الاِسْتِغْناءُ عَن النَّاسِ مُفِيدٌ للصحّة النَّفسيَّة
حوارات
"اللَّهُمَّ اكْفِني بحَلالِكَ عن حَرامِكَ، وأَغنِني بفضْلِكَ عمَّن سِواكَ".
تشير معاني"الاِسْتِغْناء" في هذه المقالة الى الاكتفاء الذَّاتيّ الذي يتوجّب أن يحققه الانسان في عالم اليوم المضطرب، لا سيما بعد أن أصبحت الاتكالية المرضية على الآخرين إحدى العلامات البارزة في حياة كثير من الناس.
ومن بعض الأسباب المنطقية للاِسْتِغْناء عَنْ النَّاس، وحقائق مساهمة ذلك في إفادة الحالة النفسية العامة للفرد، نذكر ما يلي:
-أسباب منطقية للاسْتِغْناء عن الناس: بعض الآثار السلبية للاعتماد المفرط على الآخر، خصوصا في إدارة شؤون الحياة الخاصة، تتمثل في فقدان الانسان الإتكالي للاستقلالية النفسية، وكأنه لا يستطيع عيش حياته بلا وجود أناس آخرين، يدورون في أفلاكه النفسية والفكرية الخاصة.
ولأنّ الشعور السلبي بحاجة ماسة للوجود المتواصل للآخرين في حياتنا سيتولّد عنه العجز عن معرفة الأولويات، والأهداف الشخصية، والتردد في اتخاذ القرارات الضرورية بسبب ضعف الإرادة الشخصية، ووقوعها تحت أسر نظرات، وآراء، وأمزجة الناس.
ولأنّ المرء لن يستطيع معرفة نفسه حقّ المعرفة، ما لم يتوقف عن مقارنتها بالآخرين، وهي مقارنة سلبية تنبع من تداخل وجهات نظر وآراء وأهواء الآخر المختلف عنا، في حياتنا اليومية، وتأثيره السلبي على معرفتنا لأنفسنا، فالبعض يعجزون عن عيش حياتهم بشكل حرّ ومستقل ومجزٍ، ما لم يوجد فلان فيها.
وصدق الإمام الشافعي عندما قال قبل أكثر من ألف عام: "لَم يَبقَ في الناسِ إِلّا المَكرُ وَالمَلَقُ، شَوكٌ إِذا لَمَسوا زَهرٌ إِذا رَمَقوا، فَإِن دَعَتكَ ضَروراتٌ لِعِشرَتِهِم، فَكُن جَحيماً لَعَلَّ الشَوكَ يَحتَرِقُ"!
- الاسْتِغْناء عَن النَّاس مُفِيدٌ للصحّة النَّفسيَّة: عندما يستغني الفرد عن الناس، فهو يكتفي ذاتيًّا بنفسه مما يؤدي تدريجيًّا الى عيشه حياة شبه خالية من القلق والاضطرابات النفسية، بسبب أنّ أحد الأسباب الرئيسية للقلق، وللشعور المستمر بالتهيّج النفسي، هو تداخل نفسيات الآخرين في الشؤون الحياتية الخاصة، والاستغناء يؤدي حتمًا الى اتزان بوصلة الانسان الأخلاقية، وتقوية مناعته النفسية، ولأن أغلب الضغوط النفسية السلبية التي يعاني منها المرء في عالم اليوم يتسبب بها عادة الآخر الحشري أو السّام.
كاتب كويتي
@DrAljenfawi
د. خالد عايد الجنفاوي