الاثنين 30 يونيو 2025
43°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

البخل يزيل الدول... أما حان وقت القرش الأبيض في هذه الأيام السوداء؟

Time
الثلاثاء 11 مايو 2021
View
5
السياسة
ثمَّة دولٌ في هذا العالم دالت نتيجة عدم إدراك حُكامها معنى العناية بجيوشهم وشعوبهم، فاختاروا قبض اليد عن الإنفاق لتحصين دولهم، رغم أنهم لا ينفقون من ثرواتهم الشخصية، إنما من أموال الدولة، وقيل قديماً: إن الكريم يُحصن نفسه من الغزو بالكرم، والغزاة يُهاجمون البخيل؛ لأنه لا يعين الناس في أوقات الشدة، وللأسف عندها يجد الغازي أبناء تلك الدولة عوناً له.
وفي التاريخ العربي مثالان على قوة البخل في تفكيك الدول، الأول: الخلافة الأموية، التي أسقطها اكتناز مروان بن محمد للمال، وعدم الإنفاق على الجيش والشعب، والثاني: دولة بني العباس، التي قدَّمها بخل المستعصم بالله إلى هولاكو، لقمة سائغة، ونفذ مطالب الغزاة صاغراً، لتموت معه دولة استمرت خمسة قرون، وقتلها سمُّ بخل الحكام.
يتصوَّر كثيرٌ من الحكام أنَّ المال يمنحهم الحصانة، لذا يلتفتون عن شعوبهم إلى مصالحهم الشخصية، وهنا ربما تكون قصة الإسكندر الكبير، ووصيته المثال على عدم جدوى بخل الحاكم.
حين حضرت المنية الإسكندر، الذي ملك مشارق الأرض ومغاربها، أدرك أنَّ انتصاراته وجيشه الجرّار وجميع ما ملك سوف تذهب أدراج الرياح، ولن تبقى معه أكثر مما بقيت، حينها جمع أقرب المُقربين إليه، ودعا قائد جيشه المُحبب إلى قلبه، وقال له: "سوف أغادر هذه الدنيا قريباً، ولي ثلاث أمنيات، أرجوك أن تُحققها لي بعد موتي من دون أي تقصير".
دنا القائد منه، وعيناه دامعتان ليسمع وصية سيده الأخيرة، فقال الملك: "وصيتي الأولى: ألا يحمل نعشي إلا أطبائي ولا أحد غيرهم، والثانية: أن تنثر على الطريق من مكان موتي حتى المقبرة قطع الذهب والفضة وأحجاري الكريمة التي جمعتها طيلة حياتي. أما الأخيرة: حين ترفعوني على النعش أخرجوا يديَّ من الكفن وأبقوهما مُعلقتان وهما مفتوحتان".
حين فرغ من ذلك، قبّل القائد يديه وضمَّهما إلى صدره، ثم قال: "ستنفذ وصاياك، إنما هلا أخبرني سيدي المغزى من ذلك؟".
قال الإسكندر: "أريد أن أقدم درساً للعالم لم أفقهه إلا الآن، ففي الوصية الأولى، ليعرف الناس أنَّ الموت إذا حضر لم ينفع في رده حتى الأطباء، وأن الصحة والعمر ثروة لا يمنحهما أحدٌ من البشر، أما الثانية، فحتى يعلموا أنَّ كلَّ وقت قضيناه في جمع المال ليس إلا هباءً منثوراً، ولن نأخذ معنا حتى فتات الذهب، والثالثة، ليعلموا أننا قدمنا إلى هذه الدنيا فارغي الأيدي وسنخرج منها مثل ما أتينا إليها".
وبموت الإسكندر اندثر كلُّ الجاه الذي صنعه طوال حياته، إذ لم ينفعه ماله الذي ذهب إلى الورثة، ولا حتى الزهو بالانتصارات والتهليل والتصفيق، ولا شك أنَّ العبرة من هذه القصة هي أنَّ المال وسيلة تبعث الحياة في شرايين الدولة ونهضة شعبها، وليس غاية إلا للذين لا يرون من الحكم غير جمع الثروات أو حراستها، فيما هي مُخبَّأة بالخزائن، حتى لو على حساب أمتهم، وبذلك يمهدون الطريق إلى زوال دولهم.
قيل في الأمثال: "احفظ قرشك الأبيض ليومك الأسود"، وكذلك قيل: "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، ولقد رأينا كيف هبَّ قادة بعض دول الخليج لمساعدة شعوبهم عملاً بمبدأ "اصرف ما في الجيب"، وكذلك فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي خلال أزمة "كورونا"، التي لاتزال تبعاتُها السَّلبية تُثقل كاهل الشعوب، فعمدت إلى الاستدانة لتعويض شعوبها عبر معونات مالية، وإسقاط القروض وغيرها الكثير من التسهيلات، فيما بعض الدول لم تقدم أيَّ شيء، فإلى متى تستمرُّ بالاحتفاظ بالقرش الأبيض فيما السواد يعمُّ ويزداد قتامة؟

أحمد الجارالله
آخر الأخبار