نجوم صنعها رمضانالقاهرة - محمد حليم:حلَّت بوجهها البشوش لسنوات طويلة على شاشة رمضان، سحرت العيون بأدائها منذ الإطلالة الأولى لها في دراما الشهر الكريم عندما قدَّمها المخرج إسماعيل عبدالحافظ في مسلسل "الشهد والدموع"، ومن بعده رائعة الدراما "ليالي الحلمية"، لتدخل القلوب بتلقائيتها وقدرتها على المعايشة، التي تجعل المشاهد لا يملك إلا تصديقها، ومن يتأمل الأعمال التي لاقت نجاحاً كبيراً في رمضان يجدها صاحبة بصمة كبيرة فيها، فمن ينسى أدوارها في "المال والبنون، حديث الصباح والمساء، ضمير أبلة حكمت، هوانم غاردن سيتي، قضية نسب، حق مشروع، أفراح إبليس، أين قلبي، امرأة من زمن الحب"، وغيرها العديد من الأدوار التي جعلتها نجمة رمضانية بلا منافس، وإن تناسى البعض هذه الأدوار فمن يمكنه نسيان دور "فاطمة كشري" في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"، و شخصية "ريا" في مسلسل "ريا وسكينة"، ودور "نصرة" في "سلسال الدم" بأجزائه المختلفة.
تألقت في "ليالي الحلمية" وشاركت فاتن حمامة في "ضمير أبلة حكمت"قروية بسيطة تحدَّت الجميع بدور الأرستقراطية في "هوانم غاردن سيتي"تقاسمت البطولة مع يسرا في "أين قلبي" وانفردت بها في "سلسال الدم"تحمل أفكاراً اشتراكية... وترى أنَّ جمال عبد الناصر أسطورة خالدةيوسف شاهين تحمَّس لموهبتها وقدَّمها في مجموعة من أفلامهإنها الفنانة الكبيرة عبلة كامل، التي خطفت الأنظار ليس فقط في الدراما الرمضانية ولكن أيضا في المسرح والسينما.في صباح 17 سبتمبر 1960 بإحدى قرى إيتاي البارود بالبحيرة، بينما يلهو الأطفال فرحة بنسمات الخريف التي هلت لتشع في الخلاء بهجة، وقف الحاج كامل محمد، في قلق وترقب، منتظراً امرأته التي تلد، حتى جاءته بوجه القمر عبلة.نشأت عبلة كامل في أجواء ريفية، اكتسبت منها ملامحها البسيطة الهادئة، مع التلقائية وعدم التكلف في التعامل والتصرف، وهو ما ميزها فيما بعد، وجعلها تشكل توجه خاص بين فناني جيلها، وفي هذه الأجواء، أيضاً، تشكلت لديها البوادر الفنية من خلال سينما الستينات، حيث اعتادت مشاهدة الأفلام مع أسرتها، وعندما تنتهي تقلد ما تراه أمام المرآة، وقالت عن تلك الفترة، إنها عشقت مشاهدة أفلام المخرج الراحل فطين عبدالوهاب، وعرفته وهي طفلة من خلال تقديم المذيعة له قبل عرض أعماله بالتلفزيون، وذكرت عبلة أيضا إنها أحبت فيلم "للرجال فقط" وكان سببا في عشقها التمثيل.بدأت عبلة، تحلم بأن تكون ممثلة كبيرة مثل فاتن حمامة وسعاد حسني ألمع نجمات طفولتها، وكانت تتحين الفرصة، التي جاءتها عندما التحقت بكلية الآداب جامعة القاهرة تخصص مكتبات، حيث انضمت إلى فريق المسرح، ونالت المركز الأول على مستوى ممثلي مسرح الجامعة، هنا غمرتها الفرحة وزادت ثقتها في موهبتها وأن لديها قدرة لتصبح ممثلة كبيرة، من خلال تشجيع أصدقائها لها وثنائهم على أدائها في مسرحيات "ساحرات سالم" لآرثر ميلر و"تاجر البندقية" لشكسبير، لذا تدين عبلة بالفضل للمسرح، وترى أن الممثل يتعلم من خلاله.أحلام وآمال كبيرة نمّاها المسرح في نفس عبلة، وبفضل هذه الثقة والموهبة اللافتة باتت أحد أهم أعضاء فريق الورشة المسرحي، الذي أسسه حسن الجريتلي، وعلى مسرح "الطليعة" قدمت الفرقة مونودراما "نوبة صحيان"، واستطاعت عبلة لفت نظر الحضور، وكان بينهم المخرج العالمي يوسف شاهين الذي اقتنع بموهبتها، وبحكم حرصه على اكتشاف ودعم المواهب، ضمها إلى فيلم "وداعاً بونابرت"، فكان هو "الأستاذ" بحسب تعبيرها، الذي تعلمت منه التمثيل، إذ قال لها "لكي تكوني ممثلة يجب ألا يشعر المشاهد أنك تمثلين".