تبدو الأزمة المالية العالمية التي حدثت في عام 2008 مجرد تجربة أداء ضعيفة للأزمة الاقتصادية الحالية بعد ان ضرب فيروس "كورونا" الاقتصاد العالمي.وبالفعل يبدو أن الانهيار قصير الآجل في الناتج المحلي الإجمالي العالمي الآن قد ينافس أو يتجاوز أيّ ركود اقتصادي وقع في غضون الـ150 عاماً الماضية وفقا لـ "مباشر". وحتى مع الجهود الشاملة التي تبذلها البنوك المركزية والسلطات المالية لتخفيف الضربة، إلا أن أسواق الأصول في الاقتصادات المتقدمة قد انهارت، كما تخارجت رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة بسرعة فائقة. ومن غير الممكن تفادي الركود الاقتصادي العميق ولا الأزمة المالية، لكن المعضلة الرئيسية تكمن حالياً في مدى سوء هذا الركود وإلى متى قد يستمر. وحتى نعلم كيفية التصدي لمأزق الصحة العامة بشكل سريع وشامل، فمن المستحيل عملياً بالنسبة لخبراء الاقتصاد التنبؤ بموعد نهاية هذه الأزمة، إذا انتعش قطاع التصنيع في الصين بشكل كامل، فمن سيشتري هذه السلع عندما يكون بقية اقتصاد العالم آخذ في الانهيار؟ أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن العودة إلى 70 أو 80 في المئة من طاقتها الإنتاجية يبدو وكأنه حلماً بعيد المنال. والآن، بعدما فشلت الولايات المتحدة بشكل ذريع في احتواء تفشي الوباء رغم امتلاكها النظام الصحي الأكثر تقدماً في العالم، فإن الأميركيين سيجدون صعوبة بالغة في العودة إلى الحياة الاقتصادية الطبيعية حتى يتوافر اللقاح على نطاق واسع، وهو الأمر الذي قد يستغرق عاماً أو أكثر. بالنسبة للوقت الراهن، يبدو أن الأسواق تشعر بالراحة حيال برامج التحفيز الأميركية الضخمة، والتي كانت ضرورية بكل تأكيد لحماية العمال العاديين ومنع السوق من الانهيار. وإذا كان هذا مجرد ذعر مالي، فإن ضخ الحكومة كميات هائلة من السيولة لتحفيز الطلب كان من شأنه حل هذا المأزق. وحتى بعدما يتم استئناف النشاط الاقتصادي، سيكون الضرر الذي يلحق بالشركات وأسواق الائتمان ذو تداعيات طويلة الأمد، وخاصةً بالنظر إلى الديون العالمية التي كانت بالفعل عند مستويات قياسية قبل بدء الأزمة.ومع ذلك تكمن المشكلة في أننا لا نعاني من صدمة طلب فحسب ولكن كذلك صدمة هائلة على جانب العرض ومن المرجح أن يسهم دعم الطلب في تسطيح منحنى العدوى عن طريق مساعدة الناس على البقاء في حالة من الإغلاق، لكن هناك حدا أقصى لقدرة هذه التدبير على مساعدة الاقتصاد إذا كان 20 إلى 30 بالمائة من القوى العاملة، على سبيل المثال، في عزلة ذاتية خلال غالبية العامين القادمين ، فيما لم يتم التطرق حتى إلى حالة عدم اليقين السياسي العميقة التي يمكن أن يثيرها الكساد العالمي.
وحتى من دون لقاح، يمكن أن يعود الاقتصاد إلى مستوياته الطبيعية بسرعة نسبياً إذا تم تنفيذ العلاج الفعال سريعاً.ولكن في ظل غياب اختبارات واسعة النطاق ووعي واضح بما قد يُعد طبيعياً في غضون العامين القادمين، سيكون من الصعب إقناع الشركات بالاستثمار والتوظيف، ولا سيما عندما يتوقعون فواتير ضريبية أعلى عندما ينتهي كل شيء.ومن المحتمل أن تكون خسائر أسواق الأسهم حتى الآن أقل من تلك المسجلة في عام 2008، وهو ما يرجع فقط إلى أن الجميع يتذكر كيف عاودت الارتفاع مجدداً خلال فترة التعافي.ولكن إذا اتضح أن تلك الأزمة التي وقعت قبل ما يزيد عن عقد من الزمن كانت مجرد مثال بسيط بالنسبة للأزمة الجارية، فلا ينبغي أن يتوقع المستثمرين حدوث تعافٍ سريع.