طلال السعيدفي المهرجانات الخطابية ذات الطابع السياسي حين يشتد التصفيق والهتاف يفقد العاقل، وهو يخطب، نصف عقله مع نشوة التفاعل الجماهيري، فيتجاوز الخطوط الحمراء ويرفع سقف الخطاب فيشطح شطحات توقعه تحت طائلة القانون، وهو لا يعلم، أما الذي يتعمد فذلك موضوع آخر.لذلك لا بد لمن يخطب في التجمعات ان يتحلى بعقلين فاذا طار منهما عقل مع التصفيق والهتاف يبقى معه عقل آخر كامل يردعه ويوقفه عند حده، قبل أن يقع في المحظور، فالدولة لاتسمح نهائيا في كسر هيبتها، او التطاول عليها حين يتقمص احد الخطباء شخصية القذافي، الذي هو بالاساس متقمص لشخصية عبدالناصر، فيشطح شطحات، كل شطحة تشكل جريمة امن دولة بحد ذاتها، ثم ما يلبث ان يقع تحت طائلة القانون!
المتوقع ان تصدر أحكام مشددة ضد خطباء التجمعات الاخيرة لـ"البدون" او لغير محددي الجنسية او المقيمين بصورة غير قانونية او الكويتيين "البدون"، وكلها مسميات لفئة واحدة، تجمعوا ثم تحول التجمع مهرجانا خطابيا تجاوز بعض خطبائه الخطوط الحمراء، لدرجة ان احدهم طالب من المنتحرين التحول الى انتحاريين لقتل اعضاء اللجنة المركزية، فامرت النيابة العامة بحبسهم 21 يوما واحالتهم الى القضاء!كل التجمع لم يكن له داع، وتحوله مهرجانا خطابيا خطأ فادح، فالحكومة اطول نفسا من الجميع، فقد تتفرج في بعض الاحيان، لكنها تتحرك فيما بعد بقوة لاستعادة هيبتها، وقد يصبح احد الخطباء بطلا موقتا، لكن ما يلبث ان يتخلى عنه اقرب الاقارب حين يقع ويلقى القبض عليه، وأول من يتخلى عنه من حرضه على ان يخطب، ويرفع السقف، مع العلم ان كل من صفق هو شريك، لكنه حرض ثم اختفى، وترك صاحبه يواجه التهمة وحيدا، عندها فقط سوف يندم حين لاينفع الندم!الدولة مسؤولة عن حماية المجتمع، وتطبيق القانون، وهذا الذي كان بالامس قدوة للمتجمهرين سيصبح اليوم اداة يؤدب فيها الاخرون، ولو فكرنا مليا بالامر كله لوجدنا ايادي خفية لها مصلحة في زعزعة الامن، هي التي تحرك تلك التجمعات، ليس لنصرة قضيتهم، فهم بالاساس لايؤمنون بها، لكن لزعزعة الامن، او لاهداف اخرى لا تخفى على كل ذي لب، فيندفع من يندفع معهم على غير هدى فيضيع ويضيّع قضيته!هناك مجموعة في السجن، وهناك مجموعة اخرى هاربة من الاحكام خارج البلاد، وهناك مجموعة يحقق معها، وكل هؤلاء ضحايا التهور والتصفيق والهتاف...زين.