م. أفراح جاسم السعيدييعرف الاتجاه على انه المعتقدات والقيم التي يحملها الفرد تجاه موضوع معين، ويتكون من مكونات معرفية وعاطفية وسلوكية، وقد يكون الاتجاه إيجابيًا، أو سلبيًا، أو محايدًا، وقد يؤثر على تصرفات الشخص وردود فعله.أما السلوك هو الإجراء الفعلي الذي يتخذه الفرد بناءً على توجهه، أي إنه الاستجابة أو التصرف الفعلي الذي يمارسه الشخص في ضوء معتقداته وقيمه وتوجهه، وكلاهما يؤثران على بعضهما بعضا، ويتفاعلان بشكل مستمر في تشكيل سلوك الفرد الذي قد يتمثل في أفعال، أو قرارات، ملموسة أو غير ملموسة.كما تعتبر التوجهات أساسًا في بناء الثقافة المؤسسية، لأنها تمثل القوى الدافعة والإرشادية للأفراد في تصرفاتهم وقراراتهم، أي إذا كانت التوجهات والقناعات موجهة نحو التفوق والابتكار والجودة، ستنعكس في ثقافة المؤسسة، وتعزز التفوق والنمو المستدام، وعلى العكس من ذلك، إذا كانت سلبية أو متعارضة مع رؤية المؤسسة، فقد ينتج عن ذلك تعثر في تحقيق الأهداف، وعدم التوافق بين الأفراد.يتم تكوين الاتجاهات من ثلاث ركائز، أولها التقييم المعرفي، وهو عملية تقييم الأفراد، وكل ما هو متاح حاليا، والمعرفة السابقة المرتبطة بالموضوع، ويعتمد على التفكير والاستدلال العقلي للوصول إلى تقييم معقول لاتخاذ قرارات.الركيزة الثانية، التقييم العاطفي، وهي عملية تقييم الأفراد للمشاعر والعواطف المرتبطة بموضوع معين، ويتضمن ذلك تقييم الإيجابية أو السلبية للمشاعر التي تنشأ عند التفكير في الموضوع أو تجربته، عندما يقيم الفرد عاطفيا، يعبر عن مشاعره وردود فعله تجاه الموضوع، بناءً على تجربته الشخصية وقيمه العاطفية. يمكن أن يكون التقييم العاطفي إيجابيًا إذا أثار الموضوع مشاعر سعادة، أو ارتياح، أو تأثرًا إيجابيًا، ويمكن أن يكون سلبيًا، إذا أثار الموضوع مشاعر حزن، أو غضب، أو توتر.الركيزة الثالثة، والأخيرة، هي النية السلوكية التي تعني استعداد الشخص لممارسة سلوك معين، أي القصد أو الإرادة المتعلقة بتصرف محدد.تعد النية السلوكية خطوة مهمة قبل تنفيذ السلوك الفعلي، فعندما تكون لدى الشخص نية سلوكية، يظهر استعدادًا أو قصدًا لممارسة السلوك المناسب في ظروف محددة.يمكن أن تتأثر النية السلوكية بعوامل عدة مثل الاعتقادات الشخصية، والقيم، والمعتقدات الاجتماعية، والتوقعات والمحفزات، وتهمل النية السلوكية القصد الداخلي للشخص واستعداده الفعلي للتصرف، وهي تعكس الارتباط بين الاعتقادات والأهداف الشخصية والمواقف المحيطة.وعندما يكون لدى الشخص نية قوية وثابتة، فإن ذلك يزيد من احتمال تحقيق السلوك المقصود في المستقبل، مثال على ذلك عندما تكون لدى شخص النية السلوكية للمشاركة في النشاط الرياضي، فإنه يظهر رغبة واضحة في ذلك، ويكون على استعداد لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق هذا الهدف، مثل التسجيل في صالة الألعاب الرياضية، أو شراء معدات رياضية.وللتوجهات تأثير بشكل مباشر على السلوك المؤسسي، فعندما يتشارك الأفراد التوجهات تصبح لديهم قاعدة مشتركة لاتخاذ القرارات، والتصرف بشكل متناغم يزيد من تناغم الفريق، ويعزز الثقة المتبادلة، وبالتالي يكون للتوجهات الإيجابية تأثيرها على الأداء وتحقيق الأهداف.كذلك لها تأثير مباشر على السلوك المهني للأفراد في المؤسسة، على سبيل المثال، إذا كانت لديهم قناعات تؤمن بالنزاهة والأخلاق العالية، سيكون سلوكهم المهني يتسم بالنزاهة والتزام المعايير الأخلاقية.في المقابل، إذا كانت لديهم توجهات سلبية، أو قناعات تشجع على السلوك غير المهني، فقد يؤثر ذلك سلبًا على أداء المؤسسة.كما تعتبر التوجهات أيضًا عنصرا محوريا في تشكيل هوية المؤسسة، فهي تعكس القيم والمبادئ التي تميز المؤسسة عن الآخرين، وتحدد ما تؤمن به وتهدف إليه، وإذا كانت التوجهات والقناعات متسقة مع رؤية وقيم المؤسسة، سيتم تعزيز الهوية المؤسسية، والانتماء والولاء لدى العاملين، وهذا بدوره يؤثر على الروح المعنوية، والالتزام، والإبداع في العمل.لذلك، تؤدي ثقافة المؤسسة دورًا حاسمًا في تشكيل توجهات الفرد ومواقفه، فإذا كانت ثقافتها متسامحة، ومشجعة للابتكار، والتنوع، والعدالة، من المؤكد أن يتشجع الفرد على تبني توجهات إيجابية تتوافق مع قيمها.كذلك الحال في القيادة التي تؤدي دورًا مهما في توجيه وتأثير توجهات الفرد، فإذا كانت القيادة ملهمة وقادرة على توجيه الفريق نحو أهداف وقيم مشتركة، سيتبنى الفرد توجهات تتماشى مع رؤية المؤسسة، إذا كانت القيادة غير واضحة أو متضاربة، فقد يتشتت توجه الفرد.فمثلا المؤسسات الحكومية لديها توجه إيجابي نحو خدمة المواطنين، وتحسين جودة الحياة في المجتمع، وتتمثل مثلا في توفير خدمات عامة فعّالة، تحرص على الشفافية، وتعزز التنمية المستدامة، وبالتالي يتجسد سلوك المؤسسة في تنفيذ تلك التوجهات في الواقع، فتعمل على تسهيل وتحسين الإجراءات الإدارية وتقديم خدمات عالية الجودة للمواطنين، والتزام الشفافية، وتنفيذ سياسات وبرامج لتعزيز التنمية المستدامة وتحقيق المساواة، وفي هذا السياق يؤدي القائد دورًا حاسمًا في توجيه المؤسسة، وتحقيق التوجه والسلوك المرغوب، ويحدد الأهداف الستراتيجية للمؤسسة، وتوجيه الفريق نحو تحقيقها.لا يمكن تجاهل أهمية التوجهات والقناعات في المؤسسة لأنها العناصر الأساسية التي تشكل ثقافتها، وتحدد سلوك العاملين، لذلك ينبغي على المؤسسات العمل على تشجيع التوجهات والقناعات الإيجابية، وتعزيز التوافق مع الرؤية المؤسسية. كاتبة كويتية
[email protected]