دفعت المشاركة في "وداعا بونابرت" الفنانة عبلة لأن تمتهن التمثيل، وبعدها طلبها المخرج إسماعيل عبدالحافظ للمشاركة في الجزء الثاني من رائعة الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة "الشهد والدموع"، بجانب يوسف شعبان، نوال أبو الفتوح ورجاء حسين، كما اشتركت عبلة أيضا في تلك الفترة بفيلم "الطوفان" إخراج بشير الديك بترشيح من الفنان محمود الجندي، ثم جسدت دور "أم هناء" في فيلم "للحب قصة أخيرة" مع المخرج رأفت الميهي وبطولة يحيى الفخراني وتحية كاريوكا."اليوم السادس"رغم أنَّ عبلة، لم يكن عمرها تجاوز 26 عاماً، إلا أن موهبتها دفعت أهم المخرجين لضمها إلى أعمالهم، ما جعلها تحقق مكانة فنية خاصة، اعتمادا على تلقائية أدائها وعدم التكلف، فأجمع الجمهور وأهل الفن أنها "الفنانة الطبيعية"، وأيضا لعدم استخدامها الماكياج إلا في الضرورة، وتؤكد عبلة "ان التلقائية تحيرها وهي لا تقصد ذلك، كما لا تكره الماكياج لكن لا تحب استخدامه إلا في الضرورة".في هذه الأثناء شاركت عبلة، في فيلم "اليوم السادس" مع الفنانة العالمية داليدا ومحسن محي الدين من إخراج الراحل يوسف شاهين، وبعدها جسدت دور سميحة عبدالستار في فيلم "البنات والمجهول" مع صابرين وشيرين، وأثناء البروفات سألتها الإعلامية سلمى الشماع عن طموحاتها الفنية، لتجيب بعفوية المرأة القروية، أنها تريد الحصول على "الأوسكار".حصدت عبلة، جائزة أفضل ممثلة دور ثاني عن أدائها في فيلم "الطوفان"، وجائزة الامتياز عن دورها في فيلم "للحب قصة أخيرة"، ما عزز وجودها الفني بدرجة كبيرة، ليقدمها المخرج إسماعيل عبدالحافظ، العام 1987 في رائعة الكاتب أسامة انور عكاشة "ليالي الحلمية"، ونظرا لأنها أقنعته في الجزء الثاني من "الشهد والدموع"، اختارها للمشاركة في العمل الذي يمثل جزءاً رئيسياً من الذاكرة الفنية المصرية عن صراع العمدة سليمان غانم والباشا سليم البدري، وقدمت عبلة فيه دور"رقية البدري".بعدها، انطلقت عبلة لتجسد دور "فاتن" في فيلم "التعويذة" الذي أدى بطولته الفنان الراحل محمود ياسين، بمشاركة الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا، وتميزت عبلة فنياً، وأقنعت الجميع بموهبتها، واكتسبت لقب الفنانة التلقائية، لتطلبها "سيدة الشاشة العربية" فاتن حمامة للمشاركة في فيلم "يوم مر ويوم حلو".لم تصدق عبلة نفسها، فرغم كل ما حققته من نجاح، إلا أن حديث الفنانة فاتن حمامة لها، كان مفاجأة لم تتوقعها، إذ هرولت كالأطفال، واستعادت ذكريات الطفولة وهي تشاهد التلفزيون وسط أسرتها، وكانت فاتن حمامة سبب عشقها للتمثيل.جسدت عبلة دور "سعاد عبدالجبار" في الفيلم الذي عرض العام 1988، عن أرملة توفي زوجها وترك لها خمسة أبناء، وقالت عبلة عنه: "كنت أتمنى ان أمثل أمام فاتن حمامة، منذ زمن وعندما حانت الفرصة، أحسست أني كنت سأخسر كثيرا إذا لم أعمل معها.. أي فنان لم تتح له فرصة التمثيل أمام فاتن حمامة يخسر كثيرا، لقد وجدت منها كل ترحيب وتشجيع، ولم ألحظ فيها أي تعال علينا نحن صغار الفنانين"."