الأربعاء 14 مايو 2025
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

البياتي... ابعدته سخريته إلى المنفى

Time
الخميس 14 مايو 2020
View
5
السياسة
الساخرون على مائدة رمضان

إعداد - نسرين قاسم:

كان الشاعر العراقي البارزعبد الوهاب البياتي، عنوانًا للأديب الخلافي الرافض للمسلمات، الساخر اللاذع والمقوم لما هو معوج من خلال كتاباته وأعماله التي أثرت حياتنا وأثرت فينا.
وقد تميزت أشعار البياتي بالسخرية ولكنها لا تعتمد على الضحك كما هو شائع في كتابات الساخرين، انما السخرية التي ترتبط بالمآسي خصوصا في مواجهة السلطة والسياسة متمردا عليها وساخرا منها، ففي ديوانه "يوميات سياسي محترف" سخر من الوضع الذي وصل إليه العراق فقال في قصيدة "الباب المضاء":" الليل والباب المضاء واصدقائي الميتون... بلا وجوه يحلمون... بالفجر والحمى وصناع الظلام... يتاجرون بما تبقى من سموم"وفي موضع آخر يقول: "كل الدروب هنا الى روما تؤدي والذئاب تسطو على من لا كلاب له، وسفاكو الدماء يقامرون بما تبقى من رصيد".
ولأنه كان يسير على طريقة المتنبي في السخرية المرتبطة بالمآسي، فقد اقتبس من اشعاره وزادها سخرية مما يراه في واقعه عندما قال:
"لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى... حتى يراق على جوانبه الدماء
والليل والباب المضاء... والشارع المهجور والقتلى واقنية المياه
والريح والدم والمداخن والهواء... من سطوة الارهاب تزحف في الوحول.
في موضع آخر يسخر مما يحدث باسم النظام قائلا:
والشارع المهجور تذرعه الكلاب... وفصائل الجند المدجج بالسلاح...قف في مكانك، ايها الوغد الزنيم... باسم النظام... والليل و الحمى و اضواء المقاهي الخاويات... وعصائب البوليس تقتحم البيوت: باسم العدالة، ايها الجرذ الحقير...الباب افتح !"
وعن حال العرب والمساومات والعقلية السياسية العربية يسخر قائلا: سفن الفضاء تعود من رحلاتها... عبر الفراغ الموحش الأبدي... والضوء البعيد ينهل من نجم الموت...
وكواكب أخرى تموت... عبر آلاف السنين... وكائنات لا ترى بالعين... تولد من جديد.
ونحن ما زلنا على صهوات خيل الريح...موتى هامدين... عميا نزيد و نستزيد...ونموت في حتى وفي انساب خيل الفاتحين... نتبادل الادوار...نشتم بعضنا بعضا... ونستجدي على بوابة الليل الطويل".
التجارب الشعرية لعبد الوهاب البياتي الذي ولد في عام 1926 ورحل في عام 1999، واسعة وخصبة ومتشعبة ومبهرة ناتجة عن معاناته الطويلة في المنافي التي أتاحت له الفرصة للتعرف على شعراء كبار من مختلف أنحاء العالم، وقراءاته المعمقة للأدب العالمي صقلت تجربته الشعرية، ومنحتها بعدًا إنسانيًا عالميًا، فلم يكن واحدًا من الشعراء الذين ارتضوا الإقامة في الظل أو التعويل على الصمت، إنما كان صوته بقوة الأوطان ومن سخريته أداة لتقدمها، فقد جند نفسه لخدمة شعره، ولتثبيت موقعه المتقدم في حركة الحداثة، موزعًا حياته بالتساوي بين اقتراف الكتابة وخوض المعارك الشخصية والأدبية الصاخبة للدفاع عنها.
ويتضح ذلك في عشرات الأعمال التي قدمها للجمهور العربي و كتب فيها عن المرأة وعن الفقراء وعن اللاجئين الفلسطينيين وعن الغربة والنفي والحكام الطغاة الذين يسفكون دماء شعوبهم ويسرقون الضوء من عيون الأطفال ويحولون الحقول الزاهية إلى سجون مظلمة وأسلحة تفتك بالفقراء الذين يطالبون بالحرية والكرامة: "مولاي! أمثالي من البسطاء لا يتمردون؛ لأنهم لا يعلمون، بأن أمثالي لهم حق الحياة، وحق تقرير المصير.
وإن في أطراف كوكبنا الحزين، تسيل أنهار الدماء.
من أجل إنسان الغد الآتي السعيد.
من أجلنا مولاي أنهار الدماء تسيل من أطراف كوكبنا الحزين".

مواقف وطنية
عمل "البياتي" بالصحافة عام1954م في مجلة "الثقافة الجديدة" وكان قلمه شديد السخرية، حيث كانت عينه ترى المشاكل الاجتماعية والتصرفات السياسية فترصدها ثم يحولها قلمه إلى حديث صاخب يثري المجتمع ويشير إلى مواطن الخطر بأسلوبه الساخر الذي كلفه حريته فترة من الزمن، كما كان لـه الكثير من المواقف الوطنية التي قدم نفسه و قلمه فيها ليحيا الوطن.
كل هذه المواقف تسببت في إقصائه عن وظيفته بعد إغلاق مجلة الثقافة الجديدة التي كان يعمل بها مسبقا، واعتقل لفترة من الوقت، كل تلك المواقف لم تنسه بغداد وهواه بها، ورغم كثرة أسفاره في المنافي ظلت بغداد هاجسه الأول والأخير، حيث يقول لها: "مهما طال حوار الأبعاد، فستبقى بغداد، شمسا تتوهج، ونبعا يتجدد".
وبعد فترة اعتقاله سافر "البياتي" إلى سورية ثم بيروت ثم القاهرة وزار الاتحاد السوفيتي ما بين عامي 1959 و1964، واشتغل أستاذًا في جامعة موسكو، ثم باحثًا علميًا في معهد شعوب آسيا، وزار معظم أقطار أوروبا الشرقية والغربية، وفي سنة 1963أسقطت عنه الجنسية العراقية. وترجمت قصائد "البياتي"إلى معظم لغات العالم، وبخاصة الإسبانية التي ترجم إليها ثمانية من دواوينه، وترجم إلى الفرنسية عبد اللطيف اللعبي "سيرة ذاتية لسارق النار"، كما ترجم شعره إلى اليونانية والإنكليزية والألمانية، وغيره.
آخر الأخبار