ونهب لمقدرات البلد بلا حساب فاعل ولا رقابة حقيقية.لذلك نؤكد على ضرورة الإصلاحات الاقتصادية كاملة لاسيما الإصلاحات المعنية باستدامة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. وكذلك، وبقدر ما نراه من حق مكتسب أن تتحسن الحالة المالية للإخوة المتقاعدين إلا أن تحسين الحالة المالية لفئة مهمة في المجتمع كالأخوة المتقاعدين لا يجب أن يكون على حساب الاخوة المسجلين في هذه المؤسسة. لذلك من باب أولى أن تكون المكرمات والهبات من حساب المال العام وليس من المؤسسة حتى لا يكون منفعة فئة معينة تعني بمضرة فئة أخرى.وفي الختام، علينا أن نتوقف عن سياسة تبديد ثروة هذا الوطن فهي ليست ملكية خاصة. فالوطن لا يبنى على الهبات، ومستقبل الأجيال القادمة أمانة تنتظر تسليمها للجيل القادم كما حافظ عليها من سبقكم، والعاقل هو من يتعظ من تقلبات الزمان.