وجهة نظر"شكلت تجربة عبلة مع "سيدة الشاشة العربية" فاتن حمامة، انطلاقة كبيرة لها حتى منتصف التسعينات، تنوعت بين المسرح والسينما والتلفزيون، فقدمت أفلاما منها "نهر الخوف" مع محمود عبدالعزيز، "سرقات صيفية" إخراج يسري نصرالله، "حكاية نص مليون دولار" مع يحيى الفخراني، كما جسدت دور "نوال" في فيلم "سارق الفرح" لداود عبدالسيد، وحصدت عنه جائزة أفضل ممثلة مساعدة من "جمعية الفيلم". تعاونت عبلة، أيضا مع الفنان أحمد زكي في فيلم "سواق الهانم"، كما شاركت في فيلم "إسكندرية كمان وكمان"، التي تعد التجربة الآخيرة لها مع يوسف شاهين، ووصفت العمل مع شاهين أنها "تجد أن ما يطلبه منها، هو ما تريده بالضبط". كما قدَّمت مجموعة من المسلسلات، أهمها رائعة الكاتب محمد جلال عبدالقوي "المال والبنون"، بجزأيها الأول والثاني بدور "رقية محمد المالكي"، واستمرت في تجسيد "رقية البدري" في "ليالي الحلمية" حتى الجزء الخامس، كما اختارتها فاتن حمامة لتشاركها مجدداً في مسلسل "ضمير أبلة حكمت" بعدما أقنعتها بموهبتها في فيلم "يوم مر ويوم حلو". أما في المسرح فعملت عبلة، بأكثر من مسرحية خلال مرحلة الانتشار، إلا أن تقديمها دور الكفيفة مع الفنان محمد صبحي في مسرحية "وجهة نظر" حقق لها نجاحا جماهيريا كبيرا، ويعتبره الكثيرون أهم أدوارها المسرحية.تعد المرحلة السابقة بمثابة الانتشار الفني لعبلة كامل، تمرست خلالها على اختيار الأدوار، وتجلت أهمية الأبعاد الإنسانية في اختيارها للدور بدلا من الحجم، واعتمدت على الكتابة الجيدة للشخصية في إطار النص الكامل للعمل سواء سينما أو تلفزيون، وترى عبلة أن الشخصية يجب أن تكون متحركة عبر تطور درامي بشكل عميق غير سطحي، وأن تكون علاقتها بالواقع منطقية وصادقة.في العام 1996، نالت عبلة الجماهيرية الطاغية التي لم تكن تحلم بها بحكم نظرتها الخاصة في اختيارها للأدوار، حين أدت دور "فاطمة كشري" في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"، مع الفنان الكبير نور الشريف، الذي وضعها على رأس نجمات الدراما الرمضانية، ثم رسخت بعدها مفهومها كنجمة رمضانية في مسلسل "هوانم غاردن سيتي"، الذي عرض في رمضان 1998، وجسدت دور أرستقراطية، ورغم أن البعض اعتقد أن عبلة "التلقائية"، التي تعتمد البساطة في تقديم أدوارها، لن تستطيع أداء الدور، لكن الواقع خالف آرائهم تماما، فاستطاعت بفضل موهبتها أداء الشخصية بمعايير أدهشت الجميع. وانتقلت عبلة بعدها، لدور "لبيبة" في مسلسل "امرأة من زمن الحب"، بطولة الفنانة الكبيرة سميرة أحمد، وعززت من نجوميتها الرمضانية في العام 2001، عندما لعبت دور "جليلة" في مسلسل "حديث الصباح والمساء" عن قصة الأديب الراحل نجيب محفوظ، وفي رمضان التالي تقاسمت مع يسرا بطولة مسلسل "أين قلبي". مثلما أصبحت عبلة، من ألمع نجمات دراما رمضان، كانت كذلك في السينما نجمة أولى، يتسابق الجمهور لمشاهدة أعمالها، فتقاسمت البطولة مع أحمد زكي بداية من فيلم "هيستيريا" العام 1998، وحصدت جائزة أفضل ممثلة من المهرجان القومي للسينما، وكذلك أفضل ممثلة من مهرجان السينما العربية بباريس، وبعدها بعام أدت بطولة فيلم "عرق البلح" للمخرج رضوان الكاشف.توجهت عبلة إلى الكوميديا وفضلتها عن الأدوار الحزينة، ومن خلالها ترى أنه يمكن أن تقدم رسائل مهمة بطريقة مرحة، فبدأت بفيلم "اللمبي" العام 2002 مع الفنان محمد سعد في دور "فرنسا"، ثم "كلم ماما" في دور "عسلية"، وفي العام نفسه قدمت "اللي بالي بالك" مع محمد سعد وحسن حسني، ثم "خالتي فرنسا" في دور "ندابة" بالأحياء الشعبية، و"سيد العاطفي" في دور سائقة تاكسي تشجع النادي الأهلي، إلى أن قدمت "بلطية العايمة" العام 2008.