محمد الفوزانكان هناك نجـار تقدم بـه العمر، فطلب مـن رئيسه في العمـل، صاحـب المؤسسة، أن يحيله إلى التقاعـد؛ ليعيش بقية عمـره مع زوجته وأولاده، فرفض صاحب العمل طلبه، ورغَّبه بزيادة مرتبه، إلا أن النجار أصر على طلبه، فقال له صاحـب العمل: "إن لي عندك رجاء، وهو أن تبني منزلاً أخيراً"، وأخبره أنـه لن يكلفـه بعمل آخر، ثـم يحال للتقاعـد، فوافق النجار على مضض.بـدأ النجار العمل، ولعلمه أن هـذا البيت هـو الأخير الذي سوف يبنيه، فإنه لم يحسن الصنعة، واستخدم مواد رديئة الصنع، وأسرع في الإنجاز من دون الجودة المطلوبة، وكانت الطريقـة التـي أدى بها العمل نهايـة غير سليمـة لعمر طويل مـن الإنجاز والتميـز والإبداع.عندما انتهـى النجار العجوز من البنـاء سلم صاحب العمل مفاتيح المنـزل الجديد، وطلب السمـاح له بالرحيل، لكـن صاحب العمـل استوقفه وقال له:" إن هذا المنزل هـو هديتي لك؛ نظير سني عملك في المؤسسة، فآمل أن تقبلـه مني"، فصعـق النجار مـن المفاجـأة؛ لأنه لو علم أنه يبني منزل العمر، لما توانى عن الإخلاص في الأداء، والإتقان في العمل.كل منا نجار يبني لنفسه في هذه الحياة بإتقان وضمير، وبالتالي ينعكس بناؤه على من حوله ومجتمعه انعكاسا إيجابيا، فينهض المجتمع وتزدهر البلاد، وتتحقق التنمية والتقدم، فإتقانك لعملـك يفضـي بك إلى نتائج رائعة لك ولبلادك، وعدم إتقانك له قد يجعلك أكبر الخاسرين، وتخيل الكارثة عليك وعلى الأجيال من بعدك، وعلى بلادك عندما يعم التسيّب، وعدم الجدية، والاهتمام بما يجب أن تؤديه من أعمال مكلّف بها.لهذا قال الله تعالى:"وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ". وقال الرسول( صلى الله عليه وسلم):" إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقنه"، وهذا الحديث مُوَجّه من خير البشر محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) إلى جميع أمته، ذكراً كان أو أنثى، صغيراً كان أو كبيراً، حاكما كان أم محكوماً، كما أنه موجه لجميع أصحاب المهن، وبخاصة من يعمل في الخدمات العامّة والمشاريع التي تنفع الأمة، وتساهم في رفع اقتصادها وتميزها.فالرسول (صلى الله عليه وسلم) من خلال هذا الحديث الشريف يوجه الكلام الى الوزير، والأمير، والمدير، والمدرس، والطبيب، والتاجر، وجميع أصحاب الوظائف، العامة والخاصة، مهما كانت صغيرة أو كبيرة، ويحضهم على إتقان أعمالهم والتفاني فيها والإخلاص لها، والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والمجتمع من اجل نهضته وتنميته، وربط هذه المسؤولية برضى الله تعالى.إمام وخطيب
[email protected]