بيروت- "السياسة":مدفوعاً بحسٍّ وطنيٍّ عالٍ، ومهموماً بحرصٍ حقيقي على لبنان الدولة؛ يواصل البطريرك الماروني بشارة الراعي الخوض عميقاً في "السياسة"، التي طالما نأى بنفسه عن "تكتيكاتها"، لكنّه أدرك، هذه المرة، خطورة المآل وسوء المنقلب؛ فآثر الدخول بنفسه على ملف تشكيل الحكومة، بعدما أعجز، بـ"عقده" الشائكة، الدائمة والمستجدة، الساسة اللبنانيين، فأُسقِط في أيديهم، وأوشكوا على إعلان استسلامهم لفراغ الأمر الواقع، إلى أجل غير مسمّى.
فغداة المواقف "السياسية" الحصيفة، التي أطلقها من قصر بعبدا، أول من أمس، ولاقت ارتياحاً لدى الغالبية العظمى من الفرقاء؛ استقبل البطريرك الراعي، في بكركي أمس، المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، وحمّله رسالة "مباشرة" و"قاسية" إلى "حزب الله"، بحسب أوساط مطلعة، أكدت أن الرسالة، المنبثقة من حرص البطريرك على العيش المشترك والوحدة الوطنية، تتضمّن دعوة واضحة للحزب إلى "فكّ عقدة تمثيل نوّاب (سُنَّة 8 آذار)، وعدم جرّ البلاد إلى الخطر الوشيك". بدوره، قال المفتي قبلان، بعد اللقاء: "حمَّلنا البطريرك الراعي رسالة إلى حزب الله، ودعاهم إلى المساعدة في نزع العقبات لمعالجة قضايا الوطن، وتمنى أن نسعى جاهدين للقيام بكل ما يلزم لتشكيل الحكومة ومعالجة القضايا العالقة". وأضاف: "تداولنا مع البطريرك في إمكان عقد قمة روحية لبحث موضوع الإعلام والبرامج التلفزيونية". لكن الراعي أكد لقبلان أن "أي قمة روحية يجب أن تشمل كل الملفات، وفي طليعتها تشكيل الحكومة، وليس موضوع البرامج التلفزيونية فقط"، حسبما جاء في "المركزية"، التي أشارت أيضاً إلى أن البطريرك أكد لقبلان أن "الوضع الاقتصادي في أعلى درجات الخطورة، ما يوجب على القيادات الشيعية التعاون سريعاً لتشكيل الحكومة". ورغم الحراك البطريركي الحثيث، لا توحي المعطيات المتوافرة بأن ثمة انفراجاً محتملاً على الصعيد الحكومي، إذ لايزال كل طرف على موقفه، وتحديداً الرئيس المكلف سعد الحريري الذي تجزم مصادره بأن "لا توزير لسنّة 8 آذار، وهذا متفق عليه بين الرئيسين عون والحريري". وتضيف مصادر الحريري أن "حزب الله، الذي يجيد سياسة التعطيل، اختلق هذه العقبة من أجل تأخير تشكيل الحكومة، استجابة للأجندة الإيرانية في مواجهة العقوبات الأميركية". وفي السياق، نفى مصدر قيادي في "تيار المستقبل" في شكل قاطع إمكان توزير سنة 8 آذار، في حال انسحاب النواب السِّتَّة من الكتل التي شاركوا معها في الاستشارات. وأكد أن الحريري "ليس معنياً بكل ما يطرح في بازارات التوزير، وموقفه من هذه المسألة لا يخضع للمساومة تحت أي ظرف". إلى ذلك، اتهم نائب "القوات" وهبي قاطيشا "حزب الله" بأنه "يأخذ لبنان وحكومته رهينة، من خلال استحداث العقد الحكومية وفق أجندة إقليمية مرتبطة بإيران والعقوبات عليها، وخوض حرب عالمية على كل الجبهات باسم طهران". ورأى أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون "كان غاضباً في إطلالته الأخيرة من الحزب".