نجومية عبلة في الكوميديا، لم تبعدها عن دراما رمضان، التي حققت شعبيتها الكبيرة، فقدمت مسلسلات "قضية نسب" مع عزت أبوعوف، "حق مشروع" مع حسين فهمي، "أفراح إبليس" مع جمال سليمان، ثم سلسلة أجزاء "سلسال الدم" أحد أهم الأعمال الدرامية في السنوات الأخيرة، واستطاعت معها أن تعيد للجمهور ذاكرة الأعمال الدرامية الطويلة، وبدأتها في العام 2013، عن "نصرة" الصعيدية وجسدتها عبلة كامل، التي تفقد زوجها بعد تعرضه للقتل على يد عمدة البلدة التي تعيش فيها، وتقرر أن تتمرد على الظروف كونها أرملة ووحيدة، وتتبع كل الوسائل الممكنة للانتقام من غريمها العمدة "رياض الخولي"، فى محاولة للثأر لدم زوجها المقتول."الباب المفتوح"لدى عبلة كامل أفكار خاصة، ساهمت في أن تكون فنانة كبيرة، فغير تلقائيتها وعدم التكلف، كان لها تكوين ثقافي خاص، إذ اعتادت الذهاب إلى المكتبة منذ طفولتها، ما مكنها من القراءة في كافة المجالات، وأن تكون صاحبة وجهة نظر مستقلة، جعلتها نجمة جيلها بلا منافس. ومثلما قالت في تصريحات سابقة، إنها تعيش الشخصية قبل التصوير بدقائق، وبمجرد أن ينتهي التصوير تنتهي معه الشخصية، لأن الفنان يختزل انماط الناس التي يحتك بها ويراها طول الوقت ويسترجعها عندما تعرض عليه شخصية مطابقة. تحمل عبلة أيضاً أفكاراً اشتراكية، وترى أن جمال عبدالناصر هو الزعيم الخالد، الذي لا ينسى، وتقول أنها لم تبك في طفولتها سوى يوم وفاة عبدالناصر، أيضا أكدت أن السينما احترمت المرأة في فترة وعبرت عنها بصدق دون تكلف أو استهانة، ودافعت عنها كقيمة حقيقية في المجتمع مثل الرجل، ومنها أفلام "الباب المفتوح" و"لا وقت للحب"، وهو ما افتقدناه بعد ذلك من اختزال المرأة في السينما في الكائن الضعيف المغلوب على أمره، أو شرير يجب كرهها. وترى أن القطاع العام الذي أسسه عبدالناصر كان يؤسس لسينما عبقرية، ولولاه ما عرفت الفن أو عشقته. تلقائية عبلة، تقترن بصراحة حقيقية، مما أعطى فكرة أنها صاحبة شخصية قوية، وروت أنها خلال دراستها بالجامعة، طلب منها أستاذ مادة "أدب الأطفال"، أن تقرأ قصة علمية أثناء المحاضرة وتعلق عليها، فقرأتها وحينما انتهت قالت له إن القصة سخيفة وجافة ومملة، ثم فوجئت أن الدكتور هو مؤلف القصة لتخرج من المحاضرة دون أن تحضر له مرة ثانية.تزوجت الفنانة عبلة كاملة مرتين، الأولى من الفنان أحمد كمال، وتعرفا على بعضهما في فرقة الورشة، وقدما معا مجموعة مسرحيات، عبلة التي تميزت بثقافة عالية، بجانب ملامحها الريفية، وتعبيراتها العفوية، لفتت نظر كمال، وجمعتهما قصة حب توجت بالزواج، ليرزقهما الله بابنتيهما التوأم زينب وفاطمة، لكن مع صعود نجم عبلة في السينما، وانتظام كمال في المسرح، اختلف طريقهما، وانتهت الزيجة بالطلاق، لكن مازال الود قائماً، ففي الوقت الذي عانت فيه عبلة من شائعات الإعتزال والإصابة بالسرطان، أطل كمال مكذبا ما يتردد، ومؤكدا أنها بصحة جيدة، وانها لم تعتزل التمثيل، وتنتظر أن يعرض عليها أدوار تلقى قبولها.أما الزيجة الثانية فكانت من الفنان محمود الجندي العام 2003، واستمرت لعامين فقط، وانتهت بالطلاق، بسبب الغيرة الفنية، حيث شعر الجندي بأن الأعمال الفنية التي تعرض عليه أغلبها مجاملة لزوجته، ما دفعه بحسب تعبيره أن يرفض اعتباره "زوج الست"، ولم تنجب عبلة من محمود الجندي، إلا أنها خلال زيجتها منه ارتدت الحجاب، أثناء عودتها من الحج، وأكد أنه ليس له علاقة بهذا القرار، بل نصحها بأن يكون نابع من داخلها، وليس مجرد فترة قصيرة فقط، ثم تعود عنه.

عبلة في مسلسل "سلسال الدم"

... ومسلسل "ريا وسكينة"
